مفاعيل جولة صراع جديدة على أنقاض خارطة “سلام” جريفيث “تقرير خاص”
حيروت- خاص
سدودا عالية ومتاريس ضخمة بدأت تحاصر خارطة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث لإحلال السلام ومقترحاته المتكررة لإيقاف الحرب، ويبدو أن جميع الأطراف في الداخل اليمني والخارج وفي مقدمتهم التحالف السعودي الإماراتي، اتفقوا دون تنسيق مسبق على خوض جولة جديدة من الصراع يصعب التكهن بنتائجها.
المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً اخر من وضع العصا في دولاب عربة جريفيث، بعد أن أعلن على لسان رئيسه عيدروس الزبيدي نيته إفشال أي مفاوضات للحل تتجاوز المجلس وتتجاهله.
نبرة الزبيدي الحادة تجاه الأمم المتحدة ومبعوثها الدولي جاءت بمثابة الرد على الصفعة التي تلقاها المجلس بتعمد جريفيث عدم إشراك وفده في أي مفاوضات مرتقبة للسلام في اليمن.
وذهب الزبيدي في مقابلة بثتها قناة سكاي نيوز الإماراتية أمس، إلى أبعد من ذلك بكثير، بالتهديد بعدم استقرار اليمن والمنطقة والأقليم لو لم تلبى تطلعات الجنوبيين في استعادة دولتهم السابقة، وهو أكد بشكل مباشر عدم تلقي المجلس أي دعوة للمشاركة في الحل الشامل للأزمة اليمنية، أو حتى تنازل جريفيث بمناقشة مسودة الحل أو إرسال نسخة من مقترحاته إلى المجلس للإطلاع على الأقل.
الضغط على الانتقالي داخليا تضاعف بعد الزيارة القصيرة التي قام بها المبعوث الدولي إلى عدن التقى خلالها مع رئيس الحكومة معين عبدالملك ووزير الخارجية احمد بن مبارك، ومحافظ عدن أحمد لملس قبل أن يغادرها سريعا نحو المطار، كمن أراد النفاذ بجلدة خوفا من استهدافه إما بقصف صاروخي أو عبوة ناسفة بعد معاينته الأضرار التي لحق بمطار عدن جراء الهجوم الإرهابي الذي رفض تحميل الحوثيين “أنصار الله” مسؤوليته، تلبية لرغبة قيادات في “الشرعية” و”التحالف”.
تحاشي جريفيث اللقاء بقيادات “الانتقالي” في عدن، فسر تلقائيا بموقفه الرافض لإشراكه في أي مفاوضات في الحل الذي يرى أن مقاليده بيد صنعاء ممثلة بالحوثيين “أنصار الله” والشرعية ممثلة بشخص الرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، وكلاهما حرص على اللقاء بهما في الرياض، قبل أن يجاملهما بزيارة تطييب خواطر إلى عدن بعد نجاة أعضاء الحكومة الجديدة من الموت في عملية قصف المطار.
ما ترشح من أنباء لقاء جريفيث هادي الأحمر، هو فشله في الدفع بمفاوضات السلام، وضمور حماس النفاذ إلى خارطته، بعقد جولة مشاورات جديدة في السويد أو جنيف، عقب تشكيل الحكومة الجديدة، جراء تصلب موقف الشرعية الذي بدأ واضحاً خلال اللقاء الذي جمعه بهادي، الأحمر، الأربعاء.
مصادر قالت إن الرجلين ومن مقر إقامتهما الدائم في الرياض أبلغا جريفيث، “باستحالة إجراء جولة من المفاوضات مع مليشيا الحوثي”، واتهما الجماعة بأنها “لا تريد السلام”.
واعتبر الثنائي “المتصلب” أنّ الجهود الأممية لتحقيق الحل السياسي تُواجه بـ”تمادي وعنهجية المليشيات التي تعمل على تنفيذ أجندة إيران”، وجددا اتهامهما للجماعة بشن هجوم مطار عدن الدامي.
لم يفوت هادي الأحمر، فرصة توبيخ جريفيث على ما اعتبراه موقفه الناعم من “تعنت الحوثيين وانتهاكاتهم المستمرة لاتفاق استوكهولم في الحديدة”، وهما أيضاً اتفقنا على أن فرص السلام قد نسفت بعد تسلل سفير إيران لدى جماعة الحوثيين، حسن إيرلو، إلى صنعاء، وقيامه “بأنشطة عسكرية ومخابراتية، توجها أواخر الأسبوع الماضي بإشرافه على تنظيم فعالية تحيي ذكرى مقتل قائد “فيلق القدس” السابق في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، أثارت غضب الشرعية و التحالف أيضاً”.
تواجد السفير الإيراني في صنعاء منح هادي ونائبه فرصة تكرار نغمة الدعم الميداني من قبل إيران للحوثيين “من خلال أعمال ما يسمى سفيرها في صنعاء ونشاطه وتواجده المخالف للقوانين والأعراف الدبلوماسية”، مؤكدين بأنه “يكشف التدخل الإيراني الفاضح في اليمن”.
لكن مصدر حكومي أراد كسر حدة التشاؤم التي باتت تحاصر رؤية جريفيث للحل في اليمن، من خلال التأكيد على انتظارهم طلبه تشكيل الوفد الحكومي المفاوض، الذي كان مرهونا بتشكيل حكومة الشراكة الجديدة، بما يضمن تمثيل كل الأطراف، بما فيها المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي إذا شارك فأنه سوف يشارك على ما يبدو كأفراد ضمن “الشرعية” وليس كوفد مستقل بذاته، وهو ما سيجعل حضوره في المفاوضات عبأ سياسيا عليه في الداخل لأنها ستكون تحت علم الوحدة اليمنية التي لا يعترف بها.
وفي مقابل الثبات الذي يعيشه وفد الحوثيين “أنصار الله” المفاوض منذ 2016، من المتوقع أن تطرأ تعديلات على الوفد الحكومي، وذلك بتسلم وزير الخارجية، أحمد عوض بن مبارك رئاسة الوفد، إذ جرت العادة على أن يتقدم وزراء الخارجية في الحكومات المتعاقبة، صدارة المشاورات التي رعتها الأمم المتحدة سواء في جنيف أو الكويت.
عقبة أخرى مازالت تجبر جريفيث على الدوران في خلقة مفرغة وهي رفض صنعاء منحه الضوء الأخضر لزياراتها منذ فترة، وهو ما يرجح قناعة الحوثيين “أنصار الله” على ضرورة مواصلة القتال مع “الشرعية” و”التحالف” بعد أن انتقلوا من مرحلة الدفاع إلى الهجوم وباتوا يتحكمون في توقيت حسم العديد من المعارك بما فيها إسقاط مأرب وقصف العمق السعودي وحتى عدن بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.
مصادر أممية مطلعة على مستجدات المشاورات اليمنية رأت أنه من السابق لأوانه الحديث عن عقد جلسات مباشرة بين طرفي الصراع في الوقت الراهن “الحكومة والحوثيين”، مشيرة إلى أن “الجولة الجديدة تأتي في إطار التواصل الروتيني لمناقشة جملة من القضايا، وإن عملنا لن يتوقف في ظل أي متغيرات”.