الطريق الى باب المندب بقلم/ علي ناصر محمد
بقلم/ علي ناصر محمد
اتصل بنا عدد من الأصدقاء يسألون عن عدد الجزر اليمنية وأسمائها باعتباري كنت أول محافظ للجزر بعد الاستقلال وصدر بتعييني قرار جمهوري رقم (4)، قبل الإعلان عن المحافظات (الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة) وكان رئيس الجمهورية قحطان الشعبي يريد أن يثبت للعالم حق اليمن الجنوبية على سيادة هذه الجزر، ويومها تفاجأت في هذا القرار فأنا لا أعرف هذه الجزر وعددها وسكانها وبُعدها عن عدن في البحر الأحمر والمحيط الهندي وبحر العرب. وكان علي أن أنفذ قرار رئيس الجمهورية الذي قال لي حينها مشجعاً بعد أن أخبرته بالصعوبات وشحة المعلومات والامكانيات وصعوبة الوصول اليها بحراً وجوا، قائلاً:
“نحن معك، والدفاع معك، والخارجية معك والوزارات معك والله معك”.
وشدّ على يدي مُصافحاً وهو يودعني، وقال:
“المهم، صرِّح للعالم بعد صدور القرار بأنّ هذه الجزر يمنية جنوبية، وأننا سنحميها وسنحافظ عليها، ولن نفرّط بسيادتنا عليها”.
بعد خروجي من مكتب الرئيس توجهت الى وزارة الخارجية وأرشيفها التي تأسست قبل الاستقلال وكان وزيرها الشيخ محمد فريد العولقي الذي كان يعتبر من أكثر الوزراء ثقافة وإدارة وسياسة ودبلوماسية، ولكنه غادر عدن قبل استقلال الجنوب كغيره من وزراء الاتحاد الفيدرالي في الجنوب.
وقد وجدتُ بعض المعلومات عن الجزر في أرشيف وزارة الخارجية كما استعنت بوزير الخارجية حينها المناضل سيف الضالعي المثقف والسياسي والخبير بالشؤون السياسية والذي كانت له علاقاته قبل الاستقلال مع بعض الدول والمنظمات كممثل للجبهة القومية. وكان من القيادات التي اشتركت في مفاوضات جنيف مع الرئيس قحطان الشعبي والذين قال عنهم اللورد شاكلتون وزير المستعمرات بأنهم رجال من عيار ثقيل.
وقد حدثني الوزير عن جزيرة بريم (ميون) التي حاول البريطانيون تدويلها باعتبارها بوابة البحر الاحمر، ولكن هذا العرض رُفض من قبل السكان ومن قبل قيادة الجبهة القومية، كما حدثني عن الخلاف في مفاوضات جنيف على جزر كوريا موريا، باعتبار هذه الجزر كما قال البريطانيون أُهديت للملكة فيكتوريا من سلطان عُمان عند توليها للعرش وأنهم اتفقوا على ألّا يتفقوا. وبدأت بجمع المعلومات عن هذه الجزر لأتمكن من معرفتها وزيارتها لاحقاً.
توجهت بعد ذلك الى مكتب وزير الدفاع حينها علي سالم البيض في مدينة الشعب ودخلتُ مكتبه فلم أجد من يستقبلني وطرقتُ باب الوزير وفتحته وإذا به لم يكن موجوداً.
غادرتُ مكتبه وتوجهتُ الى مكتب القائد العام للقوات المسلحة حسين عثمان عشال الذي استقبلني وطلبتُ منه معلومات حول الجزر! وحدثني حول ما كان يعرفه واكتفيتُ بذلك، وطلبتُ منه مساعدتي في السفر الى الجزر جواً او بحراً.. ولكنه قال إن صلاحيته بأن يرتب زورقاً للسفر الى الجزر، أما الطائرة الداكوتة التي كانت لدي الجيش، وهي من مخلفات الجيش البريطاني، فهي بحاجة الى أمر من وزير الدفاع. ولكن الخير فيما اختاره الله، لأنني لو حصلتُ على طائرة توصلني الى ميون وكمران فإنني لم أكن لأتمكن من مشاهدة جميع الجزر وحركة الملاحة في البحر في الطريق إليهما، والرحلة البحرية الشيقة التي عشتها مع طاقم الزورق الذي يقوده أحد البريطانيين.
توجهتُ الى البحرية وكانت هذه المرة الأولى التي أبحر فيها الى الجزر وتحدثتُ عن ذلك في كتابي “ذاكرة وطن.. جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990م”.. وقع الاختيار على مركب اسمه “الغزال” ليكون وسيلة الرحلة التي ستكون شاقة بلا ريب، وكان هذا المركب إحدى قطعتين ورثتهما الجمهورية الفتية عن القوات البريطانية الراحلة لتوّها من عدن وقوات بحرية لا يزيد عددها عن 50 شخص.
وعبر هذا الزورق انتقلنا في رحلة لمدة عشر ساعات الى جزيرة ميون في باب المندب التي تتمتع بموقع استراتيجي لا مثيل له وقد احتُلت من قبل البرتغاليين والفرنسيين وشركة الهند الشرقية والبريطانيين الذين احتفظوا بها 129 عاماً.
وزرنا بعد ذلك جزر حنيش وجبل زقر التي يوجد فيها فنار لإرشاد السفن وفي الطريق شاهدت عددا كبيرا من الجزر المتناثرة في البحر الأحمر حتى جزيرة كمران التي تعتبر من أكبر الجزر في البحر الأحمر.. وفي مرحلة لاحقة زرنا أرخبيل سقطرى وعبد الكوري وسمحة ودرسة وكعال فرعون، وكان البريطانيون يحتلون أهم ممرات الملاحة الدولية في المحيط الهندي وبحر العرب وباب المندب وقناة السويس وجبل طارق ومضيق هرمز، ولكن موقع عدن والجزر التابعة لها كانت ولا زالت تمثل أهمية استراتيجية وقد حافظنا عليها، أنشأنا بعد ذلك أسطولاً بحرياً كبيراً وقوات جوية ضاربة وقوات برية قوية وبهذا الجيش استطعنا حماية مياهنا وجزرنا وجونا وبرنا.
خلال زيارتي تلك لم أتمكن من زيارة عدد كبير من الجزر، في حين علمتُ لاحقاً أن عدد الجزر في اليمن هو 130 جزيرة في البحر الاحمر وخليج عدن والمحيط الهندي. ونأمل اليوم بالحفاظ على سيادة هذه الجزر التي أوصاني الرئيس قحطان الشعبي في أول يوم لتسلمي مهام محافظ الجزر بأن نحافظ عليها وعلى سيادتها كما نحافظ على حدقات عيوننا.