محور المقاومة وصراع التكتّلات الدّوليّة في الإقليم !! بقلم/ شرحبيل الغريب
حيروت – بقلم/ شرحبيل الغريب
ما يجري من متغيرات دراماتيكية في المنطقة يوحي بأنَّ الحلقة الأخيرة اقتربت، وصولاً إلى ساعة الحسم وفرض المعادلات على قاعدة “أكون أو لا أكون”.
تعيش المنطقة برمّتها والمحيط الإقليمي حالة من الصراعات غير المعهودة، تطغى عليها الانقسامات أو النزاعات، وينتج منها بناء التكتلات.
بين الإيديولوجيا والسياسة، تتسابق الأفعال والأحداث، وتتغيَّر موازين القوى في الإقليم.
هذه الصّراعات أفرزت بيئة جديدة أثّرت في المشهد العربي والإسلامي والدولي بطريقة متشابكة تجاه عدد من الملفات والمستجدات الساخنة، وألقت بظلالها على حالة تشكّل التكتلات الإقليمية في المنطقة.
تشخيص واقع التكتلات في المشهد الإقليمي ربما لا يتّسع لمقالة واحدة، لكن في قراءة معمقة سريعة، تشير الإفرازات الواضحة في المشهد إلى أنَّ المنطقة تشكَّلت بين محورين رئيسيين.
تعزز هذا السيناريو وأصبح واقعاً حقيقياً ملموساً خلال فترة حكم الإدارة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بفعل السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وخططها وقراراتها تجاه العديد من الملفات.
في ضوء الأحداث المتسارعة في الساحة الإقليمية، وتجاذبات الفعل الأميركي بحق إيران، والتي كان آخرها إغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده، والاستعراضات بغواصات أميركية في بحر العرب على مرأى دول الخليج ومسمعها، أصبحت التكتلات مكشوفة، ولم يعد هناك مجال للتستر عليها أو الالتفاف عنها، وأقصد هنا تكتل المحور الأول الذي اصطفّ اصطفافاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً كاملاً مع أميركا، بقيادة السعودية ودول الخليج ودول أخرى، وتبنّى رؤية الإدارة الأميركية وسياساتها بكلّ تفاصيلها، إضافةً إلى تبني خيار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، تحت ذريعة واهية عنوانها تقويض النفوذ الإيرانيّ في المنطقة ومحاربته.أما التكتّل المقابل، فهو التكتل الذي تقوده الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي يبدأ من طهران، ويمر بالعراق واليمن ولبنان وسوريا وفلسطين، ويقوم على تبني قضايا الأمة، ورفض الظلم والاضطهاد، ونصرة المستضعفين، ودعم القضية الفلسطينية وتأييدها بأشكال مختلفة، وغيرها من القضايا المحورية المهمة.
هذا التكتل الإسلامي بقيادة إيران اليوم ماضٍ في تحدي ومجابهة التكتل الأميركي الإسرائيلي الخليجي الذي أصبح يعمل ضد مصالح الشعوب بشكل عام، كما نشاهد في اليمن والعراق وغيرهما، وضد القضية الفلسطينية بشكل خاص.الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي تمثل اليوم حالة التكتل الإسلامي لمحور المقاومة، وأمام حالة الصراع القائمة، بات واضحاً أنها تخوض واحدة من أكثر أشكال المواجهة تعقيداً مع أميركا وحلفائها، وتؤسس لواقع إقليمي جديد يفرض قواعد اشتباك جديدة، قائمة على قاعدة أن أميركا لم تعد الحاكمة المطلقة للمنطقة، وأن ثمة قوانين لا بدّ لها من الالتزام بحيثياتها.وعلى هذا الأساس، فإنَّ السياسات الأميركية لا بدّ لها من أن تتعاطى مع هذه الحقائق شاءت أم أبت، وخصوصاً أن إيران، كواحدة من الدول العظمى إقليمياً، أثبتت أنها تقود معسكرها بحكمة وقوة واقتدار، وفقاً لمنظومة الفهم السياسي لوقائع بيئة المنطقة وواقعها الراهن إقليمياً.أعتقد أنَّ بديهيات العمل السياسي وأبجدياته تحتّم علينا تحديد الموقف الصحيح تجاه هذه التكتلات، بعيداً من الأوهام بامتلاك أميركا كل أوراق القوة في المنطقة، وأن بيدها التحكّم بكل شيء وفق رؤيتها ومصالح تكتلها، فذلك لم يعد له قيمة أمام قوة وتماسك وتعاضد محور المقاومة، الذي يمتدّ عبر عدة عواصم، ويعجز معسكر الأعداء عن النجاح في استئصاله عبر عشرات السنين.
