كيف تعيش علياء بعد فقدان والديها وإخوتها.. هل تسقط الجريمة بالتقادم؟
حيروت – متابعات
انتكست الحالة الصحية لعلياء عادل الجتيم (18 سنة) بعد قصف طيران التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، لمنزل أسرتها في حي البريد بمدينة عمران. قصف الطيران منزل الجتيم في 25 يونيو 2018، ففقدت علياء والدها ووالدتها وجميع إخوتها، في مأساة إنسانية تركتها وحيدة تصارع المرض، وقسوة الحياة.
وجدت علياء نفسها تصرخ تحت أنقاض المنزل، وتستنجد بعائلتها التي دائما ما يتسابق أفرادها لإنقاذها في أي موقف، لكنها في تلك الليلة لم تجد من يأخذ بيدها. استمرت بالصراخ دون أن تدرك أنها صارت وحيدة وينتظرها مستقبل مجهول.
لا تستطيع “علياء” الاعتماد على نفسها والعيش وحيدة، بسبب ضمور في المخ صاحبها منذ الطفولة جعلها تعيش إعاقة دائمة، لكن أسرتها كانت تمنحها كل الحب والاهتمام، وبذلت كل طاقتها للتخفيف عنها، وتقديم الرعاية الطبية والأسرية.
غاب حنان الأب الذي لم ييأس يوماً من شفائها، وسخر كل إمكانيته في سبيل علاجها. أنفق كل ما يملك في برنامج علاجي دوري في مصر استمر سنوات، حتى بدأت الحرب، وأُغلق مطار صنعاء الدولي، فداوم على التنقل بين صنعاء وعمران لعلاجها في مراكز تأهيل ذوي الإعاقة، كما يؤكد عمها عبدالله الجتيم –شقيق والدها.
يقول عبدالله والحزن يخيم على وجهه: “ذهبت كل جهود والدها أدراج الرياح بعد وفاته في واقعة القصف التي أصيبت فيها علياء بكسور في الرقبة والرأس واليد، كما أصيبت بصدمة نفسية عنيفة أفقدتها ما يقارب 80% من القدرة على النطق. صارت تعاني من صعوبة شديدة في الكلام، وتعاودها حالات نفسية، وحمى وآلآم”.
أسئلة دون رد
توقفت البرامج العلاجية لـ”علياء” التي تعيش حالياً مع جدها السبعيني، علي الجتيم، والذي يقف عاجزاً أمام أسئلة حفيدته المتكررة عن والدها ووالدتها؛ متى سيعودان؟ لا يجد الجد غير الدموع والحزن المزمن بتأثير نظراتها الحائرة والمترقبة لعودة والدين طال غيابهما.
لا تدرك علياء حجم المأساة التي تعيشها بعد فقدان والديها وإخوتها: (عنود وعبير ومصطفى)، كما لا تعرف سبباً لسقوط صواريخ الموت على منزلهم، وتركها وحيدة تصارع إعاقتها العقلية. أما جدها وجدتها، فلا يزالان يعيشان الفاجعة كل يوم.
مأساة ما بعد القصف أشد من الواقعة ذاتها، لكنها تبقى مأساة منسية،
كما هو الحال مع علياء، التي تمضي وحيدة في رحلة الألم الطويلة بعد
فقدان أفراد عائلتها
حزن الجدّين لا يقتصر على فقدان أسرة نجلهما عادل وحده، فنجلهما الأصغر، صدام، الذي كان جندياً في أحد مراكز الشرطة في مدينة عمران، كان يعيش في الطابق الأول من ذات المنزل. مات صدام في نفس الغارة مع نجليه محمد (10 سنوات، وإبراهيم 10 شهور)، فيما أصيبت زوجته وابنته الوحيدة بجروح.
سارع التحالف السعودي حينها للتصريح بأن طائراته قصفت أهدافاً عسكرية بمدينة عمران، إلا أن عادل الجتيم كان موظفاً إدارياً في مصنع إسمنت عمران، ولا علاقة له بالحرب ولا بأطرافها.
استهداف المدنيين
ليس الغارة التي استهدفت منزل عادل الجتيم إلا واحدة مما لا يقل عن 528 هجمة جوية وثقتها منظمة “مواطنة لحقوق الإنسان” منذ مارس/ آذار 2015 وحتى مارس/ آذار 2020، استهدفت مدنيين وأعياناً مدنية.
بحسب تقرير “أطراف الحرب تستمر في تقويض حياة اليمنيين” الذي نشرته منظمة “مواطنة” بالتزامن مع الذكرى الخامسة لبدء العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن، فإن الهجمات التي استهدفت أحياءً سكنيةً وقرى وأسواقاً وجسوراً ومرافق طبية ومدارس ومنشآت خدمية وتجارية، تسببت في مقتل “3717” مدنياً، من بينهم “946” امرأة و”364″ طفلاً، وجرح “2878” مدنياً، بينهم (738) امرأة و(303) أطفال.
منظمة “هيومن رايتس وتش” أكدت أيضاً في تقرير صدر في… 2020، أن ما لا يقل عن 90 غارة جوية للتحالف العربي بقيادة السعودية “غير مشروعة”، وفيها “هجمات قاتلة استهدفت قوارب الصيد اليمنية والمستشفيات، والحافلات المدرسية، والأسواق، والمساجد، والمزارع، والجسور، والمصانع ومراكز الاحتجاز”.
ويحاول التحالف التغطية على جرائم قصف الطيران للمدنيين من خلال التحقيقات المزيفة لفريق تقييم الحوادث في اليمن الذي أسسه في العام 2016، بعد تصاعد أصوات المنظمات الحقوقية للفت النظر لما يجري في اليمن من انتهاكات لحقوق الإنسان والقوانين الدولية، والمطالبة بمحاكمة مرتكبيها.
وتقوم آلية الفريق المشترك المكون من 14 عضواً من المحامين والقانونين التابعين لدول التحالف على التحقيق في الغارات التي تعلن المنظمات الحقوقية أو وسائل الإعلام، سقوط ضحايا مدنيين فيها بسبب الهجمات الجوية. وغالباً ما يقوم الفريق بتبرير هذه الغارات بصيغ مختلفة، كاعتبارها “خطأ تقني”، أو نفي مسؤولية التحالف العربي عنها، أو الإصرار على أن الهدف كان عسكرياً، حسبما ورد في تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن في التقرير السنوي لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان 2018.
وأصدرت هيومن رايتس ووتش في 2018 تقريراً بعنوان: ” التخفي تحت مسمى التحالف” عبرت فيه عن مخاوفها من سير تحقيقات التحالف العربي حول “حوادث الطيران وافتقارها للدقة والمصداقية”.
مأساة ما بعد القصف قد تكون الأشد من الواقعة ذاتها، لكنها تبقى منسية وغائبة عن الاهتمام، كما هو الحال مع علياء، التي تمضي وحيدة في رحلة الألم الطويلة بعد فقدان أفراد عائلتها. وعلى الرغم من أن جديها المسنين يحرصان على الاهتمام بها، إذ هي كل ما تبقى لهما من نجلهما المغدور، إلاّ أنها تحتاج إلى رعاية خاصة تفوق قدراتهما، بحسب عمها عبدالله الجتيم.