(حيروت الاخباري) ينشر تقرير مركز هنا عدن عن الأجندة السعودية في المهرة (الحلقة الثانية)
حيروت- خاص
يواصل “حيروت الاخباري” نشر محتوى تقرير مركز هنا عدن للدراسات الاستراتيجية لعام 2020 عن الأجندة الاستراتيجية السعودية في محافظة المهرة.
وكان“حيروت الاخباري” قد نشر في الحلقة الأولى من التقرير الذي حصل على نسخة منه مقدمة التقرير، وعرض جذور ومظاهر وأبعاد الاستراتيجية السعودية في محافظة المهرة اليمنية وفي الحلقة الثانية يواصل نشر ما تضمنته التقرير عن الآثار الشاملة للأجندة السعودية في المهرة عسكريا واقتصاديا واجتماعيا، فيما يلي:
الأهداف المعلنة للتواجد العسكري السعودي في المهرة
منذ اللحظات الأولى لتدفق الجنود السعوديين للمهرة، بدأت وسائل الإعلام التابعة للتحالف بترويج قضية ” تهريب الأسلحة للحوثين” عن طريق منافذ محافظة المهرة، مع العلم أن المحافظة ظلت خارج سيطرة الحوثي وأعلنت ولاءها للشرعية منذ اللحظات الأولى لاجتياح الحوثي للمحافظات الجنوبية وبعد انطلاق “عاصفة الحزم” ما يجعل تهمة التهريب أقرب للمبرر الفاقد لأي أدلة عملية.
صحيح أن قضية تهريب الأسلحة أثيرت منذ العام 2013، إلا أنها ظلت مجرد أخبار عامة بلا ايضاحات تحقيقية تكشف عن نوعية التهريب ومصادره والأطراف المتورطة فيه، هذا عدا عن أن مشكلة مكافحة التهريب، تظل مهمة أمنية للجهاز الأمني التابع للسلطات المحلية ولا تستدعي تواجد عسكري أجنبي يتجاوز السلطات الشرعية ويعمل بشكل مصادم للمجتمع. ولو كانت السعودية صادقة في مبررها هذا لكانت قدمت الدعم والاسناد للسلطة المحلية لتقوم بمهمتها دون أن تتدخل هي بذاتها وبشكل مستفز يضاعف المشكلة أكبر ويولد حالة من الفوضى تدخل المحافظة في حالة اضطراب أكبر، ناهيك أن السلوك السعودي وتواجدها العسكري يكشف عن مخططات تتجاوز المبرر الذي أعلنوا القدوم بسببه، حيث يتساءل المهريون هل قضية مكافحة التهريب- إن صحت – تستدعي كل هذه الثكنات العسكرية الضخمة والمتعددة التي تقوم السعودية باستحداثها في كل المناطق الحيوية بالمحافظة وعلى طول الشريط الساحلي والمنافذ البحرية والبرية، وقبل هذه وبعده لماذا تفعل السعودية كل ذلك بشكل متجاوز لسلطات الدولة بل ومصادر لصلاحيتها لدرجة يرقى معها التواجد العسكري لتوصيف ” قوة احتلال” ويجردها من أي مشروعية تدعيها، ما دامت تؤسس وجودها بشكل يتناقض مع الهدف الذي دخلت البلاد من أجله وبدون الرجوع للسلطة الشرعية التي منحتها شرعية التدخل.
الأجندة المركزية الموازية للتواجد العسكري السعودي في المهرة
منذ البداية كانت الأطماع السعودية في المهرة واضحة للعيان، ولم يتقبل الناس فكرة أن السعودية دخلت المحافظة خدمة لأبنائها ودعمًا للسلطة الشرعية، فبعد خمس سنوات من التدخل العسكري للتحالف العربي، اتضحت كل الأجندة الموازية للسعودية والإمارات داخل البلاد ولم يعد بإمكان دول التحالف تبرير سلوكياتها الشاذة أمام اليمنيين، ففي الوقت الذي تسمح السعودية بنشوء قوات مليشاوية تقوض الشرعية في جنوب البلاد، تدعي أنها دخلت المهرة لدعم الشرعية، هذا السلوك المزدوج جعل السعودية عاجزة عن تسويق مبرراتها المعلنة بخصوص دواعي تواجدها العسكري بالمهرة ومنح الناس يقينا واضحًا أن للملكة أهدافها الخاصة المفصولة عن مصالح المجتمع بل والمناقضة له.
