الجزيرة المحتلة !! بقلم الراحل / عمر الجاوي
بقلم / عمر الجاوي
(ويح العراق ! أكان عدلاً فيه انك تدفعين
سهاد مقلتك الضريرة
ثمنا لملء يديك زيتاً من منابعه الغزيرة ؟
كي يثمر المصباح بالنور الذي لا تبصرين )
*” السياب “
” أخاك من أصدقك لا من صدقك “
* ” حديث شريف “
بالأمس القريب وضعت الحرب العراقية – الايرانية أوزارها، وهللنا جميعاً بعد ثمان من السنين العجاف التي أتت على الأخضر واليابس ، وكان قوامها الناس والحجارة .
فرحنا لجنوح الجميع الى صوت العقل والحكمة ، إذ أن قتل مئات الآلاف من البشر الجيران ، حتى وان كان من أجل الحق خسارة كبيرة في عالم يؤمن بدين واحد وينتمي منذ سنين طويلة الى تاريخ واحد.
فرحنا لأن وقف الحرب يعني اعادة البناء واحترام قيمة الانسان وربما التفكير الجدي في وضع أسس لحقوق الانسان في العراق وايران باعتماد الديمقراطية والحوار سبيلا لحل الازمات المتكررة والتي كانت الحرب بسبب غيابها ان الحرب الايرانية – العراقية هي الموت البطىء لشعبين عريقين على مرأى ومسمع من الدول الكبيرة الطامعة والتي شجعت الصراع الدموي لتأمين سيادتها على بترول المنطقة ومقدراتها.
فرحنا حين وقف النزيف الدموي وقلنا مع من قال :-
استيقظ الحكام بعد ان جربوا مرارة السحق لآدمية الشعوب وفهموا ..
وما الحرب إلا ماعرفتم وذقتموا
وماهو عنها بالحديث المرجم
ولكن الفرحة حسرت .
وأفقنا على يوم الثاني من اغسطس 1990م المهول .. بعد الغواية فنسينا:
فإن تبعثوها تبعثوها ذميمة
وتضرى اذا اضريتموها فتضرم
يوم الموت السريع للجزيرة العربية كاملة شعوبها دون حكامها.
نحن البسطاء الذين لا نعرف الباطن ونكتفي بمعرفة الحق المكشوف توخينا الدقة هذه المرة ، لنتفهم طبيعة الحدث المذهل وتابعنا خلفياته بواسطة اجهزة إعلام الاخوة في العراق اولا ..
كنا نشاهد بالأذن .
– العراق يحتل الكويت
– العراق يحمي انتفاضة الشعب في الكويت .
– العراق يؤلف قيادة وطنية في الكويت .
– العراق يسحب قواته من الكويت .
– العراق يسمح بالمتطوعين العراقيين لحماية الحكم في الكويت .
– العراق يتوحد مع الكويت بطلب من حكومة الانتفاضة .
– العراق يضم الكويت كحق تاريخي.
وبطبيعة وضع الوطنيين اليمنيين ، لا يرون في التجزئة إلا الاخفاق والفشل للأمة
بكاملها، وكنا نود ان يعلن العراق رغبته في الوحدة مع الكويت ويسعى لتحقيقها , ” وبالطرق السلمية ” كما ألمح الرميحي فى افتتاحية ” العربي ” وهو يبدي اعجابه باسلوب توحيد اليمن .
نعم صديقك من أصدقك لا من صدقك .
إن طريقة اقتحام العراق للكويت تباعد بين الكويت المتعب والعراق .
ولقد اثبتت ساعات الاحتلال الأولى ذلك بشكل قاطع , حين لم يجد العراق واحداً في الكويت يتعامل معه ومن المعارضة بالذات والتي تتمتع بتاريخ مجيد في النضال حتى اليوم .
واذا كان العراق قد حارب ” نيابة عن العرب ” في البوابة الشرقية فلا يجوز ان تظل ” النيابة ” قائمة في كل ” البوابات ” .
وهناك فرق واضح بين تصفية الحسابات مع الحكام وتصفيتها مع شعب بكامله ..
والشعب في الكويت وغيرها كفيل بقلب اوضاعها إن اراد ، بل وهو الذي يملك الحق في التوحد مع من يريد.
الأمر الواقع :
مرير هذا الامر الواقع ، حتى اذا لم يجر جيوش أمريكا والغرب لاحتلالنا، لأن الامر الواقع غير قابل للصمود ولو صمدنا جميعاً.. ويجب ان نفرق في هذه الحالة بين امرين وقوفنا حتى الموت في الدفاع عن شعبنا في العراق ضد المحتلين الاجانب ، وعدم دفاعنا عنه وهو يصر على البقاء في الكويت , سنقف مع العراق وبضمير حي حين نراه يعود الى الحق مع الاخوة ويوجه طاقاته التي نعتز بها نحو العدو الاساسي في الوطن العربي- الاستعمار الجديد والصهيونية .
لقد احتلت الجزيرة العربية منذ الثاني من أغسطس 1990م بسبب الاطماع والبترول الذي سيرغمنا ” على دفع سهاد مقلة العرب الضريرة ” هذه المرة وليس العراق فقط ، ولا بأس لقد هبط على وجداننا حزن الشجعان الذي يدفع بنا الى الوقوف بحزم في وجه الاحتلال الأجنبي الجاثم على الجزيرة على ضوء اصرارنا العنيد في انسحاب العراق من الكويت .
————–
*
افتتاحية (الحكمة )، العدد ” 174 ” – اغسطس 1990م