عملية «شيطنة» الحوثي ترافقت مع الحملة العسكرية الغاشمة على اليمن التي أعلنتها السعودية عبر سفيرها من واشنطن في 26 مارس 2015 بزعم القضاء على ما اسمته “إنقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن” والتخلص من الحوثيين لاستعادة الشرعية في اليمن (والمقصود هادي). علما أن ما جرى خلال أغسطس/ سبتمبر 2014 لم يكن إنقلابا حوثيا، لسبب بسيط؛ وهو ان الحوثيين لم يكونوا جزءا من السلطة حتى يُقال أنهم انقلبوا عليها. واكثر من ذلك؛ فقد ابقى الحوثي على هادي رئيسا للفترة الإنتقالية، كما ابقى على حكومة بحاح، رغم سيطرته على مفاصل إدارة الدولة اليمنية. [التعريف الأكاديمي للإنقلاب: الانقلاب إزاحة مفاجئة للحكومة بفعل مجموعة تنتمي إلى «مؤسسة من مؤسسات الدولة» – عادة ما تكون الجيش – وتنصيب سلطة غيرها سواء كانت مدنية أو عسكرية] والحكاية؛ على ما يتذكر الجميع، ووفق ما هو مثبت إرشيفيا، أن ما حدث هو أن الحوثيين كانوا نظموا اعتصاما جماهيريا سلميا في أغسطس 2014 بين الحصبة ومطار صنعاء الدولي إحتجاجا على قيام الحكومة بإيقاف دعم الدولة للمشتقات النفطية أو ما سمي بـ”الجرعة” وأدى إلى زيادة في سعر الوقود الذي رأي الحوثيون (وأحزاب أخرى) أن ذلك يثقل كاهل المواطن. فقابلت السلطة ذلك الاعتصام بأن وجهت أجهزة الأمن لفض الإعتصام بالقوة. واقدمت اجهزة الأمن بعدة محاولات عنفية لإرغام المعتصمين على إنهاء إعتصامهم. وجاءت ذروة المحاولات العنفية مجزرة ارتكبتها عناصر (قيل انها من الأمن) بحق مظاهرة سلمية كان نظمها الحوثيين أمام مجلس الوزراء أوائل سبتمبر 2014.. بعدها تطور الموقف إلى مواجهات مسلحة صغيرة متفرقة هنا وهناك بين مسلحي الحوثيين من جهة وقوات الأمن ومسلحي حزب التجمع اليمني للإصلاخ من جهة أخرى.. وتدحرجت إلى إشتباكات عنيفة بين الحوثيين وميليشيات حزب التجمع اليمني للإصلاح وجنود علي محسن الأحمر، افضت في 21 سبتمبر 2014 إلى سيطرة الحوثيين على مقر الفرقة الأولى مدرع التي يقودها علي محسن الأحمر وإلى السيطرة على جامعة الإيمان الإصلاحية. ثم تدحرجت الأحداث سريعا (دون ان يكون هناك تخطيط مبيت من قبل الحوثي كما أعتقد، وكما بدت فعلا، واكدتها مصادر حوثيوية فيما بعد). وهكذا تمت سيطرة عناصر أنصار الله (الحوثيون) على مؤسسات امنية ومعسكرات ومؤسسات حكومية بيروقراطية دون مقاومة تذكر من قبل الأمن والجيش، بل وكان أعلن منتسبو التوجية المعنوي بوزارة الدفاع تأييدهم لـ”ثورة الشعب”. وبصريح العبارة تمت سيطرة الحوثي على السلطة برضى الدولة اليمنية العميقة، باستثناء الإسلاميين فيها (الذين بينت الاحداث أنهم لم يكونوا مؤثرين كما كان يُعتقد). وأمّا بالنسبة لـ «شرعية هادي».، فهادي لم يقدم الحوثي على إبعاده عن السلطة وتركه يواصل عمله كرئيس بحرية. وقضى هادي الشهور الخمسة المتبقية له من عام التمديد الذي منحته إياه أحزاب المشترك اليمنية وهو عام إضافي زيادة على مدة رئاسته للفترة الانتقالية المحددة بعامين وكانت انتهت الفترة في 20 فبراير 2014 بموجب «المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية» التي وضعتها المملكة العربية السعودية ذاتها في نوفمبر 2012.
