السعودية تُكثّف تحرّكاتها: لمنع سقوط مأرب بأيّ ثمن
كتب/ لقمان عبد الله
توازياً مع التقدّم المتواصل لقوات صنعاء نحو مدينة مأرب، تُسرّع السعودية اتصالاتها من أجل تفادي سيناريو سقوط المدينة، والذي سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش الحرب على اليمن. وفي موازاة الاتصالات السعودية، تَتكثّف الدعوات الدولية والأممية إلى إحياء المسار السياسي، في محاولة على ما يبدو لوقف الهجوم
تَوسّعت مروحة الاتصالات السعودية بشأن التطوّرات الأخيرة في اليمن، لتشمل، منتصف الأسبوع الماضي، روسيا التي أجرى مباحثات هاتفية مع وزير خارجيتها سيرغي لافروف، وزيرُ الخارجية السعودي فيصل بن فرحان. مباحثاتٌ تحدّثت مصادر متعدّدة، بعضها روسي، عن أنها تناولت إمكانية قيام موسكو بوساطة لدى حركة «أنصار الله» لوقف تقدّم الأخيرة نحو مدينة مأرب. وفي وقت تنشغل فيه الولايات المتحدة الأميركية بالاستحقاق الانتخابي المقبل في تشرين الثاني/ نوفمبر، مديرةً – على ما يبدو – الأذن الصمّاء لمناشدات السعودية إيّاها إنقاذ الوضع في مأرب، تتوجّه الرياض نحو موسكو في ما قد يكون محاولة لقرع جرس الإنذار لدى واشنطن. والجدير ذكره، هنا، أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بَرّر في السنوات الماضية إبرامه صفقات تسلّح مع السعودية، على رغم مخالفة تلك الصفقات للقوانين الأميركية، بالتخويف من أن الصين وروسيا حاضرتان لملء الفراغ.
ويأتي التواصل السعودي مع روسيا بعد سلسلة اتصالات أجرتها قيادة المملكة، خلال الأيام الماضية، بالدول الأعضاء في تحالف العدوان على اليمن، وبدول أخرى مثل باكستان والسنغال، تمحورت جميعها حول ما يمكن فعله لتفادي سيناريو سقوط مدينة مأرب. وتُجلي هذه الاتصالات فشل الرياض في المواجهة الميدانية مع «أنصار الله»، وبالتالي قلّة حيلتها وعجزها عن وضع حدّ لاندفاعة قوات صنعاء نحو المدينة، واستعدادها للإجهاز على ما تَبقى من القوات المنضوية تحت لواء «التحالف»، بعدما فَرّت القوات السعودية من مركز المحافظة، تاركةً وكلاءها لمصيرهم.
وفي موازاة التحرّك السعودي، وبما يتساوق معه، تحاول بريطانيا إثارة قضية مأرب داخل مجلس الأمن بهدف عرقلة استكمال تحريرها. وهي تتّخذ، في هذا السبيل، سلاحاً، الادّعاء بأن استمرار الجيش اليمني واللجان الشعبية في الهجوم سيُعرّض السكّان والنازحين هناك لخطر جسيم، علماً أنه حتى اللحظة لم يُسجَّل سقوط ضحايا مدنيين في المدينة أو المديريات التي تشهد تصعيداً عسكرياً، باستثناء الضحايا الذين خلّفتهم غارات طيران العدوان، كما حصل في مديرية ماهلية، حيث استشهد مدنيان وأصيب آخران منتصف الأسبوع الماضي.
على خطّ موازٍ، وكما في كلّ مرّة تنبري فيها الدول الكبرى للتحذير من خطر يهدّد «عملية السلام» جرّاء إنجازات ميدانية لقوات صنعاء، اجتمع مندوبو الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا والكويت والسويد والاتحاد الأوروبي في نيويورك، حيث أصدروا بياناً تحدّثوا فيه عن «الحاجة الملحّة إلى إحراز تقدّم سياسي في اليمن»، مبدين قلقهم الشديد من هجوم مَن سمّوهم «الحوثيين» في محافظة مأرب. وشدّد البيان على الحاجة إلى «عملية سياسية شمولية، تشمل مشاركة تامّة من النساء والشباب»، داعياً جميع الأطراف إلى التعاون مع المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، «بشكل بنّاء ومستمرّ، ومن دون شروط مسبقة، من أجل التوصّل بسرعة إلى اتفاق حول مقترحات السلام التي طرحتها الأمم المتحدة».
هكذا، يُستفاق، فجأة، إلى الأمم المتحدة التي لا تفارق صمتها عن المجازر المرتكَبة بحق اليمنيين والحصار المفروض عليهم، ولا تتجاوز، في حال كسرت هذا الصمت، حدود الدعوة إلى إجراء تحقيق، من دون تسمية الفاعل. وحتى خطوتها اليتيمة في إدراج السعودية على «لائحة العار لقتلة الأطفال» سرعان ما تراجع عنها الأمين العام للمنظمة الدولية، أنطونيو غوتيريش، الذي استيقظ أخيراً إلى ضرورة إحلال السلام في اليمن، داعياً الأطراف كافة إلى التعاون مع غريفيث و«الانخراط بحسن نية، ومن دون شروط مسبقة، في الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق بشأن الإعلان المشترك، الذي يتألّف من وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، وتدابير بناء الثقة الاقتصادية والإنسانية، واستئناف العملية السياسية». وهي دعوةٌ يبدو واضحاً أن ما حرّكها هو هجوم مأرب، الذي اعتبر غوتيريش أنه «لن يؤدي إلّا إلى عرقلة جهود الأمم المتحدة في التوصّل إلى اتفاق بشأن الإعلان المشترك».
من جهته، استغلّ وزير خارجية بريطانيا، دومينيك راب، الجلسة المشتركة في نيويورك، لذرف دموع التماسيح على الوضع الإنساني في اليمن، وخصوصاً في الشمال، حيث حذّر من خطر الانزلاق إلى المجاعة الجماعية، مُعلناً تقديم بلاده 5.8 ملايين جنيه إسترليني (7.5 ملايين دولار) كمساعدات للبلاد، علماً أن المتسبّب بمنع وصول المساعدات إلى المحافظات الشمالية هو حليفة بلاده الولايات المتحدة التي فرضت حظراً على المنظّمات الإنسانية والدول المانحة لوقف مساعداتها لتلك المحافظات. وكان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، زار أوائل آذار/ مارس الماضي الأمم المتحدة، حيث باشر وفق مجلة «فورين بوليسي» الأميركية ضغوطاً على الأمم المتحدة من أجل وقف مساعداتها، أو قسم منها، لبعض المناطق التي تسيطر عليها «أنصار الله». وفي بداية حزيران/ يونيو الفائت، حَوّلت واشنطن، أثناء «مؤتمر المانحين» الذي عُقد في الرياض، المنحة المُقدّمة إلى اليمن إلى المحافظات الخاضعة للاحتلال السعودي – الإماراتي.
نقلاً عن الأخبار اللبنانية