قصص مؤلمة من الساحل: أزمة المشتقات النفطية وآثارها المضاعفة على الصيادين
حيروت – متابعات
يضطرُ الصياد اليمنيّ بتّيش عسكري، وهو أحد ملاك قوارب الصيد في منطقة الخوبة بمحافظة حجة، للخروج إلى الصيد خلسة؛ تجنبًا للإحراج الذي يتعرضُ له من زملائه الذين تدفعهم أزمة المشتقات النفطية المتفاقمة إلى اللجوء لأيّ قارب يخرجُ للصيد، لدرجة يصلُ عددهم أحيانًا في القارب الواحد لنحو مئة صياد، بينما قاربه، الذي يبلغ طوله 14 مترًا، سيعجزُ عن الإبحار بهذا العدد، ما يجبره على إلغاء رحلة الصيد، والعودة إلى المنزل خائبًا.
في حديثه، لا يلوم بتّيش رفاقه الصيادين الذين أجبرتهم الأزمة الأخيرة لانعدام المشتقات النفطية، والتي تشهدها المناطق الخاضعة لسلطة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) منذ مطلع العام الجاري، على إيقاف قواربهم لعدم مقدرتهم على توفير احتياجاتها من الوقود.
تعاقُب الأزمة
تتعاقبُ هذه الأزمة على المواطن اليمني في تلك المناطق التي تشهدُ حربًا منذ ست سنوات بين فترة وأخرى نتيجة منْع التحالف، بقيادة السعودية المسانِدة للحكومة اليمنية “المعترف بها دوليًّا”، وصول سفن النفط إلى ميناء الحديدة بدعوى إجبارها على دفع الضرائب لها، الأمر الذي ترفضه سلطة صنعاء؛ وبذلك تتفاقم معاناة المواطن.
ومنَعَ التحالف وصول 13 سفينة نفطية إلى ميناء الحديدة، وتقولُ شركة النفط بصنعاء، على صفحتها بمنصة “فيسبوك”: تحتجزُ قوى العدوان 13 سفينة نفطية، منها سفينة محملة بالمازوت، وأخرى محملة بالغاز المنزلي، و11 سفينة نفطية بحمولة إجمالية تبلغ 324 ألفًا و497 طنًّا من مادتي البنزين والديزل، ولفترات متفاوتة بلغت أقصاها بالنسبة للسفن المحتجزة حاليًّا ما يزيد على عشرة أشهر ونصف (318 يومًا)، على الرغم من استكمال كل تلك السفن كافة إجراءات الفحص والتدقيق، وحصولها على التراخيص اللازمة.
غرامات التأخير
تجاوزت غرامات التأخير على سفن النفط المحتجزة 21 مليار ريال يمني، أي ما يعادل 34 مليونًا و500 ألف دولار، وبحسب صفحة الشركة فقد بلغ إجمالي غرامات احتجاز سفن الوقود خلال العام الماضي 54 مليار ريال يمني، أي ما يُعادل 91 مليون دولار.
الأزمة والصيادون
نتج عن أزمة المشتقات النفطية المتفاقمة هناك، عدة أزمات ضاعفت من معاناة اليمنيين؛ فارتفعت أسعار المواد الغذائية وأجور المواصلات وخدمات الكهرباء والمياه وغيرها؛ الأمر الذي يُهدد كثيرًا من قطاعات العمل والخدمات بالتوقف، وبخاصة تلك التي تعتمدُ على المشتقات النفطية كالزراعة والصناعة والصيد وغيرها.
يُعدُّ صيادو الأسماك من أكثر شرائح المجتمع اليمني تأثرًا بأزمة المشتقات النفطية؛ نظرًا لطبيعة عملهم الذي يحتاجُ لكميات كبيرة من الوقود لا يُسدَّدُ ثمنها إلا بعد بيع محصول الصيد… فقارِب الصيد – وفق بتيش – يستهلكُ في رحلته اليومية ما بين 350 ـ 450 لتر بترول أو ديزل في ظل ارتفاع أسعارها في السوق السوداء لتصل ما بين 800 ـ 850 ريالًا للتر الواحد، مقارنة بـ 295 ريالًا سعر البيع الرسمي.