من يتعمَّق أكثر في المشهد الإقليميّ يلحظ أنَّ ثمة ذريعة أساسية لصراع التكتلات، وهي خلق فزاعة سياسية تحت عنوان خطر التكتل الإسلامي بقيادة إيران في المنطقة، كمحاولة مقصودة من المحور الأميركي السعودي لبث الفتنة الطائفية في المنطقة.
هذه الذريعة ليست إلا خدمة للمصالح الأميركية في المنطقة، وتبريراً للاصطفاف إلى جانب التكتل الأميركي بذريعة مواجهة المد الإيراني، في تبرير غير منطقي للمضي في تمهيد الطريق أمام استكمال المخطط لإحكام السيطرة الأميركية على مقدرات المنطقة العربية، وكمحاولة لتغيير مفهوم الأمن القومي العربي والإسلامي وتغيير بوصلته باتجاه إيران.حالة الصّراعات إقليمياً ستشتدّ أكثر خلال المرحلة المقبلة، وسنشاهد أمواجاً متلاطمة من الأحداث، استناداً إلى إرهاصات كثيرة وتطورات متوقعة يطول الحديث فيها، وبالتالي حتى يبقى تكتّل محور المقاومة قوياً ومتماسكاً ومؤثراً وبيده المزيد من أوراق القوة، يجب أن ينتهج سياسة تشمل التوسع في قبول التعددية الإيديولوجية بشكل عام، كما هو حاصل مع حركة حماس “السنية” في فلسطين، وإيجاد مقاربات بنّاءة في المسار السياسي أو الاقتصادي، خدمةً لمصالح الأمة أولاً، وتبني برنامج ينصب العداء لـ”إسرائيل” والولايات المتحدة ومن يقف خلفهما من المطبّعين الذين اصطفوا في الركب الإسرائيلي الأميركي ضد مصالح شعوبهم وقضية فلسطين.
ما يجري من متغيرات دراماتيكية في المنطقة يوحي بأنَّ الحلقة الأخيرة اقتربت، وصولاً إلى ساعة الحسم وفرض المعادلات على قاعدة “أكون أو لا أكون”.
وما جرى مؤخراً مع باكستان كدولة إسلامية تربَّعت على مقعدها باقتدار في صناعة النووي والترسانة العسكرية من ابتزاز سعودي واضح ومحاولة لتركيعها والسيطرة على القرار الخارجي لإسلام أباد، هو خير دليل على أن نفوذ التكتل الأميركي السعودي لا يرحم، وأنه ماضٍ في مخطّطاته تحقيقاً للمصالح الأميركية ولأمن الاحتلال الإسرائيلي ومصالحه في المنطقة خصوصاً.
وجدير بتكتّل محور المقاومة تعزيز حالة الاصطفافات والتكتلات خلال الفترة القادمة، وتجاوز معضلة غياب الاستقرار السياسي، وتغييب أي فرصة آنية للاختلافات السياسية، وتقلد موقع المبادر لا المتلقي للحدث، نظراً إلى ضرورة العمل وأهميته، وإشراك أكبر عدد من الدول أو الحركات أو الأحزاب الوازنة المؤثرة، بعيداً من إيديولوجيّتها، ليكون تكتل محور المقاومة قوياً ومتيناً، فهذا من شأنه أن يؤسّس لتكتل كبير يحرّر هذه الدول من أيّ تبعية خارجية مذلّة لأميركا أو “إسرائيل”، ويعطيها قوة في اتخاذ القرار والفعل، ويجعل محور المقاومة تكتلاً قوياً في القرار والتأثير في المشهد الإقليمي الدولي والعربي.
نقلاً عن الميادين
.