إضافة لما سبق، يمكننا القول إن هذا اليقين الشعبي بوجود أطماع سعودية خاصة في المهرة ليس مجرد خيالات متوجسة وناتجة عن خذلان السعودية المتكرر للشرعية وفي أكثر من مكان بل هناك مؤشرات تأريخية تدعمها وقائع سياسية ووثائق مسربة من هنا وهناك تؤكد أن المخطط السعودي في المهرة، يتعلق بفكرة مركزية معروفة وهي: حاجة السعودية لمد أنبوب نفطي خاص بها، يكون بمثابة منفذ بديل وآمن يمكِّنها من تأمين عملية تصدير نفطها للخارج عن طريق بحر العرب، وذلك تفاديِّا لأي مشكلات تهدد طريق النقل الحالي التي تمر عبر مضيق هرمز، وهي طريق عرضة للابتزاز والضغط والتهديد من قبل عدو السعودي التقليدي “إيران” وهذا المطمع السعودي مركزي ومسنود بعشرات الوثائق السرية والافادات لمتخصصين وخبراء حول الموضوع[15].
( وثيقة مسربة من شركة هوتا )
(وثيقة ويكليكس1)
(وثيقة ويكليكس2 )
لماذا تسعى السعودية لتحقيق مصالحها في اليمن بطرق غير رسمية؟
منذ بدء التدخل العسكري السعودي في المهرة، وتصاعد الاحتجاج الشعبي ضدها، إلى جانب بروز موضوع مد أنابيب النفط السعودي عبر الأراضي اليمنية، باعتباره الهدف النهائي للسعودية من تدخلها غير المبرر في المحافظة.
هناك سؤال قديم ومتجدد حول الدوافع التي تجعل المملكة تفضل انتهاج طرق مشبوهة لتحقيق أطماعها أو حتى مصالحها في اليمن، لماذا دائمـا ما تحاول المملكة تخطي الأطر الرسمية ونسج علاقات غير مشروعة في سبيل الوصول إلى أهدافها؟!
الإجابة عن هذا السؤال تحيلنا لفهم طبيعة النظرة السعودية لليمن وطبيعة التفكير السياسي في عقلية صانع القرار داخل المملكة. فطوال مراحل التأريخ السياسي الحديث للدولة اليمنية، ظلت المملكة تنظر لليمن كما لو أنها ملحق تابع لها، وحرصت طوال العقود الأخيرة على إبقاء النظام السياسي اليمني تحت هيمنتها، لضمان ولائه الكامل لها، وانتهجت كل الطرق لإحكام قبضتها على القوى الفاعلة في الداخل، وبالتحديد الساسة ورموز القبيلة اليمنية، باعتبار القبيلة مركز ثقل اجتماعي رئيس له تأثير سياسي في معادلة الحكم.
وانطلاقًا من هذا التصور، فالمملكة لم تضع اعتبارا كبيرا لمفهوم السيادة في تعاملها مع اليمن منذ تأسست الدولة السعودية، حيث اعتاد المسؤولون السعوديون أن يتخطوا منطق الدبلوماسية والأعراف الدولية حين يتعلق الأمر برعاية مصلحة معينة لهم في اليمن أو عرضها على المسؤولين اليمنيين.
إضافة لما سبق، وإذا ما حاولنا إجمال الأسباب العملية التي تدفع السعودية لسلوك طرق ملتوية لتحقيق مصالحها سنوجزها في الآتي:
1- لا تريد السعودية ترسيخ عرف سياسي يراكم حالة من التعامل الندي بينها وبين اليمن وهذا هو انعكاس طبيعي لنظرتها التأريخية الدونية لليمن، وهو ما يدفعها لتجاوز الأطر الدبلوماسية والأعراف الدولية في طريقة تعاطيها مع النظام السياسي ومساعيها لانتزاع مصالحها بطريقة عبثية وخارقة للثوابت الوطنية والدستورية للجمهورية اليمنية.
