التطبيع المغربي – الإسرائيلي … قراءةٌ في الخلفيات والتداعيات
حيروت – بقلم/ تدمير عبدالوهاب
ما كان يُسمّى بالاجماع العربي والإسلامي من القضية الفلسطينية، قد انفرط بعد أن طبّعت جلّ دول الجوار الإقليمي، وتشتّتت وحدة الفلسطينيين بين حكومة في الضفة وأخرى في غزة.
في سياق التفاعل الدولي والوطني مع التطورات الأخيرة لملف الصحراء، وتطبيع الدولة المغربية مع “إسرائيل” الذي تُوّج بلقاءٍ رسميٍّ يوم 22 كانون الأول/ ديسمبر2020، بحضور المبعوث الأمريكي جاريد كوشنر، كان لا بدّ من الوقوف عند مستويين مهمّين من هذا التفاعل، الأول داخلي والثاني خارجي.يتمثل الأوّل في حالة الانقسام الداخلية بين من انساق بشكلٍ كليّ مع الخطاب الرسمي المؤيِّد لخطوات التطبيع ما دام سيمكّن المغرب من استرداد أراضيه، وبين مناهضين للتطبيع بخلفيّةٍ قوميةٍ ووطنية، وجدوا أنفسهم في موقف العاجز على حشد القوى السياسية المعارضة له، بعد أن أيّد مجملها التطبيع، سراً أو علانية أو بقرارٍ رسمي.
وبينما كانت بعض الشعوب ما تزال غارقةً في حالة من النشوة، فيما ترزح أخرى تحت صدمة التطبيع، استحسن البعض الخطوة الأميركية، وأجهر بمواقفه المرحّبة، في خضمّ حماسةٍ وطنيةٍ أنسته السياقات الإقليمية والدولية التي عجّل في حدوثها اقتراب موعد رحيل الإدارة الأميركية الحالية. أرادت إدارة ترامب إتمام حلقات مشروع “صفقة القرن” التي بدأت مع قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، والسماح لـ”إسرائيل” بضمّ أجزاء من الضفة الغربية، وإعطائها الجولان السوري.
ومن ثمّ توسّعت حلقة التطبيع لما دشّنته في الإمارات والبحرين والسودان أولاّ، ثم المغرب وقريباً السعودية.
وكل هذه الدول ساقت تبريرات لموقفها الجديد القديم أمام شعوبها.
بموازاة ذلك، نحن نعلم كمهتمّين بالسياسة الدولية، أن لا شيء مقنعٌ في هذه المبرّرات، لأنّ التطيبع لن يردع إيران، كونها قوةٌ إقليميةٌ صاعدة تنشط ضمن محورٍ مقاومٍ للهيمنة الأميركية والإسرائيلية، وفق رؤيةٍ استراتيجيةٍ تخدم من خلالها مصالحها الإقليمية والدولية.
إنّ ما ينطبق على السودان ومثيلاتها، ينطبق على المغرب الذي وُضع في موقع الاختيار ببن التضحية بوحدة أراضيه أو التضحية بقضيةٍ طالما اعتبرها الخطاب السياسي المغربي قضيته المركزية.
هذا، في الوقت الذي نعلم فيه أيضاً أن اعتراف ترامب بمغربية الصحراء، هو مدخلٌ لخدمة المصالح الأميركية في أفريقيا على حساب العرّاب الفرنسي.
ولن يكون له تأثيراً حاسماً في وضعيّة ملف الصحراء في اللجنة الأممية الرابعة.
إنه ملفّ عملت على تأطيره التشريعات الدولية، ورأت الردود في تصريح ترامب خرقاً للقانون الدولي.
وهو ما سيُبقي الملف شوكةً في خاصرة المغرب، تتقاذفها مصالح الدول الكبرى، في قارةٍ تزخر بالصراعات الدولية.
ويبدو أنه لا حلّ سوى مضيّ المغرب في بسط سيادته على الصحراء، عبر التفعيل الدستوري والتشريعي والسياسي لمشروع الحكم الذاتي، وفتح جسور الحوار المباشر مع الدولة الجزائرية على قاعدة مبدأ رابح – رابح، بواسطة اتفاقية سياسية واقتصادية ثنائية تضمن المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين، بما فيها رسم الحدود الفاصلة. وهو ما سيقطع الطريق في المقابل على مشروع التفتيت والتجزئة وخلق كيانات سياسية ضعيفة ستشكل استراتيجياً الخاصرة الرخوة للحدود الجنوبية لكلا البلدين.
ما كان يُسمّى بالاجماع العربي والإسلامي من القضية الفلسطينية، قد انفرط بعد أن طبّعت جلّ دول الجوار الإقليمي، وتشتّتت وحدة الفلسطينيين بين حكومة في الضفة وأخرى في غزة. إضافةً إلى ذلك، يعتبر البعض أنه لا تعارض بين التطبيع والدفاع عن عدالة القضية الفلسطينية، وأنّ المغرب بخطواته سيعزّز موقعه التفاوضي في سبيل حلّ القضية الفلسطينية على أساس حلّ الدولتين.
وبذلك، يكون التفكير في مخرجٍ استراتيجيٍّ ينهي مهزلة حلّ الدولتين، بعد أن انتفت شروطه العملية مع تكثيف الاستيطان وضمّ غور الأردن وأجزاء واسعة من الضفة الغربية، والسّير بدلاً من ذلك، في اتجاه دولة ديموقراطية واحدة لكل شعوب فلسطين التاريخية، مسلمين ويهود ومسيحيين؛ ولنا في النضال الفلسطيني على أراضي 48 تجربةٌ يجب استلهامها من أجل تطوير الفكر السياسي والتنظيمي الفلسطيني.
أقول هذا، حتى تنتبّه بعض القيادات الفلسطينية إلى تصريحاتها الإنفعالية، وإلى عدم ارتهانها بمواقف غير مدروسة تجاه قضايا حساسة بالنسبة للشعوب الداعمة دوماً لعدالة قضية الشعب الفلسطيني.
إن الجميع مدعوّ إلى تجنّب استفزاز الشعور الجماعي للشعب المغربي بإعلان المغرب دولة احتلال في الصحراء، لأن هذا الأسلوب لن يردّ الصاع للنظام السياسي المغربي، بل سيطعن في قضية شعبٍ برمته، ناصر فلسطين تاريخياً، بانتظار دعم دولةٍ غير موجودة على أرض الواقع.
إن الخلل ليس في الشعوب بل في حكّام وضعوا القضية في سوق المزاد السياسي، ورهن القيادات السياسية.
نقلاً عن الميادين.
.