الحرب الأهلية في اليمن : إنهيار الدولة ،وفراغات في السلطة المحلية
بقلم / دكتور حسن زيد بن عقيل
قد أدت الحرب الاهلية التي طال أمدها في اليمن إلى تفاقم الازمة الانسانية و انعدام الأمن الغذائي و إنتشار المجاعة و وباء الكوليرا و جائحة كوفيد – 19 و غير ذلك من الاوبئة و المآسي . في ظل هذه الظروف إنزلق الجنوب اليمني إلى أسوأ حالة عرفها في تاريخه . معها غابت الدولة و انهارت مؤسساتها وظهرت فراغات في السلطة المحلية من عدن إلى المهرة . الآن في الجنوب شعب بلا دولة أو مؤسسات تنظم العلاقة بين الناس و تضمن حقوق الفرد في المجتمع . مع انتشار مظاهر التسلح في الشوارع ، مما خلق أجواء من إنعدام الأمن و إنتشار الفساد و الجريمة و القتل على نطاق واسع . ان ظهور الميليشيات المسلحة المتعددة الولاءات في المدن ، و التي تتحدى كل الأعراف و القيم و تسطو على الأراضي و على ممتلكات البنك المركزي و تحتل معظم دوائر الحكم في عدن و المحافظات الجنوبية الاخرى . للأسف لم يجرؤ أحد على مواجهة هذه الميليشيات أو محاسبتها على تجاوزاتها . قد ثبّت تلك السلوكيات المشينة الرئيس هادي ( السعودية ) و الإنتقالي ( الإمارات ) .
هذه السلوكيات المشينة نشرها بيننا العربان من آل نهيان و آل سعود عبر اذرعهم لتدمير البنية التحتية و كذا تدمير مؤسسات الدولة التي تدعم و تنظم هيئات الرعاية الطبية و المياه الصحية و التعليمية و النقل و المواصلات و الطاقة الكهربائية و الخ . التي تلبي متطلبات الانسان اليمني ، على الأقل في الحد الادنى . الآن مع غياب الدولة و انهيار مؤسساتها في كل مناطق اليمن الجنوبي ، الآن لا توجد مؤسسة بعينها ممكن ان تحاسبها على التقصير في واجباتها : مثال بسيط على ذلك عند غياب الخدمات مثل الكهرباء أو الماء نجد المجلس الإنتقالي يحمل مباشرة الحكومة الشرعية المسؤولية على إنعدام تلك الخدمات ، و انقطاع التيار الكهربائي و الماء الصحي و غير ذلك في عدن أو في المحافظات . هنا نسأل المجلس الإنتقالي على أي أساس تنادي بالإدارة الذاتية على الجنوب و أنت عاجز على إدارة الخدمات في المدن التي سيطرت عليها . لكن السطو على ممتلكات البنك قمت بها بشكل جيد و بنجاح . و كذا نوجه السؤال الى السيد الرئيس هادي أين دوركم سيدي ، انت رئيس شرعي فاشل بإمتياز ، هربت من صنعاء ثم هربت من عدن و الآن تعلن إنسحابك ( هروبك ) من ميناء سقطرى بعد ان اخرجك الإنتقالي .
اما الحرب و الاقتتال و التنافس الذي نشاهده اليوم بين الانتقالي و الشرعية في أبين و سقطرى و غيرهما من المناطق ، هي مسرحية هزيلة و قذرة للتحالف ، تنفذها اذرعهم ( من الانتقالي و الشرعية ) . يريد منها التحالف اقناع الشعب اليمني بأن الرئيس هادي قد دخل في مواجهة مع ميليشيات الانتقالي للحفاظ على الوحدة و النظام . و كذا يبرر الإنتقالي افعاله انه ليس ضد هادي هو ضد الشماليين الذين من حوله . هذه اكاذيب و خداع تروج لها عناصرهم و اتباعهم الرخيصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، مقابل حفنة دولارات ملطخة بدم ابناء جلدتهم . المعارك مخطط لها مسبقا في الرياض و ابوظبي و تنفذ تحت شعارت مختلفة منها ، شعار الوحدة حين يتطلب الامر ذلك و تارة اخرى من اجل القضية الجنوبية و الانفصال حين يتطلب الامر ذلك و كذا ضد انصار الله أو إيران أو الاخوان المسلمين هذه الشعارات في حد ذاتها هلوسة . المهم عند التحالف ليس الشعار . المهم عند التحالف هو ان تستمر الحرب و يكثر عدد الضحايا من اليمنيين ، و غير مهم بالنسبة للتحالف القتل من أي طرف كان . الهدف الاساسي للتحالف هو خروج البلاد عن السيطرة و القانون مع غياب المؤسسات الحكومية الفاعلة أو السلطة الحاكمة .
