عدن بعيون عدنية.. هكذا هي أوضاع عدن من الداخل
حيروت – متابعات
على الرغم من اتفاق “المجلس الانتقالي” وحكومة الشرعية قبل نحو ثلاثة أشهر ودخولهما في حكومة واحدة، وبدء تطبيق اتفاق الرياض الذي رعته السعودية بين الطرفين، إلا أنّ ذلك لم ينعكس بعد على أوضاع المدينة التي تشهد في الآونة الأخيرة احتجاجات متواصلة وتوترات بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والخدمات، وانهيار العملة الوطنية، وانعكاس ذلك ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل كبير. ويترافق ذلك مع انقطاع الرواتب، فضلاً عن انعدام مواد الوقود وارتفاع أسعارها، وعدم القدرة على تغطية احتياجات المدينة من الكهرباء. وما عقّد المشاكل بالنسبة لحكومة المناصفة، عدم التزام التحالف السعودي الإماراتي بوعود المساعدة التي قطعها لها بمجرد تنفيذ اتفاق الرياض.
ولا ينشغل أبناء المدينة والمقيمون فيها بوباء كورونا، واتخاذ إجراءات وقائية لمنع انتشار الفيروس، على غرار ما يجري في معظم المدن حول العالم، بقدر ما تشغلهم مسألة التعامل مع مشاكلهم الاقتصادية وغياب الكهرباء، بحسب رصد “العربي الجديد”.
يقول المواطن، سعيد عمر، إنّ المدينة “تعاني من مشاكل عدة، وكل ما دمرته الحرب لم يتم إصلاحه، سواء في المباني والطرقات أو غيرها. فكل المشاريع التي يُعلن عنها في عدن؛ إن كان من قبل التحالف السعودي الإماراتي أو الحكومة، إما وهمية أو ترقيعية لا تُخرج المدينة من مشاكلها، بل هي مشاريع تستخدم لصالح المتصارعين والمتحاربين، ويتم تجاهل وجه عدن الجمالي، ومسألة الخدمات الملحة، وحل مشاكل ناس المدينة وكل الساكنين فيها”.
ويضيف: “كل مرة نسمع عن بدء إعادة الإعمار، لكن ما زالت أغلب المنازل والمراكز والعقارات التجارية وحتى المدن التي تعرضت للدمار الكامل أو حتى تلك التي تأثرت جزئياً، كما هي من دون حتى التعويض على ملاكها. علماً بأنّ بعض المباني تعرضت لأضرار بسبب الصراع بين حكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، والناس تخاف من أن يزيد استمرار الصراع بين الطرفين، من حجم الضرر والدمار في المدينة”.
في السياق، يقول مسؤول في السلطة المحلية بعدن، فضّل عدم ذكر اسمه، إنّ عدن “تواجه العديد من المشاكل، ولا سيما في الخدمات وانقطاع الرواتب وغياب الدعم المالي، خصوصاً أنّ حكومة هادي تعاني هي نفسها من غياب الدعم، بسبب عدم إيفاء التحالف بوعده بدعمها، وهذا أدى إلى انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وارتفاع الأسعار، وعدم وجود أموال كافية لتغطية الاحتياجات من المواد الغذائية. وفوق هذا، هناك زيادة كبيرة في عدد السكان. فهناك مئات الآلاف من الذين اتخذوا من عدن سكناً جديداً لهم بعد الحرب، في ظلّ التطورات الجارية في البلاد، فضلاً عن النازحين الذين فروا من الحرب من جميع مناطق اليمن بدون استثناء. بالإضافة إلى وجود المهاجرين الأفارقة، الذين لا يزالون يتوافدون على اليمن، على الرغم من الحرب، على أمل العبور منه إلى السعودية”.
ويضيف المسؤول الحكومي أنّ “هناك مشكلة حقيقية مستمرة منذ بدء الحرب، وتتعلق بمسألة جمع إيرادات كاملة لصالح مؤسسات الدولة، وذلك بسبب استمرار قيادات أمنية وعسكرية، وبعض التشكيلات غير المنضبطة في الاستيلاء على هذه الإيرادات، التي تصل إلى مئات الملايين من الريالات يومياً، لا سيما إيرادات أسواق القات وإيرادات المنافذ البرية للمدينة، إلى جانب إيرادات عدد من الأسواق”.
