اليمن و التحالف في محكمة الجنايات الدولية
بقلم الدكتور/ حسن زيد بن عقيل
يعيش اليمن اليوم في وضع مشابه لما حدث للثورة الفرنسية عام 1789 التي أدخلت نظامًا سياسيًا جديدًا في أوروبا ، مما أدى إلى انتشار الخوف من اهتزاز عروش الملوك في أوروبا. اليوم وفي زماننا ، أدخلت الثورة اليمنية (26 سبتمبر و 14 أكتوبر) نظامًا سياسيًا جديدًا في شبه الجزيرة العربية. أثار مخاوف ممالك دول مجلس التعاون الخليجي ودفعها للتدخل في الشؤون اليمنية الداخلية والخارجية خوفا من اهتزاز عروشها.
صحيح أن النظام الدولي الممثل في الأمم المتحدة أصبح في حالة ضعف ، غير قادر على أداء وظيفته كنظام دولي في تحقيق الأمن أو التنمية أو التكامل . في الوقت الذي نشهد فيه زيادة الأهمية للعامل الاقتصادي و التفوق التكنولوجي وحدث تراجع نسبي في أهمية الأداة العسكرية في إدارة العلاقات الدولية. شجعت هذه التغييرات بعض السياسيين والمفكرين على التحدث عن “نظام عالمي جديد” ، مع اختلاف الآراء حول “النظام العالمي الجديد” . على الرغم من أنه لا يزال في طور التكوين ، وأن خصائصه لم تحدد بشكل قاطع وأن المرحلة الحالية هي مرحلة انتقالية قد تستغرق سنوات عديدة. ولهذا نشهد حالة من الفوضى والصراع تطارد العالم ، و على ما أعتقد أن نظام ما بعد الحرب الباردة لا يختلف عن سابقه من حيث آليات صنع القرار.
في ظل الفوضى والصراعات التي تجتاح العالم اليوم ، نرى قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات تنتهك بشكل صارخ القانون الدولي في اليمن ، لكن من المؤكد أنها غير قادرة على التملص منها جميعًا و في جميع الأوقات. نعم قرارات الامم المتحدة والمنظمات الدولية لم تنفذ من قبل التحالف ولا تشكل خطرا عليها بسبب دعم الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا العظمى. لكن هل المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الأمريكية والمحاكم الدولية الأخرى تشكل تهديدًا لدول التحالف؟ نعم ، ستشكل هذه المحاكم خطرا حقيقيا وأساسا و مهما في تشكيل الرأي العام العالمي.
عدوان التحالف على اليمن عام 2015 لا يخضع للقوانين والأنظمة الدولية المعمول بها في حال إعلان الحرب. ثانيًا ، انتقدت قرارات الأمم المتحدة جرائم التحالف نتيجة القصف العشوائي لكل البنى التحتية في اليمن ، وهذا التدمير مدعوم من الولايات المتحدة وأوروبا. والملفت للنظر ان المسار الذي يسلكه مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث مشكوك فيه و غير عملي ، لأنه قد يؤدي إلى تفتيت اليمن وإزالته من الخريطة السياسية كدولة ذات سيادة. المبعوث الأممي حصر نشاطه بين الحكومة الشرعية (الذراع السعودية) والمجلس الانتقالي (الذراع الإماراتي) ، وهما جزء من المشكلة. يعرف السيد مارتن غريفيث جيدًا أن الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي يعتمدان اعتمادًا كبيرًا على الدعم المالي من الرياض وأبو ظبي ويستمران في التمتع بالاعتراف الدولي بفضلهما. لذلك ، فإن السعودية والإمارات على ثقة من أن هادي والمجلس الانتقالي سيقبلان بأي شروط يراها السعوديون والإماراتيون معقولة لإنهاء الحرب. نسأل السيد مارتن غريفيث سؤال بسيط ، كيف يُفهم أن مسؤولاً من الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد اليمنية تمنع الطائرات اليمنية من المبيت في المطارات اليمنية ، حتى بعد تشغيلها. أليس هذا هو التدمير المنهجي للرموز السيادية كتلك التي دمرها التحالف مثل العملة والموانئ البحرية والبرية والجوية؟ هناك أشياء كثيرة تؤكد أن السعودية والإمارات و اذرعها هي أصل المشكلة. ان تركيز مارتن غريفيث على القضايا الجانبية إضاعة للوقت ، بدلاً من ذلك عليه تحديد المشاركين المحليين والإقليميين والدوليين الرئيسيين في الحرب اليمنية ، سيساعده هذا على حل المشاكل المعقدة في اليمن وبناء سلام دائم في نهاية المطاف. السيد مارتن غريفيث يعرف ذلك ، ولكن هناك حاجة في نفس يعقوب يتجاهلها.