وقد جرت العادة أنْ يأخذ الصياد كمية البترول أو الديزل التي يحتاجها في رحلته بالآجل مما يسمونه بالوكيل، ومن ثم ينطلقُ الصياد في رحلته التي قد يعود منها، أحيانًا، خالي الوفاض؛ وبهذا تتراكم مديونية الصياد للوكيل، خاصة عند شرائها من السوق السوداء.
في الأيام العادية يخرجُ 7 ـ 10 صيادين على متْن القارب في رحلة الصيد، لكن في ظل أزمة المشتقات النفطية الراهنة وتأثيراتها التي أدت إلى ارتفاع تكاليف الصيد، فضلاً عن ضيق مساحة الاصطياد بسبب مناخ الحرب والاستهداف، تضاءلت كمية إنتاج غالبية الصيادين حتى أصبحت لا تغطّي احتياجاتهم الضرورية؛ ما دفعهم لإيقاف قواربهم.
وحسب أحد الصيادين، فكَوْن ركوب البحر والاصطياد مصدر رزق الصيادين الوحيد؛ فقد تقطعت سُبُل معايشهم لتوقّف قواربهم في ظل تراكم الديون التي أثقلت كواهِلهم، ما يدفعهم للخروج مع بقية رفاقهم القلائل الذين ما زالوا يصارعون الأزمة، ويخرجون للصيد بقواربهم، فيصِلُ الحال بهم أنْ يركب 70 ـ 80 صيادًا في القارب الواحد بحثًا عن الرزق الذي يتقاسمونهُ عقب بيع غلّتِهم وإخراج تكاليف المشتقات النفطية، وثُلث منه للقارب، فيتم توزيع الثلثين المتبقيين بين الجميع بحسب (بتيش).
ويضيف: «ما زلنا نقاومُ وبصعوبة في ظل انعدام المشتقات النفطية وتردي الأوضاع المعيشية، ونخشى انهيار الأوضاع نتيجة استمرار الأزمة».
تأثيرات الحرب
لم يسلَم الصيادون ومراكز الإنزال السمكي والموانئ في الساحل الغربي لليمن من نير الحرب، حيث تفيد إحصائيات سابقة للهيئة العامة للمصائد السمكية في البحر الأحمر أنَّ إجمالي الخسائر التي لحقتْ بهذا القطاع بلغت خمسة مليارات و989 ألفًا و291 دولارًا.
صادِق، أحد تجار الساحل الغربي في محافظة حجة، يقولُ إنّ هذا الرقم تضاعفَ نظرًا لاستهداف غالبية موانئ ومراكز الإنزال السمكي، فيما الإحصائيات توردُ استهداف مينائي ميدي والحيمة فقط، بالإضافة إلى استهداف مئات القوارب والصيادين، ووقوع مواقع أخرى في خط المواجهات؛ ما أسفرَ عن نزوح مئات الصيادين وتدمير موانئ ومراكز الإنزال السمكي.
ويشيرُ إلى تضخّم معاناة الصيادين، حيث بات عدد كبير منهم لا يستطيع تأمين الاحتياجات الضرورية لأسرهم؛ ما يضطرهم إلى بيع مقتنياتهم، والاقتراض في سبيل توفير احتياجاتهم الأساسية، خاصة منهم النازحين من مناطق المواجهات، وأولئك الذين استُهدفت قواربهم، والتي تُعد المصادر الوحيدة لأرزاقهم.
كما يشيرُ إلى صعوبة حصر الخسائر والأضرار التي تعرّضَ له هذا القطاع، خاصة مع احتدام المواجهات وزيادة حِدة الاستهداف لموانئ الساحل الغربي.