الذكاء الاصطناعيّ ومصادرة عقول البشر! بقلم/ أكرم بزي
بقلم/ أكرم بزي
أصبحت “Amazon” و”Apple” و”Facebook” و”Google” و”Twitter” تشكّل مرجعية لنا. “غوغلها” لتحصل على المعلومة التي تطلبها! نستخدم الهاتف المحمول للحصول على المعلومة التي نريدها من أحد محركات البحث الآنفة الذكر، حتى إنَّنا نستعين بها للوصول إلى الآيات القرآنيّة أو الأحاديث النبويّة الشريفة أو أي شيء آخر له علاقة بالعلوم وما شابه.
سؤال خطر على بالي: ماذا لو تم التلاعب بهذه المعلومات، وتم تحريفها، أو حذف شيءٍ منها؟ ماذا لو بعد 50 عاماً (افتراضاً)، انقرضت الكتب والمنشورات والأبحاث المكتوبة والمطبوعة، عمداً أو إهمالاً، ولم يبق لنا إلا المعلومات الموجودة في شبكة الإنترنت؟ أليس باستطاعة المتحكم بالإنترنت أن يضيف ويزيد ويمحو أو يغير أي معلومة من هذا الكم الهائل من المعلومات وكتب التاريخ؟ أليس من السّهل على المحترفين اختراق المعلومات الشخصية لأي شخص، واستخدامها بطرق غير مشروعة؟
أما مواقع التواصل الاجتماعي، فهي تؤدي إلى انعزال الأفراد عن المجتمع والوحدة والعائلة والأصدقاء، إذ خلقت حياة افتراضية تجعل الفرد أسيراً لها بكل أشكالها، لا بل ذهب البعض إلى استثمار حياته فيها، من خلال صرف مدخراته لشراء أفضل الأجهزة السريعة لتلبي احتياجاته من عرض الأفلام أو التواصل السريع مع الآخر أو نشر موضوع ما أو قراءة أو مشاهدة حدث ما.
أحياناً، يصل به الأمر من خلال العلاقات التي ينشئها إلى حجز تذاكر السفر، أو إرسال الأموال إلى الأشخاص الذين تعرف إليهم، والذهاب إلى بلاد أخرى، ليتحقق من مصداقية الشخص الذي يتحدث إليه، وبالتالي تحويل الحلم الافتراضي إلى حقيقة. وهنا، ماذا لو كان الشخص الذي ذهب لملاقاته من جنس آخر، وكان بخلاف ظنونه! هنا الكارثة.
بات الفاصل بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي شبه معدوم، لاختلاطهما في أساسيات العيش في مجتمعاتنا. ومن لم يسعَ إلى التطوّر وامتلاك أدوات المعرفة والتكنولوجيا، سيكون كمن يعيش في غابة، لا يفقه شيئاً مما يجري حوله. كلّ هذا بفعل سرعة التطور التكنولوجي وسيطرة أصحاب رؤوس الأموال المالكة لهذه التقنيات على مقدرات الشعوب والدول، مهما عظم شأنها وقوتها، لأن من لا يمتلك هذه التقنيات لن يسمح له بالعيش كما يريد، بل كما يريدون له أن يعيش، والسبب الرئيسي في ذلك هو سوء استعمال التقنيات الحديثة، وخصوصاً الإنترنت.
العام 2020 كان الحد الفاصل بين طريقة وأسلوب حياة. ما قبلها ليس كما بعدها. ذلك العام شهد تطورات فُرضت علينا من خلال آليات التطور الحديثة المرتبطة ارتباطاً كلياً بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وخصوصاً من خلال إطلاق تقنيات الـ5G، وهي الجيل الخامس من الإنترنت وتطبيقاته، والقوانين والتشريعات الدولية والبروتوكولات الدولية التي ستتحكم بشبكة الإنترنت الجديدة، من خلال الأمم المتحدة وجميع المنظمات والشبكات الحكومية التي تتحكم بهذا العالم. وفي العام المقبل، سيطبق بروتوكول جديد اسمه “IPV6” على الأجهزة، وعلى كل شيء في العالم، وبالتالي على البشر.
ما هو “IPV6″؟
العالم الآن مرتبط بالإنترنت من خلال عنوان يطلق عليه اسم “IP Adress”، وهو عبارة عن رقم يحدد هوية المتصل بالإنترنت (بروتوكول). الإصدار الرابع هو الأكثر شيوعاً، ثم الإصدار السادس، فعنوان “الآي بي” في الإصدار الرابع يخزن على 32 بت، أي 4 بايت، ويكتب على شكل 4 أرقام (من 0 إلى 255)، تفصلها نقاط (مثلاً 10.20.30.1)، في حين أن عنوان الإصدار السادس يخزن على 128 بت، أي 16 بايت، ويكتب على شكل 8 مجموعات من 16 بت، بترميز الأساس 16، يفصل بينها الرمز (.) أو (:): مثال fff:0000:0a88:85a3:0000:0000:ac1f:8001))، فإذا كان الـ”IPV4″ عبارة عن: 0000.0000.0000.0000، فالـ الـ”IPV6″ عبارة عن 0000.0000.0000.0000.0000.0000.0000.0000.
كان الـ”IPV4″ يغطي ما كان مفترضاً أن يكفي العالم في مرحلة ما قبل العام 2020. أما الآن، فلم يعد يكفي، وبالتالي كان لا بد من تطويره، بحيث يشمل العالم، كل العالم، بما فيه الإنسان والحيوان والأشياء وما قد يخطر على بال بشر. وجاء الـ”IPV6″ ليتسع إلى تريليونات من الأرقام المتاحة لتوصيلها إلى الأجهزة والسيارات والحيوانات والإنسان!
