مقالات

الدولة الوطنية والدولة المدنية وأنصار الله !!

بقلم / أزال الجاوي
لاتعدو أن تكون الدولة المدنية في اليمن عن كونها شطحة خيالية إن لم تكن مجرد شعار أجوف ليس له علاقة بالواقع شبيه بشطحة القبائل المجمهرة (الجمهورية) في الستينات في الشمال والقبائل المتمركسة (الماركسية) في السبعينات في الجنوب ،فالدولة المدنية لا يمكن أن تقوم إلا في ظل مجتمع مدني والذي بدوره يفرز مؤسسات مجتمع مدني ممثلة للشرائح الاجتماعية المدنية ،أي أنه يجب أن يحصل تغيير جذري في المجتمع ينهي طبيعة المجتمع التقليدية السابقة المبنية على حيثيات ما قبل نشوء الآلة الرأسمالية والحداثة في جميع أوجه الحياة (اقتصادياً – اجتماعياً – ثقافياً – تعليمياً… الخ) فتأتي الدولة المدنية نتاجاً لذلك التحول ،ثم إن الدولة المدنية لا تعني بالضرورة العدالة لكل شرائح المجتمع حتى في أشد الدول مدنية وتطوراً .
 
الحالة اليمنية لها متطلباتها الخاصة وهي متطلبات ما قبل المجتمع المدني والدولة المدنية وهي الدولة الوطنية العادلة والمقصود بها هي الدولة ذات السيادة والاستقلال ولو النسبي باعتبار أن العالم اليوم متداخل في مختلف الجوانب وأن الدولة الوطنية المستقلة بقرارها هي المدماك الأول لتطور المجتمع ، والعدالة تعني تمثيل كل شرائح المجتمع الحقيقية (قبائل ،مناطق ، مذاهب ،فلاحين ، عمال حرفيون ، أخدام ،شباب ، امرأة … الخ ) وليست المفتعلة (كمكونات والتنظيمات السياسية والمنظمات الاجتماعية والثقافية وحتى العمالية والمهنية والتي لا تمثل أي شريحة اجتماعية بقدر ما تعبر عن حالة مفتعلة تمثل مصلحة من أسسها فقط) في تلك الدولة وفي قرارها السياسي والسيادي المصيري والعدالة هنا هي المدماك الأساسي الذي يضمن الاستقرار الذي بدوره يعتبر أساساً وشرطاً موضوعياً للتطور.
 
كان التدخل الأجنبي والتبعية والعمالة للخارج مفخرة وكان يمارس بشكل علني بالمفتوح ومازال أو في الحد الأدنى لم يجرؤ أحد خلال العقود الماضية أن يسعى إلى تحرير القرار الوطني ورفع حالة العمالة والتبعية والتدخل الأجنبي المباشر في الشأن الوطني إلا قلة من الأفراد لم يستطيعوا إنجاز شيء يذكر وكان مصيرهم دائماً التنكيل بكل صورة ،وهنا يأتي دور وأهمية حركة أنصار الله رغم كل السلبيات والمآخذ حول الحركة الشابة إلا أنها وبكل وضوح كانت الرائد الفعال في مجال تحرير القرار الوطني من التبعية ويتجلى ذلك في أدبيات الحركة ابتداءً من شعارها رغم تحفظ البعض عليه وأنا منهم ، والذي يحمل في معناه العام التمرد والمواجهة ورفض الوصاية، إلى سلوكها ونضالها العملي ،فمنذ قيام الثورات اليمنية سبتمبر وأكتوبر وما بعدهما لم يجرؤ أحد أن يطالب مجرد المطالبة بالأراضي اليمنية المحتلة ناهيكم عن إدارة معارك في عمق تلك الأراضي كما يفعل أنصار الله اليوم وهذا ما يجعلهم حجر الزاوية والأساس للدولة الوطنية الواقعية المنشودة بعيداً عن شطحات الشعارات التي تمني الناس بأحلام وردية بعيدة حتى عن الخيال نفسه ناهيكم عن الواقع ،إلا أن تلك الملحمة البطولية التي يتصدر مشهدها أنصار الله نحو التحرر الوطني من التبعية والوصاية تبقى ناقصة وعرضة للانتكاسة إن لم يتلازم معها موضوع العدالة في إدارة الدولة وتقرير مصيرها من قبل بقية الشرائح الاجتماعية الوطنية وهو ما يتطلب أن لا ينحصر التركيز والجهد على مخرجات موفمبيك أو في مفاوضات المكونات والأحزاب السياسية المترهلة والواقعة بنفسها وكياناتها تحت الوصاية والتبعية للخارج وبعيدة كل البعد حتى في أطرها التنظيمية عن العدالة وتمثيل كل الفئات الاجتماعية إلا من باب التبعية الشكلية لتحسين قبحها فقط عند بعض تلك المكونات طبعاً على قاعدة “فاقد الشيء لا يعطيه” .
 
