الزراعة.. خيار الهروب من غلاء المدن إلى بساطة الريف
حيروت- متابعات
بينما تنشغل السلطات المتصارعة في اليمن بأزماتها ومشاكلها الخاصة، تكابد فئة كبيرة من الموظفين المدنيين في الجهاز الإداري للدولة تبعات شظف العيش القاسية مع فقدان غالبيتهم لرواتبهم، ويأتي ذلك تزامناً مع انحسار مصادر الدخل لموظفي القطاع الخاص.
كانت مؤسسات الدولة البوابة الرئيسية في عملية التشغيل، إذ تم استيعاب أعداد هائلة من الموظفين في جهاز الخدمة المدنية، تضاعفت بشكل هائل خلال السنوات الأخيرة التي سبقت الحرب، في حين عانت هذه المؤسسات من مظاهر العمالة الفائضة والوهمية والمزدوجة.
ومع محدودية الخيارات المتاحة لاستمرار الحياة والمعيشة في اليمن، هناك من قرروا خوض غمار حياة شاقة لم يألفوها أو يعتادوا عليها، خصوصاً الموظفين ممن لا تزال رواتبهم متوقفة حتى الآن من خلال التوجه إلى الأرياف والعمل في حراثة أراضيهم الزراعية، مثل خالد الطويل، الذي قرر البدء بحياة جديدة في قريته بمحافظة المحويت، شمال اليمن، بعد أن كان موظفاً في إحدى الدوائر الحكومية العامة في العاصمة اليمنية صنعاء.
يقول الطويل لـ”العربي الجديد”، إنه لم يعد بمقدوره البقاء في صنعاء وتحمل تكاليف وأعباء مضنية، مثل إيجار العقار الذي يسكنه مع أسرته المكونة من خمسة أفراد وفواتير الماء والكهرباء ومتطلبات الحياة المعيشية، بعدما فقد الأمل في عودة راتبه الذي ينتظره منذ نحو أربعة أعوام.
لا يتوقف الأمر عند توقف الرواتب لدى جزء كبير من الموظفين المدنيين، بل في ضآلة الراتب والذي لم يعد أكثر من كونه “معونة اجتماعية”، كما يشكو موظفون أعادت الحكومة اليمنية في عدن صرف رواتبهم منذ نحو عامين، إذ ظل الراتب كما هو بحدود 60 ألف ريال (الدولار = نحو 850 ريالا) للعاملين في السلم الوظيفي المتوسط والمتدني وفق نظام الأجور في الخدمة المدنية المعمول به منذ ما قبل الحرب الدائرة في اليمن والتي دخلت عامها السادس.
من هؤلاء يعقوب القباطي، الموظف المدني، والذي قرر ترك العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية عدن والتوجه إلى بلدته، وهي إحدى القرى التابعة لمحافظة لحج، جنوب اليمن، للعيش بين أهله وأسرته ومساعدتهم، كما يقول لـ”العربي الجديد”، في بعض الأعمال الريفية، وتحديداً في رعي المواشي، رغم كونها مهمة شاقة حيث واجه صعوبات بالغة في التكيف والاعتياد عليها.
فيما عاد كثير من الموظفين كذلك إلى مناطقهم وقراهم في ريف تعز التي يغلب على كثير من مناطقها الطابع الريفي والكثافة السكانية.
يؤكد مسؤولون في وزارة الزرعة والري اليمنية أنه تم رصد تزايد عدد المشتغلين بالأراضي الزراعية خلال السنوات الثلاث الماضية، بعدما تسببت الهجرة إلى المدن في تغيير نمط حياة الأسر الريفية وتخلي كثير منها عن تقاليد الريف اليمني المعتمدة على الزراعة وتربية المواشي.
وأضاف المسؤولون أن ذلك يأتي في ظل توجه جزء من العائدين للأرياف إلى زراعة نبتة “القات” لما لها من مرود مادي مناسب، لكن نسبة لا بأس بها من النازحين العائدين للعيش في الأرياف يعملون على حراثة وزراعة حقولهم ببعض الحبوب كالذرة والشعير والخضروات.
