التعليم العالي “الأهلي”.. تزايد في عدد الجامعات وتراجع في الجودة!
حيروت
منذ بدء الحرب التي ما تزال تدور رحاها في مختلف المناطق اليمنية، تزايد عدد الجامعات الأهلية والخاصة بشكل ملحوظ، وهو ما لفت انتباه كثيرين، مواطنين ومهتمين، وأثار تساؤلهم عن الأسباب التي دفعت الكثير من رجال المال والأعمال للاستثمار في قطاع التعليم العالي. إضافة إلى ذلك تطرح أسئلة أخرى نفسها في هذا السياق، ومنها: إلى أي مدى ساهمت تلك الجامعات في استقطاب خريجي الثانوية العامة الذين لم يتمكنوا من التسجيل في الجامعات الحكومية لأسباب مختلفة؟ هل صارت الجامعات الأهلية عاملًا مساعدًا للحفاظ على ما تبقى من عملية تعليمية، أم أنها حجرة عثرة أمام الراغبين الالتحاق بالتعليم الأكاديمي، بسبب الرسوم الباهظة التي تفرضها؟ كيف يمكننا تقييم مستوى جودة التعليم الذي يُقدم في الجامعات الأهلية؟ وما هو المتوقع من مخرجاتها بالنظر إلى واقعها الحالي؟
جامعات أم شركات تجارية؟
يقول محمد الورد، إنه لم يتمكن من تسجيل نجله في كلية الطب بجامعة صنعاء بسبب عدم توفر مقاعد دراسية لاستيعابه. قرر حينها أن يتجه إلى الجامعات الأهلية، فوجد نفسه أمام خيارات مفتوحة أصابته بالحيرة؛ فكل جامعة تقدم عروضًا مشابهة للأخرى بهدف استقطاب طلاب مستجدين، بيد أنه تفاجأ بأن معظمها لا تحظى باعتراف عربي ودولي، بحسب تعبيره.
ويضيف الورد “لم أكن أتوقع أن أجد عشرات الجامعات تقدم إعلاناتها بهذا الشكل، حتى خطر لي أنها محال تجارية وليست مؤسسات أكاديمية سيتخرج منها الطبيب والمهندس والتربوي والقانوني. وقد تذكرت أحد أقاربي، الذي استغربت حينها أنه تخرج من جامعة أهلية وهو لا يستطيع القراءة والكتابة بشكل جيد. هذا يدل على أن الجامعات الأهلية في اليمن بعيدة عن التعليم الجيد”. وبعد أن طاف مع ابنه أكثر من جامعة أهلية، فقد ثقته بهذه الجامعات، بحسب خيوط.
كان القرار الأخير للورد، أنه أمام خيارين لا ثالث لهما -كما يقول- إما أن يحاول نجله التقديم إلى إحدى كليات الطب في جامعة حكومية أخرى للتسجيل فيها العام القادم، أو أن يستدين مبلغًا من المال من أجل ابتعاث نجله إلى إحدى الجامعات العربية الموثوقة.
وفي رأي مغاير جزئيًا، يرى المواطن الخمسيني عبدالله الرعيني، أنه من غير المقبول أن يكون التعميم السلبي على أداء كافة الجامعات الأهلية في اليمن، إذ إن هناك فروقًا واضحة بين جامعة وأخرى، كما يعتقد. لكنه يتفق مع الورد في ما يتعلق بقياس كفاءة الجامعات الأهلية من خلال النظر إلى تجارب حقيقية لمن سبق تخرجهم منها.
ويضرب الرعيني مثالًا بأبنائه الثلاثة الذين تخرجوا من جامعات أهلية مقارها في العاصمة صنعاء. فأكبر أبنائه يعمل اليوم في منظمة تابعة للأمم المتحدة في صنعاء، ووفقًا لقوله، لم يكن التحاق نجله بهذا العمل ليتحقق لو لم يجتز اختبارات التنافس على الوظيفة بجدارة. وهذا يعني، برأي المواطن الرعيني، أن مخرجات الجامعة الأهلية التي درس فيها نجله قدمت له تعليمًا ذا جودة عالية.
مخرجات ركيكة
قبل الحرب الحالية، تم تأسيس 18 جامعة أهلية في مختلف المناطق اليمنية، بعضها استمر، والبعض الآخر أغلق أبوابه بسبب تدني الظروف الاقتصادية التي مرت على البلاد. ومنذ العام 2014 حتى وقتنا الراهن (مارس 2021)، تم افتتاح 19 جامعة أهلية وخاصة.
ففي صنعاء تم افتتاح ثماني جامعات، وفي عدن، تم افتتاح ثلاث جامعات، وفي حضرموت تم افتتاح ثلاث، وفي مدينة إب تم افتتاح جامعتين، وفي تعز وذمار وريمة تم افتتاح جامعة واحدة في كل منها.
وتفتقر غالبية الجامعات الأهلية التي افتتحت خلال سنوات الحرب الجارية، إلى العوامل اللازمة للبيئة الأكاديمية، التي يشترط توفرها في الجامعات حسب المتعارف عليه عربيًّا ودوليًّا، كما أن بعض هذه الجامعات تكاد تخلو من الكوادر الحاصلين على درجة الدكتوراه في تخصصاتهم، إضافة إلى أن بعض تلك الجامعات لا يوجد لديها مواقع إلكترونية تعريفية بالجامعة وبرامجها الأكاديمية، وفقًا للباحث حاتم الصالحي.