2- تعتقد السعودية أن سلوكها طرق غير رسمية هو أقل تكلفة لها وأيسر وصولًا، كونه سلوك لا يترتب عليه أي التزامات قانونية رسمية ولا تبعات مالية كبيرة، فهي تنتهج طرقًا سهلة التحرك فيها وبظرف قصير وتكاليف زهيدة تتمكن من انتزاع ما ترغب به، ودون أن تكون ملزمة بشيء ثابت ورسمي، على العكس من طريقة الاتفاقيات القانونية، فهي حسب تصورها تجعلها أسيرة بعقود ثابتة وملزمة على امتداد الزمن، أي أنها ترغب بتحقيق مصلحتها على حساب المصلحة الوطنية لليمنين وهذا هو جوهر المشكلة التي يثيرها هذا الأسلوب السعودي الراسخ في تعامله مع اليمن واليمنيين.
3- شعور السعودية أن الظرف السياسي العام الذي تعانيه اليمن وحالة الشتات وتمزق النخبة الحاكمة، يوفر لها فرصة للنفاذ واستغلال الحالة المهترئة للدولة اليمنية إلى جانب تمكنها من احتواء النخبة، ما يجعلها أمام فرصة تاريخية لا تعوض ويتوجب استثمارها للبدء بوضع المداميك الأولى لطموحها الكبير والقديم والمتجدد، فما لم تتمكن من تحقيقه طوال العقود الماضية، يبدو أن الظرف بات مواتيا للبدء فيه، ثم فيما بعد حين تلملم الدولة اليمنية أوضاعها، يمكنها خوض نقاشات معها والبحث عن تكييفة قانونية تشرعن ما قد بدأت به دون المرور بالحكومة اليمنية، حيث سيكون النظام السياسي أمام أمر واقع ومحرج ما سيضطره للقبول بأكبر قدر ممكن من اشتراطات الجانب السعودي.
لكن ما لا تضع له السعودية اعتبارا في حساباتها هو أنها تتعامل مع بلد لديه الحد الأدنى من المؤسسات الديمقراطية، وهو ما سيجعل المكسب سعودي غير شرعي، ومهددا بمواقف المؤسسات السياسية والوطنية، التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويمكن لأي نظام سياسي قادم، أن يفتج كل الملفات ويعيد النظر بكل ما انتزعه الحلفاء من مصالح غير مشروعة في فترة تفكك الدولة اليمنية، باختصار: يبدو تفكير السعودية الآني غير آمن، وبكل الأحوال مثلما هي محاصرة الآن باحتجاج شعبي مفتوح، حتى لو لم يتمكن عمليا من وقف تمددها، سينتقل هذا الصوت الشعبي الرافض إلى داخل مؤسسات الدولة المنتخبة ويجبرها على محاصرة الوجود السعودي ومصالحه العابرة للمصلحة الوطنية، وهو ما يعني أن السعودية، في الوقت الذي تعتقد أنها تنجز مشروعا استراتيجيا في ظرف مهيأ لها، لكنها تفكر بطريقة غير استراتيجية، حيث الرمال ستتحرك من تحت أقدامها وسيظل وجودها محاطا بعشرات الاستفهامات ومهددا بالفقد في أي لحظة قادمة.
كيف تتصرف المملكة حين تفشل في فرض شروطها على الجانب اليمني بطريقة رسمية؟
في الحالات القليلة التي لم تتمكن فيها السعودية من انتزاع ما تريده من مصلحة في اليمن وبالطريقة التي تتصورها، لم يكن الأمر يدفعهم لمراعاة اشتراطات الجانب اليمني وتلبيتها، بل مباشرة يلجؤون لرفض القبول بأي اتفاقية لا يتمكنون فيها من إملاء شروطهم كاملة، ويؤجلون الأمر، وفي قضية: مد أنابيب نفطية عبر الأراضي اليمنية، تجلى الأمر بوضوح.
