ثلاثة ملفات شائكة في الوثائق السعودية المسربة عن تدخلاتها في اليمن
حيروت- متابعات
قبل أن تكشف الوثائق المسربة عن الدور الحقيقي للسعودية في اليمن ظلت تدخلات الرياض في اليمن، منذ نصف قرن مضى، محل تساؤلات لدى المتابعين المحليين وغير المحليين على حد سواء.
تساؤلات تبحث عن تفسيرات حول الدور السعودي في اليمن، خصوصاً أن للرياض اليد الطولى في أغلب المحطات التي عصفت بالبلاد.
كشفت الوثائق المسربة والمتبادلة بين اللجنة الخاصة السعودية المكلفة بإدارة اليمن وجهاز الاستخبارات من جهة، وبين الملك والأمراء من جهة أخرى، النزر اليسير فقط من كواليس السياسات السعودية في اليمن في مرحلة ما بعد “ثورة التغيير” في عام 2011 وحتى “عاصفة الحزم” في عام 2015.
تتمحور التسريبات حول أهم ثلاثة ملفات شائكة في اليمن، ملف الحوثيين وقضية الجنوب والحدود السعودية. وتكمن أهمية الوثائق في أنها أماطت اللثام عن الدور السعودي الحقيقي في التعاطي مع تلك الملفات، حيث شرعت اللجنة الخاصة والاستخبارات السعودية في معالجة تلك الملفات بما ينسجم مع مصالح الرياض فقط، دون الرجوع إلى السلطة اليمنية أو احترام سيادتها.
في ملف الحوثيين، رصدت الاستخبارات تعاظم قوة الحركة في أثناء سيطرتها على مدينة صعدة في عام 2011، ووضعت الاستخبارات للقيادة السعودية توصية بأن “يتم التعامل مع الحوثيين قبل أن يصلوا إلى مراحل متقدمة يصعب الوقوف ضدهم ويشكلوا خطراً على أمن ومستقبل السعودية”، لكن الحكومة لم تتدخل لوقف تمدد الحوثيين صوب العاصمة صنعاء، وعلى العكس من ذلك تدخلت لمنع الجيش اليمني من خوض معركة ضدهم، وذلك حتى تجد ذريعة لإطلاق “عاصفة الحزم” وعبرها تم تدمير الجيش، والبنية التحتية، فضلاً عن تمزيق النسيج الاجتماعي اليمني.
ويرجع القيادي في حركة “أنصارالله” الحوثيين، حميد رزق، التدخلات السعودية في اليمن، إلى ما قبل تلك الأحداث، معتبراً في حديث إلىTRT عربي، أن “الدور السعودي تعاظم بعد عام 1970، وتحولت السعودية إلى الحاكم الفعلي بعد اختطاف ثورة 26 سبتمبر(أيلول) 1962، وشكلت اللجنة الخاصة لإدارة اليمن وتحويله إلى حديقة خلفية”، لافتاً إلى أن “اللجنة الخاصة صرفت مبالغ مغرية لمشايخ القبائل الذين يمررون مشاريعها، أما الرافضون فتم حصارهم مالياً وعزلهم عن المراكز المؤثرة في الدولة، وأحياناً كانت تقوم بتصفيتهم وهو ما حدث مع الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي”.
ويستطرد رزق قائلاً: إن “عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح تغلغل النفوذ السعودي فيه عبر الفكر الوهابي التكفيري الذي فتحت له السعودية في اليمن المعاهد والمراكز، في محاولة لتغيير موروث اليمن الفكري والديني”، مشيراً إلى أن “الحرب على اليمن في 2015 سببها فشل السياسة السعودية منذ خمسين عاماً، القائمة على الإفقار والتجهيل وإضعاف دور الدولة، ومع وصول أنصارالله كقوة صاعدة لم تساوم على الاستقلال والسيادة، تدخلت السعودية بدعم الولايات المتحدة لشن العدوان على اليمن”.
