“ميدل إيست آي”: أهداف إبن سلمان ونتنياهو من المؤامرة ضد الملك الأردني
حيروت
كتب ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، مقالة في الموقع حول المؤامرة الأخيرة التي كانت تدبر ضد الملك الأردني عبدالله الثاني.
وقال الكاتب إنه “لمرة واحدة فقط، قام الرئيس الأميركي جو بايدن بشيء صحيح في الشرق الأوسط، وأنا أقول هذا مدركاً لسجله السيء في المنطقة”. وكشف الكاتب أن بايدن، من خلال قبوله بالمعلومات الاستخباراتية التي مررها الأردنيون بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان متورطاً حتى أذنيه في مؤامرة لزعزعة استقرار حكم الملك عبد الله الثاني، قد أوقف هذا المخطط قبل الأوان، وقد أحسن بايدن القيام بذلك.
ففقد كان لبيان بايدن عن دعمه للملك عبد الله نتائج فورية على الشريك الآخر في المخطط، وهو بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وبينما كان محمد بن سلمان يحرم الأردن من الأموال (بحسب وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر، لم يزوّد السعوديون الأردن بأي مساعدة مباشرة منذ عام 2014)، يقوم نتنياهو بحرمان المملكة الهاشمية من المياه.
فهذه هي المياه التي تسحبها “إسرائيل” من نهر الأردن. فوفقاً للاتفاقات السابقة، كانت “إسرائيل” تزوّد الأردن بالمياه، وعندما كان الأردن يطلب حصة إضافية، كانت “إسرائيل” توافق عادة على ذلك من دون تأخير. لكن هذا العام: رفض نتنياهو، بزعم أن ذلك انتقاماً من حادث منع الأردن طائرة نتنياهو من عبور الأجواء الأردنية (في رحلته التي كانت مقررة إلى الإمارات). لكن نتنياهو غيّر رأيه بسرعة بعد اتصال من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بنظيره الإسرائيلي غابي أشكينازي.
وأشار الكاتب إلى أنه لو كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يزال في السلطة، فمن المشكوك فيه بأن أياَ من ذلك كان ليحصل. فلولا دعم واشنطن الصريح، لكان الملك عبد الله الآن في مشكلة خطيرة، ضحية هجوم من جانبين، من السعودية و”إسرائيل”، ولكان شعبه ساخطاً جداً (بسبب شح المياه)، ولكان، وأخوه الأصغر غير الشقيق (الأمير حمزة) يعد الأيام حتى يتمكن من تولي زمام الأمور مكانه.
المشكلة مع الملك عبد الله
وطرح هيرست سؤالاً عن السبب الذي يدفع إبن سلمان ونتنياهو للتآمر ضد حليف كالملك عبد الله. وقال إن الأخير هو جندي محترف وليس شخصية معارضة في المنطقة، كالرئيس السوري بشار الأسد، أو الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والمرشد الإيراني السيد علي خامنئي. فالملك عبد الله كان من المنخرطين كلياً في الثورة المضادة ضد “الربيع العربي”. فالأردن إنضم إلى التحالف السعودي ضد تنظيم داعش، ونشر مقاتلات جوية لاستهداف الحوثيين في اليمن، وسحب سفيره من إيران بعد الهجوم على السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد وقطع السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران نتيجة ذلك. كما حضر العاهل الأردني للقمة غير الرسمية على يخت في البحر الأحمر، والتي خلصت إلى تنظيم المعركة ضد نفوذ إيران وتركيا في الشرق الأوسط. ذلك كان عام 2015.
في كانون الثاني / يناير 2016، أبلغ عبد الله عضواً في الكونغرس الأميركي في لقاء خاص أن تركيا تقف وراء تصدير الإرهابيين إلى سوريا، وهو موقف نفاه لاحقاً. لكن هذه الملاحظات قد وثقت في سجلات وزارة الخارجية الأردنية واطلع عليه موقع “ميدل إيست آي”.
