بالصدفة… اكتشاف مغارة تفضي إلى غرف مقابر قديمة في حضرموت
حيروت – متابعات
أُعلن في محافظة حضرموت، عن اكتشاف مقبرة أثريّة يقدر عمرها بأكثر من ألف عام، بمديرية وادي دوعن الواقع غرب محافظة حضرموت.
هذا الاكتشاف الأثري المهم، جاء مصادفة وغير متوقع أثناء إجراء أعمال شق للجبال المحيطة، بهدف استحداث مناطق عمرانية جديدة، وبناء مستشفيات ومدارس، بمنطقة المشهد القريبة من مدينة ريبون التاريخية التابعة لمديرية دوعن.
في السياق، يؤكد مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف بساحل حضرموت رياض باكرموم، قيام أحد الأشخاص بالتقاط صور للتجاويف الظاهرة على أحد الجبال التي تجري فيها عمليات شق وتكسير في المنطقة، ورأى أن هذه التجاويف توحي بأنها مغارات لمقابر قديمة تشبه تلك المكتشفة سابقًا والقريبة من الجبل.
يضيف باكرموم: “من النظرة الأولى لصور الفتحات المستحدثة، شعرت أن هذه معالم لأثر موجود في الجبل”، ويتابع: “قمنا بعدها بالتواصل مع السلطة المحلية بالمديرية الذين وجهوا بإيقاف الأعمال على الفور، حتى يتم استكمال الدراسات والمسح للموقع، ومعرفة المزيد عن هذه الآثار”.
بعد تلقي البلاغ، تم التنسيق بين الجهات المعنية في المحافظة، وتنفيذ نزول ميداني لمعاينة الموقع، والتأكد من أثرية المكان واحتوائه مقابر تعود لمملكة حضرموت القديمة.
تحركات وجهود
الزخم الإعلامي الكبير الذي رافق الخبر وانتشاره السريع على مواقع الأخبار العالمية والمحلية والسوشيال ميديا، دعا إلى ضرورة حماية المكان من العابثين وسارقي التاريخ.
عن هذا يقول رياض باكرموم: “إن عملية المسح والمعاينة الميدانية التي أُجريت للموقع أكدت أنها مغارة أثرية، تفضي إلى غرف لمقابر قديمة، وتم العثور على عظام وجماجم بشرية وبعض المقتنيات الفخارية والحجرية، التي يُعتقد أنها كانت من ضمن المرفقات الجنائزية التي تدفن مع الموتى في ذلك الزمن”.
المقابر المكتشفة حديثًا، والتي تم طمرها بفعل السيول والعوامل البيئية المتتابعة على المنطقة ولفترة زمنية طويلة جدًّا، تختلف عن المقابر الكهفية المكتشفة سابقًا بالقرب من الموقع، والتي تعود للطبقة العليا من سكان مملكة حضرموت القديمة، وتختلف أيضًا عن المقابر السطحية المخصصة للطبقة الوسطى، والشكل الأولي الظاهر منها يدل على أنها تعود لفئة ذات مكانة مميزة في المجتمع، على حد قول باكرموم.
تاريخية المكان
وادي دوعن واحد من أكبر الأودية الجنوبية التي تصُب شمالًا في وادي حضرموت، ويُعد مهد الاستيطان البشري منذ أقدم العصور، استنادًا على الاكتشافات الأثرية والتاريخية التي جرت في جنوب شبه الجزيرة العربية، والتي قامت بها البعثات الروسية-اليمنية المشتركة (1983- 1986)، وعملت على جمع المواد وإعداد بحوث عن التطور التاريخي في حضرموت ودراسة النشاط الاقتصادي والاجتماعي والعقائدي فيها.
تقع منطقة المشهد التي تحوي على المقابر المكتشفة في محيط مدينة ريبون التاريخية العريقة، الواقعة قرب مصب وادي دوعن، التي يعود تاريخها إلى ما قبل القرن السابع للميلاد، واستمر الاستيطان فيها حتى القرون الميلادية الأولى. جرت في خرائب وأطلال هذه المدينة حفريات ودراسات واسعة من قبل البعثة الروسية، توصلت إلى أنها تتضمن أربع مستوطنات ضخمة تحيط بها حقول وأماكن زراعية، وأن سكانها قد زاولوا الزراعة وتربية الحيوانات، كما أنها تحتوي على شبكات ري متطورة.