لذلك نقول لهم أن أطراف الأزمة اليمنية هم: (1) الأمم المتحدة – المنقسمة على نفسها (2) الاتحاد الأوروبي وأمريكا – المنقسمة أيضًا (3) مجلس التعاون الخليجي طرف معاد لليمن وليس من مصلحته إقامة دولة مؤسسات يمنية (4). أطراف محلية أهمها أنصار الله قوة متماسكة ذات أهداف واضحة ، وهناك قوى انتهازية أخرى ، وهم يتبعون الممول المالي لهم . وهناك عنصر آخر له جذور وطنية ومبادئ واضحة يعرف ماذا يريد رغم صغر حجمه ، إذا تحرك بشكل صحيح فإنه سيقلب الطاولة على أعداء اليمن.
المحكمة الجنائية الدولية
ان تنقّل السيد مارتن غريفيث بين الشرعية والانتقالي مضيعة للوقت ، أنهم دمى في يد السعودية والإمارات ، ويقومون بتنفيذ مهام وظيفية تحددها لهم الرياض وأبو ظبي مقابل منح مالية من هذين البلدين . لكن المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الأمريكية والأوروبية ذات الطابع الدولي نأمل أن تكون صادقة.
ان تحالف الإمارات – السعودية ، كما كتب دوج باندو على موقع الصحيفة oltrelalinea . news الإيطالية 2018/05/21 ” يبدو أن السلام الوحيد الذي يريد الأمير محمد بن سلمان أن يمنحه لليمنيين هو سلام القبر ” sembra che l’unica pace che voglia dare agli yemeniti sia quella della tomba . وبالفعل ، خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب ، تركز قصف التحالف السعودي على تدمير المستشفيات والمدارس والأعراس واستهداف الطرق والمزارع بشكل منهجي و عمل على إغلاق الموانئ حتى لا تصل جهود الإغاثة للمتضررين من المجاعة ومن الكوليرا . كل هذا يحدث وفق استراتيجية واعية ومدروسة. ذكر تقرير حديث للأمم المتحدة أن السعودية تستخدم المجاعة كسلاح. وتقول هيومن رايتس ووتش إن الحصار الاقتصادي ” يمنع المدنيين من الحصول على الطعام والبنزين والأدوية ينتهك القانون الدولي”.
لم يعد هناك أمة أو دولة في اليمن اليوم. كما كتبت أبريل لونجلي آلي من مجموعة الأزمات الدولية : ” اليمن مرتبك بشأن انقساماته التاريخية وهناك عدة مراكز قوة . علاوة على ذلك ، خلص تقرير صدر مؤخرًا عن تشاتام هاوس إلى أن اليمن يبدو وكأنه بلد مقسم أكثر من كونه تحالفًا من الدول الصغيرة المتورطة في صراع أقاليم معقد. نختتم هذه الفقرة بالإشارة إلى ملاحظة غريغوري جوس من تكساس جامعة إيه آند إم: ” الحوثيون أرادوا الانضمام إلى الإيرانيين أكثر مما أراد الإيرانيون الانضمام إليهم”. في عام 2009 ، حصل صالح على دعم سعودي ضد الحوثيين. و الملاحظ إلى أنه في جميع الأحداث التي وقعت ، لم تلعب إيران أي دور تقريبًا. أفادت المخابرات الأمريكية أن طهران نصحت الحوثيين بعدم محاولة السيطرة على العاصمة اليمنية ، مرة أخرى ، هذه الشهادة الأمريكية تؤكد أن إيران بريئة.
الخطوات العملية
1 – تصحيح مفهوم “الدولة الشرعية” للرئيس عبد ربه منصور هادي ، هي دولة توافقية. سقط قناع التوافق من خلال تشظي عناصرها ، من انقلاب سبتمبر 2014 في صنعاء إلى انقلاب أغسطس 2019 في عدن ، و به انتهت الشرعية.
