السلطة المحلية تتجاهل مطالب “الحكماء”.. والجائحة تتمدد في حضرموت
حيروت – متابعات
تشهد محافظة حضرموت، في الفترة الحالية، زيادة مطردة في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا “كوفيد-19″، هذه الزيادة تأتي في الوقت الذي يعاني فيه معظم دول العالم تداعيات الموجة الثانية للفيروس، ويرجح أطباء أنها قد تكون أشد فتكًا من الموجة الأولى، التي راح ضحيتها أكثر من مليون شخص، في مختلف دول العالم، في العام الماضي.
الوضع الوبائي في المحافظة
أظهرت الأرقام الأخيرة للجنة مكافحة كورونا زيادة واضحة في عدد الحالات المشتبه إصابتها بالفيروس، والحالات المؤكدة والوفيات خلال الأسابيع الأخيرة من شهر فبراير/ الماضي، وامتدادًا لشهر مارس/ في العام الحالي، حيث بلغ عدد حالات الاشتباه خلال الفترة (1 يناير/كانون الثاني) الماضي وحتى (4 مارس/آذار)، أكثر من 162 حالة اشتباه، من بينها 64 حالة مؤكدة بفحص الـPCR، و8 حالات وفاة مؤكد إصابتها بالفيروس، حسب التقارير الأخيرة لمكتب الصحة في المحافظة.
وفي حديث حول الوضع الوبائي لفيروس كورونا في المحافظة، نقل”خيوط” عن الدكتورة رولا باضريس، مدير الترصد الوبائي في ساحل حضرموت، قولها إن مدينة المكلا، عاصمة المحافظة، هي أكثر المديريات تأثرًا بالفيروس، حيث بلغ إجمالي الحالات المؤكدة فيها حتى تاريخ 4 مارس/آذار 43 حالة مؤكدة، وهناك أيضًا حالات إصابة متفرقة في مديريات الشحر وغيل باوزير ودوعن وغيرها.
وعن أسباب هذه الزيادة تضيف الدكتورة باضريس: “كما هو معروف أن هناك موجة ثانية من الفيروس تضرب الدول المجاورة، وبسبب وجود زيادة لحالات الكوفيد-19، في المحافظات المجاورة خلال الأسابيع الأخيرة من شهر فبراير/شباط الماضي، إضافة، وفق حديثها، إلى تقليل الإجراءات الاحترازية والازدحام في الأماكن العامة وعدم الالتزام بلبس الكمامة، وغيرها من العوامل التي أدت إلى زيادة في الحالات، سواء داخل المحافظة أو في المحافظات الأخرى”.
المرافق الصحية
التجهيزات والإجراءات الصحية المتبعة في محافظة حضرموت للمواجهة والتصدي للفيروس ومعالجة حالات الإصابة به تتمثل في استقبال حالات الإصابة بالفيروس في مركز بن سيناء عبر مركز العزل وعيادات الفرز، والتي ما زالت تقدم خدماتها في معالجة الحالات منذ الجائحة الأولى.
هناك أيضًا في مركز معالجة مستشفى الدكتور رياض الجريري للحميات، إضافة إلى فرق الترصد الوبائي وفرق الاستجابة السريعة التي تعمل بشكل مستمر في المديريات، لرصد الحالات المشتبهة، وجمع العينات، ومتابعة الحالات الخفيفة في العزل المنزلي، ومتابعة المخالطين، وغيرها من الأعمال الخاصة بنشر الوعي والثقافة الصحية في المجتمع.
يعتبر مستشفى الدكتور رياض الجريري للحميات المركز الرئيسي المتخصص بمعالجة حالات كورونا بحضرموت، حيث يتم تحويل الحالات المصابة بالفيروس من مركز العزل في مستشفى بن سينا إليه.
