ليس مفاجئا اجتياح الجراد لليمن في موسم الشتاء، لكنه يزيد من معاناة اليمنيين رغم أنه يعتبر في عدة مناطق وجبة لذيذة ولها فوائد صحية كثيرة، لكنه هذه السنة لن يكون كذلك لأنه يصل محمّلا بالمبيدات والسموم فيحول اليمنيين إلى المستشفيات، كما أنه يأتي على الأخضر واليابس، فيرفع أسعار الخضروات ويزيد من تدهور القدرة الشرائية.
صنعاء – العرب
وصلت أسراب الجراد الصحراوي إلى صنعاء بعد أن هاجمت العديد من المحافظات الأخرى ما شكّل خطرا حقيقيا على الزراعة والأمن الغذائي، في حال عدم وجود تدابير عاجلة لمكافحته والسيطرة عليه.
وازدادت مخاوف اليمنيين من ارتفاع أسعار الخضراوات بعد أن يأتي الجراد على الأخضر واليابس، إضافة إلى معاناتهم من تدهور المعيشة بسبب الحرب.
ووصلت قبل أسبوع أسراب من الجراد محافظة تعز جنوبي غرب اليمن، واستمرت لعدة أيام وسط مخاوف كبيرة من قبل المواطنين لاسيما أصحاب المزارع.
والجراد الصحراوي، هو جراد نطاط مهاجر، غالبا ما يتحرّك على شكل أسراب ضخمة، وباستطاعته الترحال عبر مسافات تتراوح بين 5 و130 كيلومترا في غضون يوم أو ربما أكثر بمساعدة الرياح، كما يستطيع هذا الجراد مُكتمل النمو استهلاك قدر وزنه تقريبا من الأغذية الطازجة يوميا.
ويستهلك سرب صغير للغاية في اليوم الواحد ما يكفي لإطعام 35 ألف شخص مما يشكّل تهديدا مدمرا للمحاصيل والأمن الغذائي
قال كيث كريسمان الخبير في الجراد بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، “اليمن أحد بلدان خط مواجهة رئيسي للجراد الصحراوي بسبب مناطق تكاثره الشتوي على امتداد سواحل البحر الأحمر وخليج عدن، التي كانت مصدر أوبئة مدمرة في الماضي”
وإذا سُمح للجراد بالتكاثر في ظروف مواتية فيمكن أن يشكّل أسرابا ضخمة تأتي على الأشجار والمحاصيل في مناطق شاسعة، فيما يشكّل تهديدا بصفة خاصة لليمن حيث يواجه الملايين خطر الجوع
ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من مقاطع الفيديو وصورا لمجموعات هائلة من الجراد وهي تلتهم أشجار القات وأوراق أشجار أخرى في مناطق عدة في أطراف صنعاء وهمدان.
وجاءت تعليقات الناشطين على موقع الفيسبوك والمغردين على تويتر ساخرة جعلت هؤلاء يعتبرون أن أسراب الجراد قدّمت نفسها كجزء من الإمدادات الغذائية للسكان، يصطادونها ويطبخونها بطرق مختلفة في ظل غلاء المواد الغذائية.
وتتوارث بعض المناطق اليمنية أكل الجراد النيء والمقلي، وقال وضاح، إنه يتناول الجراد منذ صغره، مضيفا أن هذه الوجبة اللذيذة قديمة لدى غالبية اليمنيين لما فيها من فوائد غذائية وصحية
ويعتقد عدد كبير من اليمنيين، أن الجراد قادر على شفاء الضغط المنخفض، وآلام المعدة، وأمراض الأطفال، ومرض السكري، وغيرها من الأمراض
وتحذّر المصادر الطبية هذا العام من خطر أكل الجراد خاصة بعد أن زجّ بالعديد من اليمنيين في السنة الماضية في المستشفيات بسبب التسمم، وكان الجراد في الماضي البعيد خاليا من السموم، أما الآن فهناك عمليات رصد عالمية لتكاثرها وتسميمها. وكانت أسراب من الجراد قد وصلت السنة الماضية إلى مناطق صنعاء خلال أيام العيد، وعمل المواطنون على اصطيادها وأكلها نيئة أو بعد قليها.