هنا على المواطن اليمني ان يعرف اولا ان الانتقالي و الشرعية ، كلاهما في حضن محمد بن سلمان أو محمد بن زايد . هنا السؤال موجه للمواطن العادي ، هل تعتقد ان هذه الاحداث في الجنوب تتم من دون ضوء اخضر من الرياض أو أبوظبي ؟ طبعاً لا يكن أن يحصل هذا ، لان أسلحتهم جميعا الانتقالي و الشرعية و كذا مرتبات قياداتهم و جنودهم و اذنابهم كلها تأتي من الرياض أو الإمارات . إذا الحرب بين الانتقالي و الشرعية هي مسرحية و حرب مخطط لها من التحالف نفسه و عيدروس الزبيدي و هادي ادواتها و بعلمهم . الهدف { إذلال و انهاك الشعب اليمني و حصر تفكيره في الدواء و لقمة العيش الشحيحة و المرة وهذه الوسيلة الأفضل لقوى التحالف السعودى – الإماراتي لمنعه من التفكير في الحرية و السيادة الوطنية لليمن } . الآن التحالف يتصرف بسيادة الجزر اليمنية و يعرضها للايجار أو البيع للقوى الدولية و الاقليمية و كذا يتصرف بنفط و غاز اليمن . هل سمعنا يوماً هادي أو عيدروس الزبيدي يتحدث عن هذه المواضيع ؟ لا ، هذه من المحرمات حتى التفكير فيها و قد اشترط عليهم التحالف هذا بمقابل …. بيع الوطن .
دخل العام السادس للحرب على اليمن ولا توجد نهاية في الأفق للأزمة الإنسانية التي تؤثر على ملايين اليمنيين ومع الوضع الصحي السيء للملك سلمان بن عبد العزيز . يبدو أن الاتفاق على تشكيل حكومة كما يريدها التحالف صعب جداً وفق اتفاقية الرياض 2019 ، بل مستحيل على الاطلاق . لهذا التحالف قلق فلابد ان ينهي الحرب في اليمن لصالحه قبل ان تتغير الاحوال بعد الإنتخابات الأمريكية . الأمرالاكثر احتمالا هو ان التحالف سوف يقوم بتنفيذ عمليات عسكرية تضعف سلطة هادي أو إستبداله ( بعيدروس الزبيدي أو معين عبد الملك ) و تحجم نشاط الانتقالي مع زعزعة الاستقرار في البلاد و نشر الخوف و القلق عند المواطن الجنوبي من الغد الغامض . وكلما طالت مدة المعارك بين الشرعية و الانتقالي ، وعدم التوصل إلى إجماع وطني بين الشرعية و الانتقالي حول نظام سياسي جديد ، وبقاء القضايا الخلافية معلقة دون حل ،هذا يفتح مجال للتحالف بان يحسم الأمر بنفسه . هذا الوضع يزيد من احتمال تفكك اليمن الى مناطق حكم ذاتي متنافسة معلن عنها ذاتيًا. وفي الاخير سوف نرى نشوء دويلات داخل الدولة كأمر واقع . على ما أعتقد لن يتحقق هذا الامل للتحالف ، و إن تحقق سوف يستمر فترة قصيرة .
كاتب و محلل سياسي يمني