بين ضغوط بايدن وضغوط “أنصار الله”.. هل ينتهي الدور الإقليمي للسعودية؟ بقلم/ شارل أبي نادر
بقلم/ شارل أبي نادر
بالتوازي مع الحملة الأميركيّة العنيفة على وليّ العهد، إضافةً إلى الضّغوط القائمة على المملكة في ملفّ حقوق الإنسان والتوقيفات غير القانونية، فإنها تتعرَّض أيضاً للضغط الأعنف والأكثر إيلاماً في موضوع عدوانها الّذي ناهز 6 سنوات على اليمن.
قد تكون المرحلة التي تمرّ بها قيادة المملكة العربية السعودية اليوم من أخطر المراحل التي مرت بها في تاريخها، إذ تبدو كأنها تعرَت من المظلة التي لطالما كانت تحميها (رعاية الإدارة الأميركية لها). وفيما كانت غالبية الانتقادات التي تعرضت لها سابقاً حول ملفات حقوق الإنسان أو الارتباط غير المباشر لبعض الجماعات الإرهابية ببعض دبلوماسييها أو مسؤوليها الأمنيين في عمليات نفّذت في الشرق الأوسط أو في الغرب، وتحديداً في الولايات المتحدة الأميركية (عملية 11 أيلول/سبتمبر الشهيرة)، تصدر عن معارضين للإدارة الأميركية، من نواب أو وسائل إعلام، وفي حين كانت تحظى بحماية الإدارة لها، فهي اليوم تُستهدف مباشرة من الإدارة، ومن الرئيس الأميركي شخصيّاً.
اليوم، يتعرّض ولي العهد السّعودي الأمير محمد بن سلمان لحملة عنيفة على خلفية ملفّ مقتل الخاشقجي، إذ تم الكشف في تقرير للمخابرات الأميركية عن مسؤوليته المباشرة في إدارة الفريق الذي اغتاله في إسطنبول وتوجيهه، بعد أن كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد أخفى تلك المسؤولية. ويُمارس الكثير من الضغوط الداخلية والدولية على الرئيس بايدن لتحميل ابن سلمان المسؤولية، وعلى الأقل معاقبته، كما عاقب أعضاء فريق الاغتيال. وفي حين كُشف عن تقرير المخابرات الأميركية بقرار من الرئيس بايدن، فإنّ الأخير، كما يبدو حتى الآن، ما زال يراوغ في اتخاذ قرار واضح وحاسم لمعاقبته.
وبالتوازي مع الحملة الأميركيّة العنيفة على وليّ العهد، والتي تُشنّ عملياً على الملك سلمان وقيادة المملكة بالكامل، إضافةً إلى الضّغوط القائمة عليها في ملفّ حقوق الإنسان والتوقيفات غير القانونية، فإنها تتعرَّض أيضاً للضغط الأعنف والأكثر إيلاماً في موضوع عدوانها الّذي ناهز 6 سنوات على اليمن. وبينما تتخبّط المملكة في مستنقع الفشل في تلك الحرب الخاسرة التي قادتها، يظهر فشلها عبر الاتجاهات التالية:
في الميدان اليمنيّ، تخسر السّعوديّة اليوم كامل نقاط ارتكازها البرية في الداخل اليمني، والتي كانت تستغلّها، عبر مرتزقتها أو بشكل مباشر، كنقاط انطلاق لمهاجمة الشّعب اليمنيّ بقيادة حكومة صنعاء، كما أنَّها تصارع وتتخبّط في محاولة يائسة للاحتفاظ بآخر نقطة لها في محافظة ومدينة مأرب، ولم يتبقَّ لها قبل لفظ الهزيمة الكاملة في مأرب إلا محاولات المجتمع الدولي لاستغلال الوضع الإنسانيّ وإيقاف عمليّة تحرير مأرب أو محاولاتها الأخيرة في القصف الجوي العنيف لتأخير العمليّة، قبل أن تفقد كامل مخزون الذخيرة وصواريخ الطائرات، والتي أصبحت غير مؤمّنة من الخارج بعد قرار الرئيس بايدن بوقفها.