ولذلك لا يجوز إهمال ذلك من خلال بناء سلطة معبرة عن طموحات الشعب بكافة شرائحه كتطبيق عملي للعدالة المطلوبة نحو دولة وطنية عادلة وباعتبار أن المسارين مسار التحرر ومسار العدالة متلازمين في إطار بنيان واحد لن تستقيم الدولة المنشودة وتنتصر إلا بتلك التلازمية بينهما.
 
إلى أن يتم ذلك يمكن لحركة أنصار الله أن تكون حركة رائدة بل ونموذجاً ليس على مستوى اليمن فحسب بل على مستوى دول العالم الثالث بشكل عام وعلى مستوى كل شعوب العالم المقهورة، إلا إذا -ربما- اندثرت ككثير من الحركات الوطنية ذات النوايا الحسنة التي سبقتها في الأفول وستندثر معها أحلام الشعب والمستضعفين بالدولة الوطنية العادلة إلى زمن غير مسمى.
 
هنالك أعذار أو مخاوف عند كثيرين منها: الكهنوت،السلالية ،المذهبية ،الطفولية ،القبلية ،،المناطقية ،الفوضى ….
 
كل تلك الأمور موجودة في السابق وفي معظم التنظيمات والمكونات السياسية التقليدية المترهلة وهي ليست بعيدة عن طبيعة المجتمع ذاته الذي يحمل كل تلك الصفات وكلها تبدو موجودة أيضاً في حركة أنصار الله فتلك الحركة لم تهبط من كوكب المريخ أو تم استيرادها من سويسرا حتى يشترط عليها أن تكون نسخة طبق الأصل من حزب الخضر الأوروبي.
ولا أخفيكم سراً بأنني مع كل من يتخوف من ذلك إلا أن هنالك أولويات بعيدة عن شعار وأكذوبة الدولة المدنية وهي التخلص من الوصاية ومواجهة التدخل الأجنبي وهذا ما يميز أنصار الله عن غيرهم في الوقت الحاضر على الأقل ،بالإضافة إلى أنهم مكون نشأ من أسفل إلى أعلى وليس العكس ،أي من بين الجماهير صعوداً وليس كبقية المكونات التي أنشأتها السلطات أو قربها من السلطات والنفوذ نزولاً إلى الجماهير.
 
أو بالكلام البلدي: مع تحرير الأرض والقرار الوطني من الوصاية يجب أن نسعى جميعاً إلى خلق وترسيخ الدولة العادلة وأن لا تجعلنا تلك المخاوف نقف مع الوصاية على قرارنا السيادي واستقلالنا أو استخدامها كذريعة لنعطل مشروع الدولة الوطنية لصالح وهم الدولة المدنية والشعارات الجوفاء التي تسوق لنا لإبقائنا كشحاتين أو كرعية مستعبدين في حظيرة أمراء النفط والفساد.

من حساب  الأستاذ أزال الجاوي على الفيسبوك , نشرت بتاريخ 26 أغسطس , 2015 م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى