المرأة اليمنية… ضحية للتعنيف الجسدي والنفسي واللفظي والجنسي
حيروت – متابعات خاصة
كادت أن تفقد ياسمين (اسم مستعار) سمعها بعد تعرضها للضرب المبرح من قبل زوجها، قصة زواج ياسمين التي لم تتجاوز عامها الخامس بعد، لم تخلُ يومًا من العنف، العنف الجسدي واللفظي، وحسب حديثها، فإنها طوال زواجهما، الذي تصفه بالمشؤوم، لا يمر يومٌ دون أن تتعرض للعنف من قبل زوجها.
في إطار مجتمع “ذكوري”، يرى أن مصدر قوته هو تعنيف المرأة أو ضربها، تقف ياسمين عاجزة عن الرد أو الدفاع عن نفسها، وحسب حديثها فإنها لا تعلم إلى أين تلجأ، خاصة أن والديها متوفَّيان منذ فترة طويلة، فيما إخوانها لا يصدقون كلامها بأنها تتعرض للضرب والعنف من زوجها.
تقول ياسمين، ورغبة البكاء تسبق حديثها: “الأشقاء الذين أجبروا أختهم على الزواج قبل أعوام، لا يمكن أن يكونوا سندًا لها إن تعرضت لأي عنف أو ظلم في يوم ما”.
ياسمين كحال الكثيرات من النساء في اليمن، لم تلجأ إلى القضاء أو الأهل أو أي أحد؛ بسبب ثقافة العيب أو الخروج عن العادات والتقاليد، التي تكبل أيادي الكثيرات وتحولهن إلى سجينات مسلوبات من أبسط حقوقهن المنتزعة، تموت ياسمين وغيرها في اليوم الواحد ألف مرة وهي عاجزة عن فعل أي شيء.
وتعتبر ثقافة العنف ضد الزوجات من قبل أزواجهن متأصلة في المجتمع اليمني منذ فترات طويلة، بالإضافة إلى أن الرجل يرى أن المرأة طفلة بحاجة إلى التأديب مهما كبرت، وفي حالات كثيرة يصل العنف الممارس ضد الزوجات إلى الموت، دون وجود أي جهة تقف في صف الزوجة.
وبحسب تقرير لمنظمة “أوكسفام”، فإن حوالي 56% من الزوجات في اليمن يتعرضن للعنف الجسدي من قبل أزواجهن، ناهيك عن العنف النفسي واللفظي، والعنف الجنسي الممارس، الذي يعتبر نوعًا آخر من أنواع العنف النفسي، ويشكل ثقافة عامة في المجتمع اليمني، وينتشر في أوساط المجتمع بشكل كبير.
تنامي حالات العنف
لا يقتصر العنف ضد المرأة في اليمن على الزوجات فقط، بل يطال كل فئات النساء في المجتمع، إذ تعتبر هذه الظاهرة منتشرة في مجتمع ذكوري من الطراز الأول ضحيته المرأة.
يبدو على جسد الطفلة رغد (16 سنة) احمرار وعلامات تعذيب جسدي واضحة، كأنها خرجت للتو من سجن، تتعرض رغد للتعنيف والضرب من قبل والدها بشكل عنيف وقاسٍ، وحسب حديثها، فإن والدها رجل قاسٍ ويصعب التفاهم معه، وهي مثل أخواتها البقية تتعرض للعنف منه، حتى وإن لم ترتكب أي خطأ.
العنف ضد المرأة ظاهرة موجودة منذ زمن طويل في المجتمع اليمني، لكنها تنامت وتزايدت هذه الظاهرة في سنوات الحرب الأخيرة بشكل ملحوظ، فقد تزايدت ضراوة العنف ضد النساء في اليمن خلال فترة الحرب التي تشهدها البلاد منذ العام 2015.
تأتي اليمن في المرتبة الأولى عربيًّا في زيادة حالات العنف الأسري، بحسب استطلاع حديث لـ”الباروميتر العربي”، إذ تعاني نحو 26% من الأسر في البلاد من العنف الخاص بالنوع الاجتماعي، 32% منها من طبقة ذوي الدخل أعلى من المتوسط، وحوالي 26% ضمن فئة الحاصلين على شهادات ثانوية عامة، و25% من الحاصلين على شهادات أكاديمية عليا.
بينما تحتل اليمن المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين الذي وضعه المنتدى الاقتصادي العالمي للسنة الـ13 على التوالي، ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فإن اليمن أسوأ البلدان في العالم للنساء.
غياب القانون
تفتقر المرأة اليمنية المعرضة للعنف الأسري إلى وجود قانون يحميها، إذ لا يوجد تشريع خاص لمكافحة العنف الأسري، حسب قول المحامي والخبير القانوني عبدالحكيم الدبعي، ويضيف الدبعي لـ”خيوط”، أن قانون الجرائم والعقوبات، شدد على احترام وحفظ كرامة المرأة من أي اعتداء، فيما يجب على الزوج لزوجته عدم الإضرار بها ماديًّا أو معنويًّا، والمقصود بالإضرار المادي الضرب المبرح، أما الإضرار المعنوي فهو السب والشتم ومناداتها بالألفاظ الجارحة، ويؤكد الدبعي أن هذا التشريع البسيط ليس كافيًا لمواجهة العنف الأسري وحماية المرأة من أي عنف قد تتعرض له، ويجب سن قوانين وتشريعات تضمن كرامة المرأة وحقها من أي اعتداء.
في 2014 تم تحضير مشروع قانون خاص بمناهضة العنف ضد النساء والفتيات من قبل اللجنة الوطنية للمرأة، مختصين قانونيين آخرين تحت إشراف وزارة حقوق الإنسان. وتم ورفعه إلى البرلمان، لكن توقف العمل فيه بسبب الحرب.
وتضمّن القانون مجموعة من التشريعات التي تعاقب أي فعل أو جريمة قد تحصل ضد أي امرأة، منها حالات العنف الأسري والمجتمعي، والاغتصاب، وما يسمى بجرائم الشرف، وغيرها.
أضرار نفسية
إلى جانب الأضرار الجسدية والجروح التي عادة لا تستمر أيامًا طويلة في جسد المرأة المعنفة، فإن هناك أضرارًا نفسية تصاحب المرأة على المدى الطويل، نتيجة ما تعرضت له من عنف، وقد يصل الحال بها إلى الإصابة بحالات الاكتئاب ونوبات الحزن والعزلة واضطرابات النوم، وفقدان الرغبة بالاستمرار في الحياة، بحسب حديث مرفت النابهي (أخصائية نفسية).
وقد تتحول المرأة المعنفة إلى منتقمة، تمارس العنف على أي أحد من أسرتها، مثل ممارسات العنف ضد الزوج أو الأولاد، وهذه ردة فعل تحدث من قبل المرأة نتيجة ما تعرضت له، حسب حديث النابهي.
تؤكد النابهي لـ”خيوط”، على ضرورة معالجة أي امرأة تعرضت للعنف في حال بدأت تظهر عليها أعراض غير طبيعية أو تصرفات غريبة، والجلوس مع أخصائي نفسي، ويتم تقييمها وتشخيصها بالشكل الصحيح، والقيام بالتدخل النفسي، وفقًا للحالة واحتياجاتها، فهي بهذه الحالة بحاجة ماسة إلى الدعم النفسي من قبل مختصين.