ولفت رزق إلى أن “السعودية فشلت في إرجاع اليمن للوصاية، لكنها أرجعت اليمن إلى الوراء مئة عام، ودمرت كل شيء في حرب طابعها الانتقام”.
وتكشف الوثائق التدخلات السعودية جنوبي اليمن، في مرحلة وصلت ثورة “الحراك الجنوبي” المطالب باستقلال الجنوب إلى ذروتها في عام 2011، وهي المرحلة التي استضافت فيها إيران الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض ووفرت له مقر إقامة في بيروت، ودعمته ليتزعم الحراك المطالب بالانفصال، الأمر الذي أدى إلى تحريك الاستخبارات السعودية لكل من رئيس حكومة الجنوب السابق حيدر العطاس، ورئيس مجلس الحراك الجنوبي حسن باعوم، ومدتهما بالمال من أجل “تقليص النفوذ الإيراني، وسد النوافذ أمام أي تغلغل إيراني في الجنوب”، وأوضحت الوثيقة بأن ذلك لا علاقة له بحل القضية الجنوبية، إنما فقط لإبعاد “الشبح” الإيراني من جنوب اليمن.
وبرأي محللين فإن السياسة السعودية في الجنوب لا تختلف عن سياستها في ملف الشمال، وهي تحاول صنع كيانات سياسية وقبلية موازية من حيث القوة لحضور الدولة، وتحت ذريعة محاربة الوجود الإيراني مررت السعودية أجندتها في اليمن.
وتحاول الاستخبارات السعودية اختراق المكونات وأحياناً تمزيقها وشقها، كما فعلت مع حلف قبائل حضرموت الذي تدعم نفوذه في أهم منطقة جنوبية غنية بالنفط والمعادن وتطل على البحر العربي، حيث للمملكة مصالح استراتيجة في هذه المحافظة تتعلق بأنبوب النفطالذي شرعت في العمل عليه، والممتد من الأراضي السعودية حتى بحر العرب مروراً بحضرموت والمهرة، كذلك شقت عصا المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى في محاولة للاستفادة من الفصيل الموالي لها في المجلس.
ومهد التدخل السعودي في الجنوب للحرب على اليمن، عبر تطويع كل المكونات الجنوبية سواء الداعية إلى فك الارتباط مع الشمال، أو تلك التي تطالب بالفيدرالية، وذلك من أجل إفراغ مبادئ الثورة الجنوبية (ثورة الحراك الجنوبي التي اندلعت في 2007، وأشعلتها مكونات كثيرة طالبت بتصحيح الأوضاع) من محتواها، وتعبئة تلك المكونات لخوض الحرب بالوكالة ضد الحوثيين.
ويرى الأمين العام لمجلس الإنقاذ الوطني اليمني الجنوبي أزال الجاوي، في حديث لـTRT عربي، أن “الاستخبارات السعودية اخترقت كل مكونات الحراك الجنوبي، ليس على مستوى القواعد فحسب بل على مستوى القيادة، وهذا الاختراق ليس لدعم قضية الجنوب ولكن من أجل إفراغ الثورة الجنوبية من مضمونها، واستخدام الحراك في الصراع الدائر وهو ما تم فعلاً”.
مضيفاً: أن “سنوات الحرب الماضية كشفت الدور الحقيقي للسعودية في اليمن، برغم محاولة الاختباء تحت لافتة محاربة الدور الإيراني، إلا أن الحقيقة تكمن في أن الهدف السيطرة على اليمن وتمزيقه وضرب القوى الثورية وإضعافها”، مشيراً إلى أن “هناك إجماعاً شعبياً واصطفافاً وطنياً مناوئاً للتدخلات السعودية ما لم تكن على قاعدة احترام السيادة والاستقلال للبلاد”.