العالم مشبوك الآن من خلال الجيل الحالي بأجهزة الإنترنت، سواء كان من خلال الأجهزة الإلكترونية في المكاتب والمنازل أو من خلال الهاتف المحمول، فما بالك بشبكة عنكبوتية تربط كل شيء في الكون مع الإنسان؟!
إن الجيل القادم من الإنترنت سيربط كل شيء قد يخطر على بالك في هذا العالم؛ الإنسان مع الحيوان، مع الجماد، مع الأشياء، فإذا كان للهاتف المحمول “IP address”، سيكون للإنسان أيضاً “IP address”، وهذا سيكون بمثابة هوية له، واسمه: Internet Of Things أو الـIOT.
والـ”IOT” سيربط الإنسان بكل شيء يدور حوله. على سبيل المثال، إذا كنت قادماً من العمل إلى المنزل في ساعة محددة أو غير محددة، ستجد بيتك أو محتويات البيت في حالة استقبال لك، لتؤمن لك سبل الراحة التي برمجتها عليها، فإذا كنت قد برمجت التلفاز على أن يعمل مباشرة بعد دخولك البيت، ستجد قناتك المفضلة قد صارت متاحة تلقائياً، أو إذا أردت موسيقى معينة، فستشتغل لوحدها أيضاً، أو أردت أن تشرب عصيراً مثلجاً، فستجده بات جاهزاً في المكان المخصص له، وهكذا دواليك.
للوهلة الأولى، قد تظنّ أن ذلك شيء جميل، وقد تُسر لمعرفة ذلك التطور ويشعرك بالراحة، إلا أن فيه خطورة كبيرة، فكيف لهذه الأجهزة والبيئة التي تدور حولك أن تعرف عنك كل شيء؟ والجواب هو: من ضمن البروتوكولات الجديدة التي ستفرض على البشرية بذريعة التكيف مع التطورات العلمية، زراعة رقاقة إلكترونية صغيرة بمقدار حبة البرغل أو الرز داخل جسم الإنسان، قد تكون في كتفه أو يده أو مكان آخر في جسمه. هذه الرقاقة الصغيرة تُدعى RFID (Radio Radio Frequency Identification).
هذه الـ”RFID” ستبعث معلومات من خلال جسمك إلى جهاز الإنترنت، لتطلعه فيها على حالتك الصحية بالتفاصيل، ولو كنت متعرقاً أو تشعر بالبرد أو مرتبكاً لأمر ما أو تعاني وضعاً صحياً طارئاً، فسيرسل إشارات ومعلومات لجهاز الإنترنت، وبالتالي سيقوم الأخير بالإجراء المناسب الذي تحتاجه.
وفي هذه الحالة، ستصبح أيها الإنسان كأي شيء في هذا المحيط، أي ستتعرض للـ”تشييء”، إذا جاز التعبير! هذا إن دل على شيء، فهو يدل على سلب إنسانية الإنسان وتحويله إلى “شيء ما” خالٍ من الإرادة، لإن إرادة الإنسان “المُطعّم” بالـ”RFID”، ستكون مسلوبة، وسيتم التحكم به من خلال “الكونترولر” أو “المُتَحَكِمْ” عن بعد.
وهنا، يقودنا البحث إلى شيء آخر، وهو “الخصوصية”، فخصوصية الإنسان لم تعد موجودة، فالكل يعرف عن الكل، وهي مشكلة خطيرة أخرى، فوسائل التواصل الاجتماعي، والتي ما تزال شبه مجانية منذ تأسيسها، يكمن الهدف منها في جمع المعلومات العامة والخاصة بكل إنسان يستعملها، ناهيك بالبريد الإلكتروني الذي بات يحتوي كل “داتا” الشركات والمؤسسات وما شابه.
أما في تطبيق مفاهيم ما يسمى “AI”، فإنَّ للذكاء الاصطناعي (Artificial Iintelligence) خطورة قاتلة، إذ سيقودنا إلى ما هو أذكى من الإنسان العادي، من خلال العمل على تطوير ذاكرة العقول الإلكترونية وجعلها تستوعب كماً هائلاً من المعلومات، بحيث إنها تصعب على الإنسان العادي، فالـ”AI” سيكون مرتبطاً بشبكة معلومات أشبه بـ”غوغل”، وسيكون أسرع بكثير من قدرة الإنسان على الوصول إلى المعلومة، فقد تكون “برمشة عين” حاضرة إذا ما طُلبت.
وإذا ما أُتيح ذلك للإنسان، فإنه سيلجأ إلى ما هو أسهل للحصول على المعلومات التي يريدها، بدليل أننا لم نعد نستطيع حفظ أكثر من رقم الهاتف الخاص بنا أو هاتف المنزل، أو على الأقل رقم الهوية، أو الحسابات المصرفية وكلمات السر الخاصة بها، فما بالك بحفظ هذا الكم الهائل من المعلومات التي نريدها!
كل ذلك حصل بسبب الاعتماد على ذاكرة الهاتف المحمول، وليس على ذاكرتنا الطبيعية، فتعطلت قدراتنا البديهية والبحثية على الوصول إلى المعلومات المخزنة داخل الذاكرة العملاقة للإنسان، وأصبحت خاملة جداً، وبالتالي بات من الصعب تذكّر الأشياء أو حفظها، وجرى استسهال الوصول إليها من خلال الهاتف المحمول أو ما شابه.
لست من معارضي استعمال شبكات الإنترنت، ولكنني من المعترضين على السلوكيات المتبعة في استعمال هذا الاختراع، والذي بات حاجة ملحّة، ولا يمكن الاستغناء عنه، وينبغي مراقبته وقوننته ووضع القوانين اللازمة للحد من المشاكل الكثيرة التي باتت مجتمعاتنا تعانيها بسببه.