عن تجهيزات المستشفى، تقول المدير العام للمستشفى الدكتورة ريم بامهدي، إن المستشفى مجهز بالكامل لاستقبال حالات الكورونا حاليًّا، حيث ينقسم إلى قسمين رئيسيين؛ قسم للحالات المستقرة، وقسم للعناية المركزة وما قبل العناية، ويحتوي على 46 سرير و16 جهاز تنفس اصطناعي صالحًا للاستخدام”.
وتضيف: “الأرقام الأخيرة المسجلة لتقارير فحوصات الـPCR تكشف أن المحافظة على أعتاب موجة ثانية من وباء كورونا، ستضرب المحافظة في الأيام القادمة.
منذ نهاية الجائحة الأولى، يتم رصد حالة واحدة أو حالتين للفيروس من ضمن مئة فحص PCR، وحاليًّا، تفيد الدكتورة ريم، فقد ارتفع إلى حوالي 10 حالات، بالإضافة إلى ازدياد أعداد المرضى الذين يأتون إلى طوارئ المستشفيات وهم يعانون من أعراض واضحة للفيروس، وكل هذا دليل على وجود وباء قادم.
دلائل على وجود سلالة جديدة للفيروس
الدراسات الطبية الحديثة في العالم، تشير إلى أن السلالة الجديدة المتحورة للفيروس تكون أشد حدة من حيث الأعراض، ولكنها أقل قدرة على الانتشار بالمقارنة مع السلالة القديمة.
معظم الأطباء وأفرد الطاقم الصحي الذين يستقبلون حالات كورونا في طوارئ المستشفيات، أكدوا أن هناك اختلافًا في الأعراض الظاهرة على الحالات الحالية عن تلك الأعراض السائدة في الجائحة الأولى للفيروس.
حدة الأعراض وتدهور الوضع الصحي للمصاب بشكل سريع من أكثر الأعراض الحديثة الظاهرة على حالات الكورونا التي يتعامل معها الأطباء حاليًّا.
في هذا الخصوص، تستغرب الدكتورة إسراء علوي، من تدني نسبة الأوكسجين في الحالات الحديثة، حيث تصل إلى 40 درجة وتحتاج إلى جهاز تنفس اصطناعي على الفور، فيما سابقًا كانت الحالات تعاني من نقص في الأوكسجين إلى مستويات معقولة، من الممكن معالجتها ببعض الإجراءات دون وضعها على جهاز تنفس اصطناعي.
عن احتمالية أن تكون السلالة الجديدة للفيروس قد وصلت لليمن، تقول الدكتورة بامهدي: “حاليًّا لا نستطيع أن نجزم بأنها سلالة جديدة، ولكن بما أن معظم الحالات لأشخاص كانوا مسافرين وعادوا إلى اليمن، إضافة إلى أنه لا توجد أية فحوصات للعائدين إلى اليمن، عكس المغادرين الذين يكونون ملزمين من قبل الدول التي يتجهون إليها بتأكيد صحي على إجرائهم اختبار الـPCR خلوهم من الفيروس، ولهذا من المحتمل والمرجح أن تكون قد وصلت سلالات جديدة من الفيروس إلينا.
واكتُشفت السلالة الجديدة لأول مرة في سبتمبر/ أيلول عام 2020، في مقاطعة كينت جنوب شرقي إنجلترا، وتم الاستشهاد بانتشارها السريع على مدى الأشهر التالية، كسبب لفرض قواعد الإغلاق الجديدة في جميع أنحاء بريطانيا في يناير/ كانون الثاني الماضي.
حسب أطباء في رابطة “خبراء علم جينوم كوفيد-19 في بريطانيا”، فإنه من الطبيعي رؤية المتغيرات (السلاسلات المتحورة)، أي إن عددًا صغيرًا جدًّا، منها فقط لديه “ميزات خاصة”، وهي التي يمكن أن تجعلها أكثر قابلية للانتقال، وأكثر قدرة على تجنب الاستجابة المناعية، أو يصبح لديها قدرة على التسبب في مرض أكثر حدة.