ويشير المسؤول إلى أنّ “هناك جهات تدعم هذه القيادات، في حين لم تتحرك حكومة الشرعية، مع المجلس الانتقالي من أجل إجبارها على تسليم الإيرادات إلى البنك المركزي، ووضعها في حساب المدينة لمساعدتها على حل مشاكلها، لا سيما وأنّ عدن لا تزال بدون ميزانية”.
في الأثناء، فرض التدهور الاقتصادي في عدن، نفسه على الناس وسلوكها، لا سيما لناحية تعاطيها مع جائحة كورونا، على الرغم من تصاعد عدد المصابين بالفيروس. فالناس لا تعطي أهمية كبيرة للوقاية من الوباء، بقدر تركيزها على الحصول على ما يغطي جزءاً من نفقات لقمة عيشها. وعلى الرغم من أنّ الكثير من الشباب والمواطنين في عدن، وجدوا وظائف ضمن التشكيلات الأمنية والعسكرية التابعة لحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، لكن الناس تواجه تداعيات انهيار العملة الوطنية، التي جعلت من عوائد تلك الوظائف بلا قيمة. مع العلم أن الأجور أساساً منخفضة، فيما تسبب انهيار العملة في ارتفاع كبير للأسعار، وأثّر على القدرة الشرائية للمواطن، وإمكانيته على تغطية ولو جزءا بسيطا من نفقات أسرته. وهو ما دفع كثيرين للبحث عن أعمال إضافية، مثل العمل في البناء والنقل والمواصلات، وأعمال حرة كالبيع على الأرصفة وفي الشوارع، والأحياء الشعبية والسكنية، وفي أسواق القات والخضار. بل إنّ الوضع الاقتصادي دفع الكثير من الطلاب لترك مقاعد الدراسة والبحث عن عمل.
في السياق، يقول الناشط نافع العطافي، إنّ “الوضع الاقتصادي منذ تدخل التحالف السعودي الإماراتي لصد الحوثيين، يتدهور بشكل مستمر وكارثي، فالمنافذ البحرية والموانئ شبه مشلولة، بسبب قيود التحالف وإجراءاته عليها منذ العام 2015. كذلك البلد متوقف عن التصدير، وشركات النفط والغاز، البعض منها متوقف بدون سبب والبعض قلّ إنتاجه. كل ذلك أثّر على الوضع الاقتصادي لليمن بشكل عام، وعلى عدن كعاصمة مؤقتة بشكل خاص، ما انعكس على معيشة الناس، وعدم قدرة الكثير من الطلاب على مواصلة الدراسة، وتعسّر الحصول على وظيفة، وحتى إن حصل المواطن على وظيفة لا تغطي احتياجاته، فالناس تواجه المجاعة”.
ويضيف العطافي: “نحن نرى الآن العملة في انهيار متسارع حتى أصبح الدولار الواحد في بعض الأوقات بـ900 ريال يمني، بمعنى أن كل أصحاب الدخل المحدود، وهم الفئة الأكبر في المحافظات الجنوبية، وفي مقدمتها عدن، أصبحوا تحت خط الفقر. فمتوسط الراتب الشهري ستون ألف ريال، وهو أقل من ثمانين دولارا أميركيا، وهذا طبعاً لا يوفر حتى نصف قيمة المواد الاستهلاكية للأسرة، بل إنّ البعض يعمل مقابل راتب لا يتجاوز عشرين دولاراً”.
ويشير إلى أنّ “الوعود التي كان يقدمها التحالف السعودي الإماراتي وحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، بعد تطبيق اتفاق الرياض، لتحسين الأوضاع، مخيبة للآمال”، موضحاً: “استبشرنا خيراً بعد اتفاق الرياض وتشكيل الحكومة الجديدة، بإيجاد معالجات لتخفيف الوضع على الناس، لكن خاب الظنّ وازداد الوضع سوءاً، حتى أنّ حكومة المناصفة والتحالف السعودي الإماراتي أضافا إلى الأزمات المذكورة، المماطلة في صرف الرواتب الشهرية”.
ويظلّ هناك وجهان لعدن؛ الأول يعكس البؤس والمعاناة وآثار الفقر المنتشر في الأحياء والبيوت العشوائية والمهترئة، لا سيما تلك التي تحيط بجبل شمسان، وفي مدن التواهي والقلوعة والمعلا وكريتر في المحافظة، فيما يتمثّل الثاني ببناء المدن الجديدة في الجزء الآخر من عدن باتجاه حدودها مع أبين ولحج وتعز، ولكن، للأسف، وسط أعمال نهب للأراضي، وهو ما له تداعيات كبيرة على الوضع في عدن بشكل عام.