قالت صحيفة إنسايد أرابيا أن ”المجلس الانتقالي الجنوبي “، المدعوم من الإمارات، استولى على جزيرة سقطرى اليمنية وأطاح بالسلطات المحلية في يونيو/حزيران الماضي، وردت العديد من التقارير بشأن أنشطة الإمارات في الجزيرة عبر وكيلها اليمني.
وتقع سقطرى على بعد نحو 230 ميلا من البر الرئيسي لليمن، و60 ميلا من القرن الأفريقي، وهي أحد مواقع التراث التابعة لليونسكو، حيث تحوي الجزيرة 37% من 825 نوعا من النباتات.
وتستضيف الجزيرة 11 نوعا فريدا من الطيور، كما أن 90% من الزواحف الخاصة بها لا تعيش إلا في نظامها البيئي.
بمعنى آخر، لا يوجد مكان مثلها على الأرض.
ومع تكتم أبوظبي حول سياساتها في سقطرى، قد يبدو من الصعب فهم أهدافها الحقيقية.
وقدمت المؤسسات الإعلامية الإماراتية في الغالب أفعالها على أنها “إنسانية” فقط.
ومع ذلك، كما هو الحال في أي مكان آخر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، اعتمدت الإمارات ستارا دخانيا من أفعال الخير لإخفاء أهدافها التوسعية الحقيقية.
ويدعو المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي إلى استقلال جنوب اليمن بعيدا عن حكومة “عبد ربه منصور هادي”.
وقد دعمت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي ومكّنت له في جميع أنحاء جنوب اليمن، مما يساعدها في السيطرة على موانئ جنوب اليمن، وإنشاء مجال أوسع من النفوذ عبر القرن الأفريقي، وتعزيز التجارة البحرية العالمية عبر المحيط الهندي وباب المندب.
وستمكن السيطرة على الجزيرة أبوظبي من بناء قاعدة عسكرية وحماية البنية التحتية لمينائها في جنوب اليمن والقرن الأفريقي، بالرغم أن هذا من شأنه أيضا أن يؤدي إلى تآكل الجمال الطبيعي للجزيرة.
وكانت السعودية والإمارات قد تصارعتا في السابق على السيطرة على سقطرى، التي تعتبرانها ذات أهمية جيوستراتيجية هائلة.
وتحركت القوات الإماراتية إلى الجزيرة في مايو/أيار 2018، لتعزيز سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، ما أثار انتقادات من قيادة سقطرى وحكومة “هادي”، حتى أن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا اشتكت الإمارات في الأمم المتحدة، ما أدى إلى تسليط الضوء على تحركات أبوظبي.
وبالرغم أن السعودية تفاوضت لاحقا على انسحاب إماراتي جزئي، إلا أن قوات أبوظبي احتفظت بوجودها هناك، بهدف طويل الأجل يتمثل في انتزاع السيطرة على الجزيرة.
ومع تراجع التركيز على دور الإمارات في سقطرى، فإن الاستيلاء الدائم على الجزيرة منذ يونيو/حزيران الماضي يشير إلى أن أبوظبي تفوقت بنجاح على الرياض في التنافس داخل اليمن.
ويبدو أن السعودية، التي عارضت في السابق جهود الاحتلال الإماراتي، قد قبلت بذلك الآن.
ومع ذلك، أثار استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي على سقطرى مزيدا من التوترات، حيث يعارض العديد من السكان محاولاته لاحتلال الجزيرة.
وقال “فؤاد راجح”، الباحث اليمني المستقل: “يواصل السكان المحليون الاحتجاج على تدهور الوضع بينما يطالبون بعودة الحكومة المحلية التي تم إجبارها على الخروج بعد استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي على السلطة”.
وبحسب ما ورد أنشأ المجلس الانتقالي الجنوبي في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني مكتبا في الجزيرة، يتعين على اليمنيين الشماليين القادمين من خارج الجزيرة التسجيل فيه كـ “أجانب”.
وقال مصدر إن “المكتب يسجل بيانات اليمنيين الذين يأتون من خارج سقطرى ويمنحهم تصاريح عمل في الجزيرة ويعاملهم كأجانب رغم جنسيتهم اليمنية”.
ويأتي ذلك بعد محاولات عديدة من المجلس الانتقالي الجنوبي لطرد الشماليين من جنوب اليمن، ولا سيما عدن.