ويرى الصالحي، وهو باحث أكاديمي في جامعة القاهرة، أن افتتاح هذا الكم من الجامعات ليس بالأمر الصحي، إذ يرى بأنه خلال الفترة من العام 2006 حتى العام 2010، كان هناك مبررًا لإنشاء جامعات أهلية في مختلف المحافظات اليمنية على إثر زيادة مخرجات التعليم الثانوي وقلة عدد الجامعات الحكومية. وقد صدر قبل تلك الفترة القانون رقم 13 لسنة 2005، واللائحة التنفيذية للقانون، والتي صدرت عام 2007، بمعنى أنه في هذه الفترة صدرت قوانين تنظم عمل الجامعات الأهلية، وتحمي حقوق المستثمر، الأمر الذي شجع رجال الأعمال الاستثمار في مجال التعليم الجامعي الذي أصبح أكثر أمانًا وأقل مخاطرة.
وفي هذا الصدد يشكك الباحث الأكاديمي الصالحي في حرص المسؤولين عن إدارة الجامعات الجديدة على تشجيع اليمنيين لتعليم أبنائهم، وينظر لتزايد عدد هذه الجامعات في زمن الحرب، باعتباره حرصًا على زيادة الأرباح المالية للمساهمين الكبار في تلك الجامعات، وغالبيتهم رجال مال وأعمال. ويدلل الصالحي على ما ذهب إليه قائلًا: “شهدت فترة الحرب عدم إقبال الطلاب على التسجيل في بعض التخصصات العلمية، وبسبب ذلك اضطرت جامعة صنعاء إلى إغلاق أقسام الآثار والجغرافيا في كلية الآداب وغيرها من التخصصات”.
ويضيف الصالحي أن “وزارة التعليم العالي في [حكومتي] صنعاء وعدن قدمت خلال فترة هذه الحرب تسهيلات كثيرة للمستثمرين من أجل إنشاء جامعات أهلية جديدة، رغم أن تلك الجامعات لم تنشئ كليات ذات تخصصات مختلفة عما هو موجود في جامعات سبقتها، بل قدمت استنساخًا لمناهج جامعات أهلية قديمة، باستثناء بعض التخصصات النادرة، مثل الديكور والعلاج الطبيعي”. وبناء على ذلك، يتوقع الصالحي أن تكون مخرجات الجامعات الأهلية التي تأسست منذ بدء الحرب الحالية، ركيكة، وقاصرة عن تلبية متطلبات سوق العمل في اليمن والوطن العربي.
البحث عن الجودة
في فبراير/ شباط 2016، رفع اتحاد الجامعات الأهلية اليمنية قضية أمام المحكمة الإدارية بصنعاء ضد وزارة التعليم العالي للنظر في قرار اتخذته الوزارة، قضى بإيقاف وإغلاق الجامعة الإماراتية وعدد من الجامعات الأهلية اليمنية. حينها أصدر الاتحاد بيانًا، قال فيه أن الوزارة تعرقل عملية التعليم ضد عدد من الجامعات الأهلية اليمنية، وعقب ذلك بأيام استجابت الوزارة لمطالب الاتحاد وأعادت فتح الجامعات التي كانت قد أغلقتها.
ناشطون مهتمون بالتعليم كانوا قد تساءلوا خلال حديثهم عن الدور الذي من المفترض أن يقوم به اتحاد الجامعات الأهلية اليمنية، خاصة بما هو متعلق بمصالح الطالب اليمني ومنها حقه في تلقي تعليم ذو جودة عالية تؤهله للمنافسة في سوق العمل. لكن رئيس اتحاد الجامعات الأهلية اليمنية الدكتور محمد الخامس، أفاد بأن “الاتحاد هدفه خدمة الجامعات الأهلية فقط، إذ إن الاتحاد يعمل على حل قضايا الجامعات ومشاكلها الإدارية مع الجهات المعنية في الدولة، وأنه لا علاقة للاتحاد بالرقابة على جودة التعليم؛ كون ذلك من اختصاص وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وفق ما يتم من مجلس الاعتماد الأكاديمي وضمان الجودة التابع للوزارة”.
من جانبه يشير منصور الصلوي مسؤول العلاقات والإعلام بمجلس الاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم التابع لوزارة التعليم العالي، الذي تأسس عام 2009، إلى أن المجلس لديه معايير عديدة لاعتماد أي جامعة خاصة أو أهلية في اليمن، من خلال أربعة مستويات تسمى nars، وهي معايير دولية قال إنها سوف تُطبّق على المؤسسات كل برنامج على حدة “في الأيام المقبلة”، دون أن يذكر تاريخًا محددًا.
وفي حديثه، يقول الصلوي: “في الوقت الراهن نحن نعمل على برامج كليات الطب البشري، والهدف من ذلك تجنيب اليمن مخاطر عدم الاعتراف بالمؤهلات الأكاديمية الصادرة عن الجامعات اليمنية”.
ويضيف الصلوي أنه “بسبب عدم وجود ميزانية تتيح للمجلس تنفيذ مهامه وأنشطته بالشكل المطلوب، قام المجلس بتسريع عجلة خطته، لكن ما زال هناك العديد من العوائق التي تقف أمامه”.