في الداخل السعودي، تتسارع الاستهدافات النوعية للمراكز والمنشآت الحيوية داخل العمق السعودي من قبل القوتين الصاروخية والجوية المسيّرة لوحدات الجيش اليمني و”أنصار الله”. وقد أصبحت منظومات الدفاع الجوي السعودية (الأميركية المصدر) عاجزة بالكامل عن إيقاف أو حماية أغلب تلك القدرات النوعية الاستراتيجية. وكما يبدو، أصبح مصير هذه المواقع والمنشآت السعودية في يد الجيش اليمني ووحدات “أنصار الله” فقط.
الأهم في الموضوع أنَّ تداعيات هذه الضغوط التي تتعرَّض لها المملكة اليوم من قبل “أنصار الله”، لا ترتبط بخسارة الحرب على اليمن فحسب، بل تتعلق بمسار حساس يمتدّ تاريخياً ومستقبلياً أيضاً، أولاً حول العلاقة بين “أنصار الله” والمملكة بقيادة آل سعود، وثانياً حول ارتباط تأثيرات هذا الفشل مباشرة بموقع المملكة ودورها في الإقليم بشكل عام، وفي الساحة الإسلامية بشكل خاص. ومع خسارتها هذه الحرب، يبدو أنها سوف تخسر موقعها إلى غير رجعة.
المملكة اليوم، بالتوازي مع تعثّرها وفشلها في اليمن، تراجعت في ملف قطر، واضطرت إلى التنازل عن أغلب شروط حملتها، وحدث ما حدث بعد أن كانت تقود حملة شرسة ضد النظام في قطر. وقد اضطرّت إلى تجاوز تلك الشروط وإعادة العلاقة كما كانت، بعد أن جرَت معها مصر والإمارات في الموقف التراجعي نفسه.
في لبنان، تبدو السعودية حالياً خارج دائرة التأثير، بمعزل عن النظرة التقليدية بأنها مرجعية رئيس الحكومة تاريخياً، فالرئيس المكلَّف اليوم يزور العالم كلّه ولا يزورها. وفي سوريا، انتهى دورها المباشر. واليوم، الطرف الوحيد المعارض للنظام السّوري، والذي كان موالياً لها (جيش الإسلام)، انتهى، ولم يعد لديه أي تواجد. وقد تجاوزته كل الفصائل الأخرى المرتبطة بقطر أو تركيا أو الولايات المتحدة الأميركية.
في ليبيا، لا دور أساسياً للمملكة، وهي تشترك مع مصر والإمارات في دور ثانوي مقارنة مع دور تركيا الفاعل والناشط والأكثر تأثيراً. وفي باكستان، تجاوز قادة الأخيرة العلاقة مع الرياض، وأصبحوا أقرب إلى التوجهات التركية في أكثر ملفات المنطقة أو في الملفات ذات الطابع الإسلامي الإقليمي والدولي.
وفي الوقت الذي لم يتبقَّ لها إلا الساحة اليمنية، يبدو أنَّها تصارع على خط النهاية قبل انسحابها وسحب تدخّلها بالكامل، وهي حتى الآن تعاند قبل الرضوخ للإدارة الأميركية. وفي حين كانت تبدو صامدة بعض الشيء، جاء ملف مقتل خاشقجي لينزع منها أغلب عناصر الصمود في الحرب على اليمن.
هكذا، وبعد أن ظهر الاعتماد الأميركي والإسرائيلي على الإمارات العربية المتحدة حصراً في أغلب المشاريع الحساسة، أصبح من شبه المؤكّد أنَّ المملكة السعودية سوف تتجرّد من كامل نفوذها ودورها السياسيّ في الإقليم وفي الساحة الإسلامية، ولن يتبقى لها – بإشراف وتوجيه ودفع من الرئيس الأميركي جو بايدن شخصياً – إلا دور المموّل فقط؛ مموّل شركات تصنيع السلاح الغربي، وخصوصاً الأميركي، وممول مشاريع التطبيع، ودفع تكاليف انخراط الدول العربية والإسلامية التي سترضخ أمام هذا الملف.