هل كان المهاتما غاندي عنصرياً؟
بقلم / زينب الصفار
في الآونة الأخيرة، خلال التظاهرات التي نظّمتها حركة “حياة السود مهمّة”، عقب خنق جورج فلويد حتى الموت، تمّ التعبير عن الغضب الشديد من العنصرية والظلم اللذين تواجههما الأقليات السوداء والعرقية في جميع أنحاء العالم. وعلى إثر ذلك، تمّ تشويه العديد من النصب التذكارية والتماثيل وهدمها وتهشيمها، لارتباطها بهذا التاريخ السقيم، ومن بينها تمثال المهاتما غاندي. ففي ساحة البرلمان في لندن، تمّ تلطيخ تمثال غاندي بالطلاء الأبيض مع كتابة كلمة “عنصري” على إحدى الخطوات المؤدّية إليه. أما في العاصمة الأميركية واشنطن، فكان الضرر أكبر، ما اضطرّ المعنيين إلى تغطية التمثال.
لعلّ غاندي عانى خلال حياته الكثير من حملات الشجب والتشويه، وامتدّ ذلك حتى بعد وفاته، فلم يتوقّف الانتقاد طيلة 72 عاماً، لكن هل كان المهاتما عنصرياً حقاً؟ لماذا جرى تخريب تمثاله في احتجاجات الولايات المتّحدة وأماكن أخرى؟ ماذا يمكن أن يكون السبب؟ وعلى ماذا ارتكز هذا الهجوم والتصنيف؟
السياسي الهندي توشار غاندي، ابن حفيد المهاتما، يرى أنهم يدّعون أنّه عنصريّ، وأنّه لم يكترث لمعاناة الأفارقة الأصليّين في أفريقيا، بينما كان يناضل من أجل الهند فحسب، وجرى نشر الكثير من المعلومات الخاطئة حول هذا الموضوع، ويعتقد كثيرون أنّ غاندي كان عنصرياً، ولكن في الواقع، لم يكن يوماً عنصرياً في بداية حياته، عندما كانت نظرته إلى العالم محدودة للغاية، وتجاربه قليلة جداً، ولم ينضج كفاية كقائد. الحقيقة هي أنّه كان ساذجاً في موضوع العنصريّة.
“كانت جريمته جريمة جهل، وليست خبثاً أو تعصباً، فهل يصحّ جلد المهاتما بسبب الخطأ الناجم عن السذاجة والجهل؟ دعونا ندرك أنه إذا أصبح المهاتما بسبب أفعاله في وقت لاحق من حياته، ففي الفترة السابقة، كان شخصاً عادياً مثلنا، وعرضة للأخطاء، مثلنا تماماً. ففي جنوب أفريقيا، كان يستخدم مصطلحات كانت طبيعيّة آنذاك، ويستخدمها الجميع للحديث عن الأفارقة الأصليّين، وقد استخدم المصطلحات نفسها التي أدركنا الآن أنّها مصطلحات مهينة وبغيضة”.
من جهة ثانية، يرى المراقبون أن غاندي، القائد التاريخي الذي ألهم حركات التحرّر والحقوق المدنية في جميع أنحاء العالم، لو كان على قيد الحياة اليوم، لكان من أول المشاركين في احتجاجات الشباب اليافع في انتفاضة “حياة السود مهمة”، ولا سيما أنّ الظلم الذي عانى منه المجتمع الأميركيّ الأفريقيّ، والحرمان الاقتصاديّ والسياسيّ طوال 400 عام مضت، هو قصةٌ مخزية.
السؤال الذي يطرح نفسه: أليس هذا إلهاءً هائلاً عن حركة “حياة السود مهمّة”؟ ألم يكن غاندي جزءاً لا يتجزّأ من إنشاء حركة نضالية بالطريقة نفسها التي أنشأ بها مارتن لوثر كينغ حركته؟ نعم، والأشخاص الّذين يشكّكون ويزعمون أنّ غاندي قائد عنصريّ، يلمّحون أيضاً إلى أنّ د. مارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا كانا ساذجين، ولم يدركا أنّ غاندي عنصريّ، فقدساه، واعتبراه مثالهما الأعلى، وتبنّيا منهجيّته، فعلى سبيل المثال، بحسب توشار غاندي: “القسّ مارتن لوثر كينغ أرسل أتباعه، عندما قرّروا النضال من أجل الحقوق المدنيّة في الولايات المتّحدة، إلى أشرم (صومعة) غاندي في الهند، من أجل التدريب على المقاومة السلميّة. إذاً، نظراً إلى هذا التدريب، إذا كان غاندي عنصرياً، فلماذا كان يساعد في صياغة استراتيجيّة المقاومة السلميّة وحركات الحقوق المدنيّة في الولايات المتّحدة بقيادة مارتن لوثر كينغ؟”.
لكن يتساءل البعض: هل قام بذلك أشخاص أرادوا التعبير عن اشمئزازهم من رئيس الوزراء الهندي مودي، وإفراطه في التعبير عن حبّه الكبير للرئيس الأميركي ترامب؟
يرى المتابعون اليوم أنَّ العنصريّة باتت نوعاً مقبولاً من الإيديولوجيا في الولايات المتّحدة في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويبدو أنّ كمّيّة الكراهية التي يولّدها الأخير تشجّع على العنصريّة كذلك، ويسهم تقرّب رئيس الوزراء مودي منه في ذلك أيضاً، لكن توشار غاندي يعتقد أنّ بعض الحملات الشرسة والمحفّزة للغاية نظّمت للتشهير بغاندي. وقد ولّد ذلك أيضاً هذا الغضب الناتج من الجهل.
وإذا ما نظرنا إلى الهند في مرآة الاحتجاجات الأميركية، نتيقّن أنها تحتاج أيضاً، وبشكل عاجل، إلى معالجة مشاكلها الصارخة من التمييز المنهجيّ والطبقي، ووحشية ممارسات الشرطة ضدّ مواطنيها.
“انطلاقاً من ذلك يقول حفيد غاندي: “دعونا لا نشنق المهاتما غاندي، أبو الهند، على الجرائم التي لم يرتكبها. أقول لأولئك الذين يريدون إزالة تماثيله، وأولئك الذين يريدونها أن تبقى، وأعتقد أن المهاتما كان سيقول ذلك أيضاً: هل يمكننا التركيز على القضية الحقيقية: حالة مجتمعنا وأمتنا وأنظمتنا، والعمل من أجل أن نعالج أنفسنا من سم الكراهية والتحامل والعنف؟ هل يمكننا المضي قدماً في ذلك؟”.
لن يهم تمثال واحد أو أكثر، ولكن إذا ما فقدنا فضائل الحقيقة والحب والاحترام والمساواة والعدالة والرحمة، فهل سنبقى؟
أكاديمية وباحثة عراقية – نقلاً عن الميادين