ومن الواضح أن هذا التمييز من المجلس الانتقالي الجنوبي هو جزء من أهداف الحركة لإنشاء دولة مستقلة جنوب اليمن، حيث يتبنى الجنوبيون هوية وطنية مميزة عن الشماليين.
وتقول منظمات حقوقية إن العديد من معارضي المجلس الانتقالي الجنوبي تم طردهم من وظائفهم كما جرى اعتقال عدد من الناشطين.
وفي 2 نوفمبر/تشرين الثاني، تم اعتقال “رياض سعيد سليمان”، مدير ميناء سقطرى. وبحسب ما ورد، أمرته قوات شرطة المجلس الانتقالي الجنوبي بالاتصال بشقيقه لتسليمهم طابع وظيفته، وهددته باحتجازه إذا رفض.
واتهم سكان الجزيرة مليشيات الانتقالي الجنوبي بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين خلال مساعيه لتعزيز سيطرته وتحقيق المشاريع الإماراتية الخاصة داخل سقطرى في نهاية المطاف.
وفي 7 سبتمبر/أيلول، حذر نواب حزب الإصلاح اليمني، أو التجمع اليمني للإصلاح، وغيرهم من النواب المستقلين، رئيس الوزراء اليمني “معين عبدالملك سعيد” من أن الإمارات تبني معسكرين عسكريين في سقطرى، وأنها أنشأت بالفعل قاعدة عسكرية هناك. كما قال النواب إن مسؤولين عسكريين إماراتيين سافروا إلى سقطرى وقاموا ببناء 8 أبراج إرسال.
وقال “راجح”: “تسيطر القوات الإماراتية الآن على الميناء البحري والمطار والبحر في سقطرى، وسط تقارير عن قيام شركات إماراتية بالصيد دون إذن من الحكومة”.
وأكد زعيم قبيلة سقطرى “عيسى سالم بن ياقوت” في بيان، في سبتمبر/أيلول، أن الإمارات والسعودية سمحتا لإسرائيل بدخول الجزيرة، واتهم أبوظبي والرياض بتدمير المعالم البيئية الساحرة والنادرة في سقطرى وإقامة معسكرات وسط صمت دولي مرعب.
وجاء ذلك في أعقاب أنباء بأن الإمارات وإسرائيل أقامتا معا في ذلك الشهر قاعدة تجسس في سقطرى، بعد تطبيع العلاقات بينهما.
وفي حين أنه من السابق لأوانه حدوث تعاون كبير بين أبوظبي وتل أبيب بشأن اليمن، فإن هذا الأمر مرجح في المستقبل القريب، لأن التطبيع يمكّن الحكومتين من تعزيز تعاونهما الإقليمي.
وبحثت الإمارات في مكان آخر عن دعم خارجي للاعتراف بسيطرتها على سقطرى.
وفي يونيو/حزيران، ذكرت صحيفة “الصومال اليوم” أن أبوظبي عرضت إعادة فتح مستشفى الشيخ زايد في مقديشو، الذي أغلقته قبل عامين بعد توتر العلاقات بينهما.
لكن هذه البادرة الإنسانية كانت مقابل اعتراف الصومال بسيطرة الإمارات على جزيرة سقطرى. وقد رفضت مقديشو دعوة أبوظبي.
وقد تسعى أبوظبي في نهاية المطاف إلى ضم سقطرى بالكامل، بالرغم أن ذلك سيتطلب اعترافا عالميا بسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على الجزيرة وجنوب اليمن.
ومع ذلك، فإن تراجع الضغط الخارجي يمكن أن يسمح للإمارات بتثبيت نفسها ببطء في سقطرى عبر المجلس الانتقالي الجنوبي، حتى بدون اعتراف دولي.
وبالرغم من المزاعم بأن “جو بايدن” سيكون أكثر صرامة مع دول الخليج، إلا أن “بايدن” أبدى القليل من الرغبة في تقليص أنشطة أبوظبي الإقليمية، مقارنة بانتقاده للسعودية، خلال حملته الرئاسية.
وسيؤدي هذا في نهاية المطاف إلى إطالة أمد تسامح واشنطن مع السياسة الخارجية العدوانية لأبوظبي.
وبما أن سقطرى ليست أولوية بالنسبة للمجتمع الدولي، فقد تتجه الإمارات تدريجيا نحو تعزيز سيطرتها على الجزيرة في المستقبل.