في سياق بحثنا هذا، حرصنا على التواصل مع مسؤول يمني كبير وسابق، كان أحد المسؤولين الذين تعاملوا مع هذا الطلب السعودي منذ منتصف الثمانينات، هو رئيس الوزراء الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، تولى رئاسة الحكومة الجنوبية في 2 أغسطس 1971م ــ 14 فبراير 1985م، وقد أفادنا حول الموضوع بالآتي، ونحن هنا ننقل حديثه نصيًّا، وخلاصته يتمثل، في أن السعودية كانت هي الطرف الذي رفض مقترحات الجانب اليمني، رغم تعامل المسؤولين اليمنيين بإيجابية مع الطلب.
(الرئيس علي ناصر محمد )
إفادة الرئيس علي ناصر محمد
” في عام 1975م زارنا وفد من الكويت برئاسة الشيخ صباح الأحمد الصباح وزير الخارجية ويرافقه السيد أحمد السقاف مستشاره لشؤون هيئة الخليج والجنوب التي كانت تشرف على تقديم المشاريع التربوية والصحية لليمن شمالا وجنوبا وللصومال والسودان ورأس الخيمة وسلطنة عمان، واستمر هذا الدعم لليمن شمالا وجنوبا حتى الوحدة. وفي أثناء هذه الزيارة اقترح الشيخ صباح فكرة مد أنابيب من الدمام إلى بحر العرب وجاء بتكليف من الملك فيصل ودول الخليج الأخرى وقبل اللقاء مع الرئيس ربيع زارني وشرح لي فكرة مد الأنابيب وموضوع الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي.
وسألته: لماذا مد الأنابيب ونفط الخليج يمر عبر مضيق هرمز؟ قال إنهم يخشون وقوع زلزال في مضيق هرمز يمنع مرور سفن النفط، ولم أقتنع حينها بهذا الحجة ولكن كان يبدو أنهم يتنبؤون أو يتوقعون وقوع زلزال في إيران وليس في مضيق هرمز. وهذا ما حدث عام 1979م بسقوط نظام الشاه.
وبعد ذلك التقيت مع الرئيس ربيع قبل لقائه مع الوفد وذلك بناء على طلب الشيخ صباح الذي كانت تربطني به وبدولة الكويت علاقات شخصية وسياسية بحكم زيارتي لها أكثر من مرة. ونصحت الرئيس ربيع ألا يرفض الطلب ولكن يبلغهم بأننا سندرسه. أما علي البيض الذي كان حاضراً هذا اللقاء فقد رفض الفكرة جملة وتفصيلاً وأن الشيخ صباح مُكلف بهذا الدور من المخابرات البريطانية. ولكن ربيع استقبلهم بعد ذلك ورد عليهم بأننا سندرس هذا الموضوع مع القيادة وسنرد عليهم لاحقاً.
أما الموضوع الآخر وهو الحديث عن تحرير الخليج العربي وإيقاف هذا النشاط المعادي للخليج بما فيه دولة الكويت فإن ذلك ان استمر فسيؤثر على العلاقات بيننا وعلى الدعم الذي تقدمه الكويت من مدارس ومستشفيات، وكان الشيخ صباح قد قدم عرضا مقابل التنازل عن تسمية الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي، وأن يكون محصورا بجبهة ظفار التي بدأت باسمها ثم أصبحت الجبهة الشعبية لتحرير عُمان ثم تحرير الخليج العربي، وكان رد الرئيس ربيع للوفد بأننا سندرس الموضوع مع قيادة الجبهة الشعبية. وكانت قيادة الجبهة الشعبية وبعض المتطرفين من القيادة في عدن يطالبون بإسقاط أنظمة الخليج ومن عدن للبحرين شعب واحد لا شعبين.
ولكن هذا النشاط بعد ذلك أصبح فقط من إذاعة عدن لأنه ليس لديه أي مستقبل على أرض الواقع. وبعد هذه الزيارة استمرت الزيارات والاتصالات من قبل المسؤولين في السعودية والخليج من أجل مد الانابيب منذ عهد الملوك فيصل وخالد وفهد وعبد الله وحتى الملك سلمان، وكان الخلاف بيننا قبل الوحدة وبعدها هو حول السيادة على الارض التي ستمر بها الأنابيب. ولهذا توقف الحديث عن هذا الموضوع لأن اليمن كان يرفض سيادة الخليج على أرضه ولكنه يقبل بحراسة مشتركة خليجية يمنية، ولكن الخليجيين رفضوا ذلك”[16].