وقد دربت القوات الخاصة الأردنية رجالاً استخدمهم اللواء خليفة حفتر في محاولته الفاشلة للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس. وذلك كان مشروع دولة الإمارات العربية المتحدة. كما وافق عبد الله مع السعوديين والإماراتيين على خطة لاستبدال الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمحمد دحلان، الخيار المفضل إماراتياً وإسرائيلياً لخلافة عباس، بحسب زعم هيرست.
ثم يستاءل الكاتب: لماذا إذاً، يجب أن يعتبر حليفاه العربيان، السعودية والإمارات، هذا الرجل القوي في القضية الآن، (بعد كل هذه المشاركات معهما)، مصدر إزعاج يجب التخلص منه؟
ولاء غير كافٍ
يقول هيرست إن الجواب على ذلك يرتبط جزئياً بنفسية محمد بن سلمان. فليس جيداً كفاية أن تكون منتمياً جزئياً في جدول أعماله. فهو يريد ولاء كاملاً فأنت إما داخل أو خارج الأجندة.
لكن الأردن في ظل حكم الملك عبد الله، لم ينجح الأردن في أن يكون منخرطاً بالكامل في هذه الأجندة. ونقل الكاتب عن وزير أردني سابق قوله له: “سياسياً، محمد بن سلمان وأبوه (الملك) لم يكونا قريبين جداً من الهاشميين. فالملك سلمان ليست لديه أي صلة بالهاشميين على غرار أخوته الآخرين. لذا، فعلى الجبهة السياسية، لا توجد صلة ولا تعاطف.
وأضاف الوزير الأردني: “لكن يوجد كذلك شعور في الرياض بأن الأردن وآخرين يجب أن يكونوا إما معنا أو ضدنا. فلم نكن كلياً معهم ضد إيران. ولم نكن كلياً معهم ضد قطر. ولم نكن كلياً معهم ضد سوريا. فعلنا ما بإمكاننا فعله ولا أعتقد أنه كان يجب أن نذهب أبعد، لكن بالنسبة لهم، لم يكن ذلك كافياً”.
وقال هيرست إنه من المؤكد أن مراوغات عبد الله لم تكن كافية بالنسبة للهدف المقصود في العصر الجديد، وهو تطبيع السعودية للعلاقات مع “إسرائيل”. فهنا، كان يمكن أن يكون الأردن قد شارك بشكل مباشر ولم يكن للملك عبد الله أن يجني أي شيء. لو أنه وافق على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، “صفقة القرن”، لكانت مملكته – التي تخضع للتوازن الدقيق بين الأردنيين والفلسطينيين – في حالة تمرد.
إضافة إلى ذلك، لا يمكن للملك عبد الله تجاوز حقيقة أنه هاشمي، وأن شرعيته يستمدها في جزء منها في دوره كراعٍ للمسجد الأقصى والأماكن المقدسة في القدس. وهذه أيضاً كانت مهددة للاستيلاء عليها من قبل السعوديين.
أهمية العقبة
أضاف الكاتب أن الخطة نفسها اعتبرها كل من محمد بن سلمان ونتنياهو أكبر من أن تتوقف. ففي السعودية و”إسرائيل” هناك خبراء في السياسة الخارجية والاستخبارات ممن يقدرون مدى سرعة هذه الخطة في زعزعة استقرار الأردن والحدود الشرقية الهشة لـ”إسرائيل”.
وكشف الكاتب أن خطة المؤامرة ضد الملك عبد الله يتم التحضير لها منذ سنوات وكانت موضوع اجتماعات سرية بين الأمير السعودي والزعيم الإسرائيلي.
وفي وسط هذه الخطة، يكمن ميناء العقبة الاستراتيجي، منفذ الأردن الوحيد على البحر الأحمر.
فمدينتا العقبة ومعان كانتا جزءاً من مملكة الحجاز بين عامي 1916 و1925. وفي أيار / مايو 1925، تنازل إبن سعود عن العقبة ومعان وأصبحتا جزءاً من إمارة شرق الأردن البريطانية.
