رامبو كارلوس عبدربه !
بقلم: حسن عبدالوارث
في أحد نهارات عدن الدافئة ، في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي ، جاء أحدهم الى متحف عبدالفتاح اسماعيل المُقام في بيته القديم الذي قُصف صبيحة ومساء 13 يناير 1986م والأيام التالية ،على تلك الرابية المُطلّة على حيّ التواهي بمدينة عدن ، حيث قام بجولة استطلاعية في أرجاء المتحف .
أنا كنتُ هناك لحظته . وقد أحسستُ حينها بشيء من الغموض في شخصية هذا الزائر الغريب ، لاسيما أن صديقي ناصر ناجي أحمد – مدير المتحف – أكد لي عدم معرفته به ، فيما زاد الرجل الذي كان يرافقه – والذي بدا أنه من جهة سيادية أو أمنية – من ذلك الغموض ، بعد أن فوجىء بتواجدي هناك ما أصابه بشيء من التوتر والاضطراب !
ولأنني كائن فضولي وحِشَري وصاحب مشاكل ، كما أنني أكره الغموض في الأشياء والأشخاص .. والأشعار أيضاً ، لذا فوجىء صديقي ناصر والمرافق للزائر معاً بتقدُّمي نحو الرجل مادّاً يدي إليه للسلام والتعارف ، مُقدّماً نفسي اليه باِسمي وصفتي .. فاذا بمرافقه يسحبه الى خارج المتحف .. ويُولّي به مسرعاً بعيداً عن فضولي وعن المكان بسيارته اللادا الروسية .بعد بضع سنوات ، عثرتُ على وثيقة مصورة طبقاً عن بيانات رسمية لذلك الرجل ، وبضمنها جواز سفره وجواز سفر زوجته الصادرين عن جهة رسمية يمنية .
وبحسب بيانات جواز سفره فوجئتُ بأن اسمه عبدربه علي محمد ، من مواليد عدن في 1945..ولكن … أتدرون ماذا ؟
لم يكن ذلك الرجل سوى الشخص الذي صدَّع بنصف الكرة الأرضية ، فيما أصاب النصف الآخر بالمغص والاسهال ! .
أنه ايليتش راميريز سانشيز ، الملقب دولياً بـ ” الثعلب ” وأحياناً ” ابن آوى ” المولود سنة 1949 في كاراكاس العاصمة الفنزويللية ، والذي أعرفه أنا وأنت وأصحابنا بالاسم الكودي ” كارلوس ” !
نعم ، كان هو بشحمه ولحمه وحُمرته المُسمَّرة ، أو سُمرته المُحمَّرة انْ شئت . ذلك الذي يراه كثيرون زعيماً لقبيلة الإرهاب الدولي بلا منازع ، فيما يعتبره آخرون عديدون شيخ مشايخ الأممية الثورية بعد جيفارا .( جملة اعتراضية ليس الاَّ : قبيل ناصفة التسعينيات ، زار كارلوس صنعاء ليلتقي الأخ صالح الذي منحه نصف مليون دولار – بحسب صديقي الذي وصف المبلغ بأنه مكافأة نهاية خدمة !
– قبل أن تقلع به ليلتها طائرة خاصة الى سهل البقاع اللبناني . فقد كان الرجل يتعامل مع الخصمين اليمنيين اللدودين منذ وقت مبكر كما يبدو ! ) .
قبل ذلك التاريخ بزمن بعيد جداً – تحديداً في أغسطس العام 1880 – جاء شاعر فرنسي الى عدن ليعمل في تجارة البُن والسلاح والعبيد وأشياء أخرى .
كان العالم كله يعرف هذا الشاعر الرقيق السابق وتاجر الرقيق اللاحق باِسم ” رامبو ” ، لكنه خلال اقامته في عدن – التي كرهها كالموت في البدء ثم عشقها كروحه لاحقاً – أختار لنفسه اِسماً آخر هو ” عبدربه ” .كثيرون لا يدرون – وأنا منهم – ما سرّ إختيار رامبو لهذا الاسم بالذات ؟ .
قيلَ أن سائس عربة الخيل التي كانت تقلّه من مسكنه الى موقع عمله كان يحمل هذا الاسم ، فأُعجب به الشاعر الفرنسي واتّخذه اسماً له يُعرَف به لدى كل من عرفوه وتعاملوا معه في عدن .ولكنّ السؤال الداعي للعجب هنا : لماذا كلما جاء شاعر أو ثائر أو إرهابي الى عدن أختار لنفسه اسم عبدربه ؟
ما الذي يجذبهم في هذا الاسم بالذات ؟
وما الجامع بين أولئك العبدربهات ؟ ..
أو ماهي تصاريف القدر التي وضعت هذا الاسم في ثلاثة لا يجمع بينهم جامع البتة : شاعر ممحون .. وارهابي – أو ثوري – مجنون .. ثم رئيس ….. ؟