الحكومة الشرعية و المجلس الانتقالي وكافة فصائل الحراك الجنوبي عاجزة عن تقديم أي حل ، والسبب بسيط ، أبو ظبي والرياض وبقية دول الخليج التي تموّل هذه الحركات لن تقبل كياناً سياسياً يمنياً مستقلاً سواءً كان شطرياً أو وحدوياً ، لأن إقامة نظام سياسي دستوري ومؤسسي يمني يعني هز عروش الملكيات الخليجية وزيادة التوترات وتأجيج الأوضاع الداخلية في تلك الممالك الخليجية نفسها ، مع اتساع الانقسامات وصراع الفصائل على السلطة فيها ، بشكل غير مباشر. كما يقول ألكسندر إجناتنكو ، رئيس معهد الدين والسياسة ، قد ظهرت العديد من الجماعات المؤثرة في تلك الممالك ، وتحلم بتغيير النظام السياسي بالكامل ، بدلاً من ملكية وراثية مطلقة ، خلق شيء آخر ، مثل الملكية الدستورية . في مكان آخر ، يقول ألكسندر إجناتنكو إن هؤلاء الأشخاص المؤثرين يعرفون أنه ليس لديهم فرصة قانونية لكي يصبح أي منهم ملكاً . الآن هم يخترعون التوليفات و الحركات المختلفة من شأنها أن تسمح حتى للأشخاص ذوي الدم غير الملكي بالصعود إلى السلطة.
ولهذا السبب فإن الخطوة الأولى هي فتح حوار جنوبي- جنوبي صادق ، ثم حوار مع الإخوة (أنصار الله) حول مسألة وضع الأسس الصحيحة للوحدة ، وتحديد محاور الحوار اليمني اليمني ، و وضع الشروط وتحديد المدة الزمنية. اتفاق الرياض وما في حكمه ما هو إلا إخطار ضمني بنهاية عهد هادي ، وهذا جزء من استراتيجية سعودية ـ إماراتية برعاية دولية. لذلك يجب على القيادات اليمنية في المجلس الانتقالي وفصائل الحراك السياسي الجنوبي والإخوة في حركة أنصار الله التفاوض والإسراع في وضع حلول عملية تخدم المصالح الوطنية. على الأطراف الاستفادة من الفشل الذي حصل في المفاوضات السابقة ، بسبب الغموض الذي يحيط بمسألة الدولة اليمنية المستقبلية. يقول البعض منهم دولة واحدة ودولتين أو أقاليم . كما اختلفوا حول الكيفية التي يجب أن تكون بها دولة اليمن نظامًا مستقلًا أو فيدراليًا أو كونفدراليًا. حتى الآن ، ظل مستقبل البلاد دون إجابة.
2- تشكيل لجنة من الحقوقيين لتقديم الملف اليمني للمحاكم الدولية ، مثل محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ ، لمحاسبة من أعطوا شرعية الاعتداء على دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة. تعد حرب 2015 على اليمن انتهاكًا للأعراف والقوانين الدولية. لذلك ، من الضروري إعادة النظر في تصنيف الحرب الحالية في اليمن وفقًا للقانون الدولي واتفاقيات جنيف لعام 1949. ومطالبة الأمم المتحدة بتصحيح مفهوم “الدولة الشرعية” ، و اعتبار دولة الرئيس عبدربه منصور هادي دولة توافقية أنتهت شرعيتها.
3- مطالبة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باتخاذ قرار بعدم التدخل في الشؤون اليمنية ، وخاصة دول الخليج ، وفرض عقوبات على من يثيرون الخلافات بين الجنوبيين ، بموجب الفصل السابع ، لأن تدخلهم يعتبر تهديد السلام الدولي والإقليمي وأطال الحرب في اليمن.
4 – أما القضايا الحدودية فهي تبقى على حالها على ما تم الاعتراف به عام 1990. مع سلطنة عمان والحمد لله فهذا واضح لا جدال فيه. أما السعودية ، فيجب تشكيل قوة حفظ سلام دولية على غرار اليونيفيل بين لبنان وإسرائيل.
هناك دول متأثرة بالحرب في اليمن ، منها روسيا والصين وباكستان وإيران وتركيا وإثيوبيا وغيرها. هنا ندرس احتياجاتهم ونتبادل المصالح لبناء أسس متينة للتحالف معهم. أصبحت القضية اليمنية قضية دولية يحلها القانون الإنساني الدولي و قوانين الحرب ، و بالتالي ، يتم تحديد طبيعة حالة النزاع المسلح بين اليمن و القوى المعتدية .
كاتب و محلل سياسي يمني