مدينة “ريبون” كانت تمثل حاضرة ومركزًا دينيًّا مهمًّا في مملكة حضرموت القديمة، وتتمتع باستقلالية تامة، حيث تم الكشف فيها عن أكثر من ثلاثة آلاف نقش أثري، لا يحتوي أيٌّ منها على ذكرٍ للعاصمة شبوة أو أي توثيق لأحداث عسكرية أو سياسية.
تتميز المدينة بكثرة المباني الدينية فيها، كالمعابد ذات الطراز المعماري الفريد والمقتنيات المتنوعة من نقوش ومساند مزخرفة بالوعول ورؤوس الثيران وأحواض حرق البخور والنصب النذرية، وغيرها من الموجودات داخل المعابد وخارجها. ومن أشهر معابدها: معبد الإلهة (ذات حميم) الذي يتكون من مجمع تعبدي يضم أربعة مباني، بنت أساسها من الأحجار وجدرانها من الهياكل الخشبية وملئت فراغاتها بـ”اللِّبْن” (مادة طينية تعتبر مادة البناء الرئيسية في حضرموت).
أيضًا هناك معبد الإله “سين” الذي يقع غربي المدينة حوالي 2 كيلو من مركزها، وهو معبد المدينة الرئيسي، وفي الضواحي يقوم معبد الإلهة المحلية “عشتر”.
أهمية الاكتشاف
الباحث محمد علي عطبوش يصف هذا الاكتشاف بالمهم والرائع، قائلًا: “ما أكثر الاكتشافات التي تمت بمحض المصادفة، لكنها مصادفة لاقت استجابة سريعة وتعاونًا من الجهات المختصة، تستحق عليه الإشادة”.
ويأمل عطبوش أن تحمل نتائج الدراسات العاجلة التي تجريها الجهات المختصة، معلومات ومعارف جديدة عن “حياة وممات الحضرمي القديم”.
تحديات تواجه حماية التاريخ
لا تختلف المقابر المكتشفة كثيرًا عن الشكل المتعارف عليه في الحضارة اليمنية القديمة الغنية والزاخرة بمختلف مظاهر الحياة والعلوم والفنون التي عاشها أجدادنا قديمًا، والتي ما زلنا نجهل الكثير منها، بسبب تعرض هذا الإرث العظيم للسرقة والنهب قبل أن تتم معرفته بشكل كامل.
سنوات طويلة من اللامبالاة والاستباحة من قبل الحكومات المتتالية، وعززها الانفلات الأمني والحروب التي قامت وتقام في مناطق كثيرة ومتفرقة على امتداد الوطن، وغياب الوعي التاريخي والثقافي لدى المسؤولين والمجتمع بشكل عام، وغيرها من الأسباب التي سهلت عمليات سرقة ونهب المخزون والكنوز التاريخية القيمة على مدى السنين.
الحفريات الإنقاذية التي تقوم بها اللجنة المشكّلة حاليًّا تهدف فقط للتنقيب بشكل أولي في الركام الذي نتج من عمليات الحفر والشق في الجبل، في محاولة لإنقاذ البقايا الأثرية والحفاظ عليها؛ لأن إجراء عمليات التنقيب الكاملة تتطلب إمكانيات مادية وفنية كبيرة، لا تتوفر حاليًّا بسبب الوضع الحالي الذي تعيشه البلاد.
وعن التحديات التي تواجه الهيئة العامة للآثار والمتاحف بمحافظة حضرموت، يقول باكرموم لـ”خيوط”، إن هناك العديد من الصعوبات نظرًا لكبر مساحة المحافظة، واحتوائها على الكثير من الكنوز التاريخية والأثرية، إضافة إلى محدودية الإمكانيات وقصور في الموازنة العامة للهيئة وعدم تحديثها، بسبب الاضطرابات السياسية التي تعيشها البلاد في الوقت الراهن.
رغم ذلك كما يؤكد باكرموم، أن هناك محاولات حثيثة للاستفادة بأقصى شكل ممكن من الإمكانيات المتاحة، للحفاظ على الإرث الحضاري والثقافي العظيم وإعطائه مكانته المناسبة والتي يستحقها.