وتعتبر الثروة الحيوانية سلة غذاء رئيسية في أغلب المناطق والمحافظات اليمنية، إذ يستوعب القطاع الزراعي النسبة الأكبر من الأيادي العاملة في اليمن، وتشكل الثروة الحيوانية نحو 25% من دخل العاملين في الأرياف.
وحسب إحصائيات حديثة، فإن اليمن يمتلك ثروة حيوانية تقدر بنحو 70 مليون رأس من الماعز وملايين الرؤوس من الأبقار وأقل من مليون رأس من الجمال، فيما يصل إنتاج البلاد من اللحوم إلى نحو 187 ألف طن، وحوالي 234 ألف طن من الألبان و16 ألف طن من الجلود ونحو 5 آلاف طن من الصوف، حسب تقارير رسمية.
ورغم ما أحدثته الهجرة من الريف إلى المدن خلال الفترات السابقة من إهمال للأراضي الزراعية وتوسع زراعة نبتة “القات”، وتراجع الاهتمام بتربية المواشي بسبب الإقبال الموسمي عليها، إلا أن ما يتوفر من المساحات المزروعة والثروة الحيوانية يساهم في إنعاش دخل الكثير من الأسر الريفية المنتجة التي تجتهد في تحسين سبل عيشها من خلال تربية الحيوانات، من الأبقار، والأغنام، والماعز، والدواجن، والنحل.
ويُعد القطاع الزراعي من أهم القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد اليمني، وتنبع هذه الأهمية من كونه أحد المجالات الرئيسية المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، إذ تصل مساهمته إلى نحو 12%، إضافة إلى كونه القطاع المنتج للغذاء وللمواد الخام اللازمة للعديد من الصناعات.
وتتصدر الزراعة القطاعات الأكثر استيعاباً للأيدي العاملة في اليمن مع وجود نحو مليوني عامل يشكلون نحو 53% من إجمالي القوى العاملة في البلاد.
وتشكل المساحة المزروعة ما نسبته 94% من إجمالي المساحة الصالحة للزراعة، فيما يتصف القطاع الزراعي باستخدامه إمكانيات قاعدة الموارد الطبيعية من مياه وأراض بصورة محدودة، وفق تقارير رسمية.
وحسب الخبير الزراعي حمزة ناصر، فإن القطاع الزراعي يمتلك كل المقومات اللازمة التي يمكن أن تستند إليها خطط وجهود مكافحة الفقر والبطالة في اليمن، والتي توسعت بشكل كبير مع انضمام مئات الاَلاف من الموظفين ممن فقدوا رواتبهم ومصادر دخلهم وأصبحوا مشردين من أعمالهم وحياتهم المدنية التي اعتادوا عليها.
وأشار ناصر لـ”العربي الجديد”، إلى طابع المجتمع اليمني الريفي والارتباط الوثيق بالأرض والزراعة، لذا كانت الأرياف من الملاذات الرئيسية لمن فقدوا سبل العيش في المدن، وهو ما يتطلب تركيز الاهتمام على الأسر الريفية وتسويق منتجاتها وتأهيلها لامتلاك المهن الإنتاجية.
ويغلب على المجتمع اليمني، الذي يقترب من 30 مليون نسمة، الطابع الريفي، إذ يعيش نحو 75% من إجمالي السكان في المناطق الريفية، منهم 84% فقراء، وفق أحدث تقارير دولية.
ويعيش ما يقرب من 50% من فقراء الأرياف في 12 محافظة (صعدة وعمران وحجة وتعز ولحج وأبين والحديدة والمحويت وريمة وحضرموت وإب والمهرة)، بينما هناك آلاف التجمعات السكانية، معظمها يقع في المنطقة الجبلية الغربية من البلاد، وهي مجتمعات ريفية معزولة يصعب الوصول إليها.
وتقدر وزارة الأشغال العامة والطرق أن ربع الأسر الريفية فقط تعيش على بعد حوالي كيلومترين من جميع الطرق المعبدة والمرصوفة، وهذا التقدير يتطابق مع مؤشر البنك الدولي للطرق الريفية، الذي قدر أنها تمثل 21% من إجمالي سكان اليمن.