وعلى كلٍ، فليس هذا موضوعي.. فموضوعي هو: «عن حملات شيطنة الحوثيين» المستمرة من قبل السعودية والإمارات وقطر وتكررها داخليا أدوات هذه الدول المحليين (اليمنيين) ليل نهار، وأهمها: 1- تكرار إدعاء إعلام حزب التجمع اليمني للإصلاح بأن الحوثيين يزرعون الآلغام في طرقات المواطنين لقتلهم. 2- الإدعاء بأن الحوثيين يقصفون المواطنين بالصواريخ، وان قناصتهم يتصيدون المواطنين، بل ويفجرون في إدعائهم حد القول أن قناصة الحوثي يقنصون بالرصاص الأطفال والنساء. 3- والإدعاء بأن الحوثيين يضطهدون وينكلون بالمواطنيين في صنعاء وبقية مناطق نفوذ حكومة الإنقاذ. 4- والإدعاء ان الحوثيين انقلبوا على الجمهورية وأعادوا الإمامة.. وغير ذلك من الإدعاءات «الخنفشارية»، وسأبين لماذا هي «خنفشارية» بعد قليل. ولكن قبل ذلك، أذَكِّر بأن «شيطنة الحوثي» ليست مقتصرة محليا على أخوان اليمن، وإنما يشاركهم في ذلك كل من المجلس الانتقالي وحكومة هادي من خارج الإصلاح (من ناصريين واشتراكيين)، برغم وجود التباينات القوية بين هذه التكوينات. .. وللتذكير ايضا؛ فمع بداية الحرب، كانوا قد رفعوا شعار محاربة الحوثيين لأنهم «مجوس» اي غير مسلمين، ثم خففوا شوية (بعدما لاحظوا أنها اكبر من أن تُبتلع) وقالوا «أن الحوثيين فرس» ثم عدلوا الإتهام و«رسوا» على نغمة أن «الحوثي جدوده من الفرس»، وأنه «عنصري سلالي»، وغير ذلك من الادعاءات الغريبة العحيبة.
◾ إننا لو افترضنا – جدلا – أن ذلك صحيحا؛ لكان الناس انفضوا من حوله ولم يكن ليجد قاعدة شعبية حاضنة وساندة له بحيث استطاع (ومن معه من الجيش اليمني) الصمود الأسطوري لخمس سنوات و7 أشهر متوصلة في وجه نخب جيوش ومخابرات 17 دولة، فضلا عن عشرات الألوية من المرتزقة المحليين و4 منظمات إرتزاقية إرهابية إسلامية وغير إسلامية وحصار خانق عسكري واقتصادي وصحي (جو وبر وبحر)، فضلا عن تعطيل البنك المركزي واستحداث بديل له بعدن ومنع ارسال الإيرادات من المناطق المحتلة إلى العاصمة صنعاء مع منع إيصال مرتبات الموظفين المدنيين في مناطق حكومة الإنقاذ؟!.. وكيف تمكن الجيش والأمن بقيادة الحوثي من تحرير المناطق الخاضعة لسلطته من «داعش» و«القاعدة» ومن بقية الجماعات الوهابية المتطرفة، واوجد حالة استتاب في الأمن وسكينة (نفتقر إليها في الجنوب المحتل)؟! والأهم؛ كيف تمكن من الإقتراب من إحراز نصر إعجازي على كل هذه الجحافل الباطشة التي تحارب اليمن بقيادته، لوكانت علاقته سيئة بالمواطنين الذين شكلوا قاعدة واسعة تعدادها قرابة الـ25 مليون نسمة ترفد الجيش اليمني واللجان الشعبية بالمتطوعين؟ إلّا إذا كان الله يمد الحوثي ومن معه بجنود من عنده. وبالتأكيد؛ فإن مطلقي شائعات شيطنة الحوثي، بخاصة الأخوان والوهابيين لا يودون ذلك للحوثي حتى في أتعس تخيلاتهم. فإذن؛ مالكم لا تقلعون عن هذه الشائعات التي لا تجديكم. يعلم الجميع؛ أنكم إنما تريدون من وراء ذلك إقناع قواعدكم بقبول وقوفكم الخاطئ مع الدول التي تحارب بلادكم، وتأملون تصوير الأمر وكأنكم مضطرون للوقوف إلى جانب «الغريب» لمقاتلة «ابن جلدتكم» الحوثي لأنه «شيطان». لكنكم هكذا تستسخفون بعقول قواعدكم. وحسب ظني فإن قواعدكم لا يصدقون شيئا مما تزعمونه ضد الحوثي، ولذلك هم يتسربون منكم شيئا فشيئا بدليل تتابع هزائمكم في الفترات الأخيرة.