ولزم الأمر 40 سنة أخرى حتى اتفقا البلدان المستقلان على ترسيم الحدود الأردنية-السعودية. وقد نال الأردن 19 كيلومتراً على خليج العقبة وستة آلاف كيلومتر مربعاً من الأراضي الداخلية، بينما حصلت السعودية على سبعة آلاف كيلومتر مربع من الأراضي الداخلية.
وقال هيرست إن إبن سلمان، وهو أمير لديه حساسية دائمة حول شرعيته، فإن مطالبته بنفوذ سعودي على العقبة في صفقة مقايضة كبيرة مع “إسرائيل” ستكون جزءاً كبيراً من مطالبته باستعادة السعودية لهيمنتها على مناطقها النائية.
كما أن المقايضة مع “إسرائيل” ستكون كبيرة. فإبن سلمان ينفق 500 مليار دولار من أجل بناء مدينة “نيوم” من المفترض في النهاية أن تمتد على امتداد السعودية، والأردن ومصر.
وقال الكاتب إنه بوجوده عند مصب خليج العقبة، سيكون المرفأ الأردني حكماً في مرمى المطامع السعودية.
باسم عوض الله
وهنا يأتي دور باسم عوض الله، رئيس الديوان الملكي الأردني السابق. ففبل عامين اختلف مع الملك عبد الله، وحينما كان لا يزال مبعوث الأردن إلى الرياض، فاوض عوض الله على إطلاق “مجلس تنسيق سعودي-أردني”، وهو إطار قال المسؤولون الأردنيون حينها إنه قد يفك حرمان الأردن من مليارات الدولارات السعودية. ووعد عوض الله أن المجلس سيستثمر مليارات الدولارات السعودية في القطاعات الاقتصادية الأردنية الرائدة، وسيركز على المنطقة الاقتصادية الخاصة في العقبة.
وكان عوض الله قريباً كذلك من ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، الذي لديه أجندته الخاصة بالأردن. إذ يريد أن يضمن استئصال الإخوان المسلمين وقوى الإسلام السياسي بشكل دائم من البلاد، وهو أمر رفض الملك عبد الله القيام به، على الرغم من كونه غير مؤيد لهم.
وأوضح هيرست أن المال السعودي لم يأتِ بالطبع، وتضاءل الدعم السعودية للأردن بشكل هزيل، وبحسب مصدر مطلع، هو مروان المعشر، فإن التمويل السعودي قد توقف كلياً بعد عام 2014. وأشار إلى أن ثمن فتح حنفية المال السعودية كان عالياً جداً كي يدفعه الملك عبد الله. كان يعني خضوعاً كاملاً للرياض. فبموجب هذه الخطة، كان الأردن سيصبح تابعاً للسعودية كما أصبحت البحرين.
المقايضة السعودية الإسرائيلية
وأضاف أن نتنياهو لديه أجندته الفرعية الخاصة به في هذه المقايضة الواسعة التي ستتدفق من مدينة “نيوم: بمجرد اعتراف السعودية رسمياً بـ”إسرائيل”. فهو عدو مؤكد لاتفاق أوسلو الذي ينص على دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ونتنياهو واليمين الإسرائيلي كانا دائماً يتطلعان إلى ضم المنطقة ج ووادي الأردن، والتي تشمل 60 في المائة من الضفة الغربية. وفي ظل هذه النكبة الجديدة، سيتم ترحيل الفلسطينيين الرافضين للجنسية الإسرائيلية ببطء إلى الأردن.
ورأى الكاتب أن ذلك يمكن أن يحدث فقط ضمن خطة بتوجيه سعودي، يكون فيها العمال الأردنيون قادرين على السفر والعمل بسهولة في السعودية. وكما هو الوضع اليوم، فإن التحويلات المالية للقوى العاملة الأردنية في السعودية هي شريان الدم الاقتصادي للمملكة المفلسة. فتدفق المال إلى الأردن، مترافقاً مع قوة عاملة متحركة من الأردنيين والفلسطينيين عديمي الجنسية، سيضع نهاية لرؤى قيام دولة فلسطينية وحل الدولتين. وفي ذلك يتفق نتنيناهو وإبن سلمان معاملة الفلسطينيين كقوة عامة متحركة وليس كمواطنين لدولة مستقبلية.