توصلت نتائج مسح طبية إلى أن الذين أثبتت الاختبارات إصابتهم بالسلالة البريطانية من فيروس كورونا أكثر عرضة للإصابة بأعراض السعال واحتقان الحلق والشعور بالإرهاق، في المقابل يقل لديهم احتمال فقدان حاستي التذوق والشم. وأوضح المسح أنه لا يوجد دليل حتى الآن على وجود اختلاف في الأعراض الخاصة بالجهاز الهضمي أو ضيق التنفس أو الصداع.
أزمة مستشفى بن سيناء
تأتي أزمة ازدياد حالات فيروس كورونا في الوقت الذي يشهد فيه القطاع الصحي بالمحافظة اضطرابات عدة؛ أهمها استقالة أكثر من مئة من الأطباء والطاقم الطبي الفني بمستشفى بن سيناء التعليمي، الذي يعد أكبر المستشفيات الحكومية في المحافظة، والذي يقدم خدماته لمحافظة حضرموت والمهرة وشبوة.
يأتي هذا كردة فعل لتجاهل السلطات المحلية وهيئة المستشفى للمطالب التي وضعها الأطباء لتحسين أوضاعهم المعيشية، والتظلم من غلاء استراتيجية الأجور وغلاء الأسعار، حيث يشكو الأطباء من تدني رواتبهم بما لا يتناسب مع شهاداتهم العلمية.
هذه الخطوة أتت بعد شهور من الإضرابات الجزئية والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات التي قام بها الأطباء دون جدوى، وتسببت خلال الفترة الماضية بتعطيل وشلل كلي في المستشفى ، مما عزز من معاناة المرضى خاصة الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة العلاج في المستشفيات الخاصة، لكن مصادر طبية أكدت أن هذه المشكلة في طريقها للحل بعد تعهد السلطة المحلية بتنفيذ مطالب الأطباء.
في الوقت نفسه تحمل السلطة المحلية وإدارة هيئة المستشفى الأطباء تبعات قرارهم بالإضراب العام، وتتهمهم بعدم التحلي بروح المسؤولية، ونقضهم للقسم الذي أخذوه على أنفسهم.
المجتمع ووصمة كورونا
الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد في الوقت الراهن، أدخلت المواطنين في دوامات يومية للحصول على الحاجات الأساسية التي تضمن لهم إمكانية العيش، وجعلت من اهتمامهم بالصحة آخر أولوياتهم.
المجتمع المحلي في محافظة حضرموت لا يزال يعيش في حالة إنكار وتشكيك وتخبط حول الفيروس السائد والمنتشر بشكل خطير في المحافظة، مما يدفع بالكثير من الأسر، في حالة ظهور أعراض الفيروس على أحد أفرادها، إلى رفض إرساله إلى المستشفى لتلقي العلاج.
بالإضافة إلى تجاهلهم الكامل للممارسات الاحترازية، مثل تجنب الازدحام ووضع مسافة عند التعامل مع الآخرين، وسخريتهم من الأفراد الذين يلتزمون بلبس الكمامة أو يرفضون المصافحة.
كل هذه العوامل سببت وسوف تتسبب على الأرجح في قادم الأيام بتعميق الأزمة وانتشار الفيروس بشكل سريع بين الناس، كما تقول الدكتورة بامهدي، “عدم تصديق الناس للوباء هي المشكلة الحقيقية، بالرغم من الحملات التثقيفية والإعلامية التي قامت لزيادة الوعي الصحي للمجتمع، إلا أننا للأسف ما زلنا نعاني من قلته وضعفه”.
وتضيف الدكتورة بامهدي: “أتمنى من الناس أن تدرك أهمية الإجراءات الاحترازية، وأننا نتعامل مع مرض ربما يستمر لأعوام، وسيكون له في كل سنة وقت ذروة مثل أي فيروس، ونحن لا نستطيع أن نقضي عليه نهائيًّا، فقط نسعى لعلاجه والتقليل من العدوى والتقليل من الوفيات التي يسببها.