يستطيع
الجراد الواحد استهلاك قدر وزنه تقريبا من الأغذية الطازجة يوميا، والسرب يستهلك
ما يكفي لإطعام 35 ألف شخص
وقالت
سيدة يمنية، إننا كنّا نذهب إلى مناطق بعيدة للبحث عنه لنبيعه للأغنياء في الأسواق،
إذ يبلغ الكيلوغرام من الجراد قرابة الألف ريال أي ما يقارب الخمس دولارات، وهو
مبلغ لا يقدر عليه المواطنون العاديون.
وقال مواطن من همدان، إنه ملأ عدّة أكياس بالجراد وباعها في أمانة
العاصمة بمبلغ جيّد، مشيرا إلى استفادة عائلته من الجراد كوجبة طعام.
ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في السنة الماضية صورا
لوجبات جراد تقدّم في بوفيات بصنعاء بثمن مناسب، كما تداولوا صورا وفيديوهات
لعمليات قلي للجراد بكميات كبيرة في إحدى المناطق النائية.
فوائد الجراد لا يمكن مقارنتها بالأضرار الكبيرة التي يُلحقها
بالمزارع والنباتات، حيث أوضح مصدر طبي في صنعاء، أن الجراد القادم يحمل سموما بعد
أن يكون قد تعرض لكثير من المبيدات والسموم في دول أخرى، وعندما يصل إلى مناطق
اليمن يكون فيه كمية كبيرة منها، ويجعل من تناوله خطرا على الصحة.
وتقول وزارة الزراعة التي يسيطر عليها الحوثيون، أنه في الوقت الذي
أوشكت فيه من السيطرة على الجراد الصحراوي في مناطق التكاثر الشتوية بالسهل
التهامي، فوجئت بأسراب جراد صحراوي تغزو العديد من المناطق والمحافظات قادمة من
القرن الأفريقي ودول الجوار.
من القرن الأفريقي إلى اليمن
وكشف المهندس وجيه المتوكل عن وصول أسراب جديدة من الجراد الصحراوي
قادمة من القرن الأفريقي وعدد من دول الجوار، لافتا إلى أن الرياح الشمالية
الشرقية التي تهبّ باتجاه اليمن أحد العوامل التي ساعدت على انتقال الجراد من تلك
الدول
وأشار إلى أن تدفق أسراب الجراد ستفاقم من الوضع الكارثي خاصة في مناطق
السهل التهامي والتي تشهد ظروفا مناخية ملائمة لتكاثر الجراد. ولفت المتوكل إلى أن
القطاع الزراعي يواجه حاليا كارثة حقيقية تهدد النباتات والمحاصيل الزراعية ومصادر
الأمن الغذائي، مبيّنا أن الخطورة تكمن في هطول أمطار غزيرة غير موسمية ساهمت في
توفر بيئة مناسبة وخصبة لتكاثر الجراد وانتشاره.
واعتبر أنّ القطاع الزراعي في اليمن مهدد بآفة الجراد أكثر من أي
وقت مضى مقارنة بجهود المكافحة المحدودة والبسيطة بسبب ضعف الإمكانيات المادية
لمواجهة ذلك.
وحذّر من اتساع نطاق تواجد حشرات الجراد وانتشار أسرابها ليصبح
اليمن بؤرة لانتقاله إلى العديد من الدول المجاورة، داعيا الهيئات والمنظمات
الدولية المعنية بالغذاء إلى مساندة ودعم بلاده لمكافحة هذه الجائحة.
وناشد مزارعون من مناطق السهل التهامي، وزارة الزراعة والمنظمات
الدولية والجهات المعنية بالأمن الغذائي التدخّل العاجل لدعم جهود مكافحة أسراب
الجراد وحماية محاصيلهم الزراعية
وأكدوا أن أضرار الجراد طالت حقولهم المزروعة بالحبوب الغذائية من
ذرة وذرة شامية ودخن وذرة رفيعة ومحصول السمسم وبعض الخضروات والفواكه.
وتعتبر تهامة سلّة الغذاء لليمن لإنتاجها الوفير من مختلف المحاصيل
الزراعية التي تغطّي الأسواق، وتتصدّر الحديدة قائمة المحافظات في المساحة
المزروعة بالمحاصيل، تليها محافظة حجة في المرتبة الثالثة بعد محافظة صنعاء.