إبن الحسين المفضّل
وقال الكاتب إن النظر إلى الأمير حمزة على كونه الوسيلة التي يتم فيها إخضاع الأردن لهذه الخطة يمثل المفارقة النهائية لهذه القصة الغريبة. فإذا كان الدم الهاشمي يجري في أي عروق، فهي بالتأكيد في الأمير حمزة، فهو كان الإبن المفضل للملك حسين. ففي رسالة أرسلها إلى أخيه الأمير الحسن في عام 1999 قال الملك حسين إن حمزة أطال الله بعمره، كان محسوداً منذ طفولته لأنه كان قريباً مني، وكان يريد أن يعرف كل الأمور الصغيرة والكبير، وكل التفاصيل عن تاريخ عائلته. وكان يريد أن يعرف عن كفاح إخوته وأبناء وطنه. لقد تأثرت بإخلاصه لوطنه ونزاهته وشهامة حيث بقي إلى جانبي، ولم يتحرك إلا إذا أجبره من حين لآخر على القيام ببعض الواجبات في مناسبات لا يتجاوز عددها أصابع اليد”.
وقد قام الملك عبد الله بانتهاك الاتفاق الذي تعهد به إلى والده حين احتضاره باستبدال أخيه غير الشقيق بإبنه حسين كولي عهد في عام 2004.
لكن إذا كان الفخر الهاشمي ومعرفته بتاريخ الأردن يحفر عميقاً في الأمير حمزة، فهو من بين كل الأمراء قد أدرك باكراً الثمن الذي على الأردن دفعه لقبول مليارات إبن سلمان وتشجيع نتنياهو الضمني، كما فعل والده.
لقد شكك أصدقاء حمزة بشدة في أن يكونوا جزءاً من هذه المؤامرة وقللوا من أهمية العلاقات مع باسم عوض الله. لدى حمزة أمر واحد فقط هو قلقه الشديد من انخفاض مستوى الأردن في ظل سنوات من سوء الحكم. وهو محق في هذا مائة في المائة.
ورأى الكاتب أن الملك عبد الله أن يرى أنه يجب عليه إصلاح النظام السياسي الأردني بشكل كامل. فعبر الدعوة إلى انتخابات حرة ونزيهة وقبول نتائجها، فقط هو هذا السبيل لتوحيد البلاد. وهذا ما فعله الملك الراحل حسين عندما واجه تحدي تمرد العشائر الأردنية في الجنوب، في عام 1989، حيث أصلح النظام السياسي ونظم انتخابات الأكثر حرية في تاريخ المملكة. وتمكنت الحكومة التي خرجت من هذه العملية أن تقود البلاد بأمان في واحدة من أصعب اللحظات على الأردن: غزو صدام حسين للكويت وحرب الخليج التي تلتها.
الأشرار الحقيقيون
على بايدن أن يدرك أن ترك إبن سلمان ينجو من جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي له ثمن. فإبن سلمان لم يتعلم شيئاً من هذه الواقعة وتصرف على النحو نفسه، بشكل متهور وسريع، ضد جار وحليف عربي، مع عواقب وخيمة محتملة.
وخلص هيرست إلى أنه ينبغي على مؤسسة السياسة الخارجية الجديدة في واشنطن أن تنأى بنفسها عن فكرة أن حلفاء الولايات المتحدة هم أصدقاؤها. ويجب أن تتعلم مرة واحدة وإلى الأبد أن عوامل زعزعة الاستقرار النشطة في الشرق الأوسط ليس “الأشرار” في إيران وتركيا. بل هم أقرب حلفاء الولايات المتحدة، حيث تتمركز القوات الأميركية والتكنولوجيا العسكرية، وهم: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة و”إسرائيل”. والأردن، الدولة العازلة الكلاسيكية، مثال على ذلك.