تطرقت الوثائق إلى ملف القبائل، وهو الملف الذي يشكل العمود الفقري للوجود السعودي في اليمن، وبالدعم السعودي أدت القبيلة في اليمن دوراً محورياً في الأحداث التي مرت بها البلاد، بداية من اغتيال الرئيس الحمدي في عام 1978، وكان لشيخ مشايخ حاشد عبد الله بن حسين الأحمر، المدعوم سعودياً، الدور البارز في الحادثة، ومروراً بتصعيد علي عبد الله صالح رئيساً، وانتهاء بدور القبائل في قتال الحوثيين وحماية الحدود السعودية.
لكن الوثائق كشفت الامتعاض السعودي من هزيمة القبائل في مواجهة الحوثيين في صعدة وعمران، الأمر الذي جعلها تنتهج سياسة مغايرة ومراجعات في التحالفات، مع تركيز الاستخبارات على القبائل اليمنية على حدود السعودية، حيث دفعت القيادة السعودية مبلغ خمسين مليون ريال سعودي لتنظيم القبائل اليمنية على الحدود السعودية، خصوصاً قبيلة بكيل كبرى القبائل اليمنية.
ويرى الشيخ محمد عبده أمين أبوراس، وهو نجل شيخ مشايخ بكيل، في حديث لـTRT عربي، أن “السعودية عسكرت القبيلة اليمنية لمصلحتها، خصوصاً مطلع الثمانينيات عندما أسست حرس الحدود من القبائل في الجوف”، لافتاً إلى أن “السعودية اشترت الذمم من أعلى مركز في القبيلة حتى الأدنى، ومن لم ينخرط تم إضعافه وأحياناً تصفيته”.
وأوضح أبوراس أنه “برغم الدعم السعودي للقبائل فإن الحوثيين سيطروا على أجزاء واسعة من الجوف قبل أشهر، ولا زالت القبائل تدافع على حدود السعودية مع الجوف”، مضيفاً: أن “النفوذ السعودي في الجوف لا يقتصر على مواجهة الحوثيين فقط، ولكن للسعودية أطماع في الكميات الهائلة من النفط في الجوف”.
في موازاة ذلك تعالت أصوات مسؤولة في الحكومة الشرعية تنتقد الدور السعودي، وتطالب بتصويب العلاقة مع الحكومة اليمنية، ووصف نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، في تصريحات سابقة، الدور السعودي بـ”المشبوه” في اليمن، متهماً الرياض بـ”التواطؤ مع الإمارات في دعم مليشيات المجلس الانتقالي”.
وعلق المستشار الإعلامي للسفارة اليمنية في الرياض أنيس منصور على الوثائق المسربة بأنها “تكشف جزءاً بسيطاً من العلاقة السوداوية للسعودية باليمن”، وقال في حديث لـTRT عربي: إن “سياسة السعودية في اليمن مبنية على الترهيب والترغيب لتنفيذ أجندتها عبر تدمير الدولة اليمنية ومؤسساتها”، مشيراً إلى أن “حكام السعودية يطبقون وصية المؤسس عبد العزيز آل سعود بأن سعادة المملكة في شقاء اليمن”.
ويرجع منصور الدور السعودي انطلاقاً من “السيطرة على المناطق اليمنية، جيزان وعسير ونجران في عام 1934، وصولاً إلى ما يحدث اليوم في اليمن مروراً باحتواء ثورة 2011 وإعادة إنتاج النظام السابق، محطات تؤكد أن السعودية عدو تاريخي لليمن”.
هكذا يبدو الدور السعودي متدخلاً في كل شاردة وواردة في الشأن اليمني، وبرغم المحاولات السعودية تغطية تلك التدخلات قديماً وحديثاً تارة بمحاربة المد الشيوعي مطلع السبعينيات، وحاضراً بضرب الوجود الإيراني، لكن كل ذلك بالنسبة إلى اليمنيين ذرائع المملكة للسيطرة على اليمن وتقسيمه وإضعافه، خصوصاً خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تنتشر القوات السعودية في أهم المناطق الاستراتيجية اليمنية.
احمد الحسني – TRT