تحية إلى الرمز يحيى حسين العرشي !!
كتب / مطهر تقي
الأستاذ القدير يحيى حسين العرشي أحد الرموز الوطنية الذين كان لهم شرف المشاركة في صنع الزمن الجميل وأحد المشاركين في جعل يوم إعادة الوحدة اليمنية حلما معاشا ومستحقا للشعب اليمني وواقعا عاشه وعرف معنى وفضل الوحدة اليمنية التي صنعها بكفاحه وسيحافظ عليها بدمائه (إن استحق الأمر) من المهره حتى صعده
اقرأوا معي ماكتبه الاستاذ يحيى العرشي بمناسبة احتفال الشعب اليمني بعيد وحدته
. بسم الله الرحمن الرحيم
بمناسبة العيد الوطني الثالث والثلاثين
وحدة اليمن .. مانعة للفتن
يحيى بن حسين العرشي
22 مايو 2023م
Yahya Al Arashi
عندما يُغيَّب الشعب عن دوره في المحافظة على وطنه وسيادته واستقلاله ووحدته وحريته وكرامته ويتم التفريط في مكاسب ثورته؛ يجد نفسه حتماً بعيداً عن التطورات والقرارات المتصلة ببلاده، وهي بدون مؤسسات منتخبة منه، خاضعة لرقابته هو، وهي التي تتحكم في مصيره .. ولذلك يستمر الابتلاء والمحن، ويخسر الوقت، ويدفع الثمن.
يتابع الشعب من بعيد حاضره مسلوب الإرادة، ويرنو لما هو في الطريق عن مستقبله، وكأن الأمر لا يعنيه، بعد أن مضى عليه أكثر من عقد من الزمن في بحرٍ من الدماء، ورُكامٍ من الدمار .. عاجزاً أن يقول رأيه، مكتوف اليدين، الإنجازات الماثلة أمامه هي حصاد الأرواح، وخيبة في آماله، وانكسار في طموحاته …
الأطراف المعنية بالصراع بقوة السلاح، تدّعي أنها ممثلة للشعب المنكوب، وأنها التي تدافع عنه، وكيلاً شرعياً عنه، رغم أنها امتهنت الحرب على السلام، امتهنت الظلم على العدل، امتهنت التضليل عن الحقيقة، مصرةً على وهمها بأنها على حق إن لم تكن الحق ذاته …
لقد أصبح شعبنا مقهوراً وذليلاً وجائعاً ومريضاً ومشرداً ومشتتاً وضائعاً، لم يعُد مرفوع الرأس في الداخل والخارج، جوازات سفره لا حُرمة لها، الأعين مفتوحة عليه، إن لم يكن متهماً .. الأطراف مستمرة في أوهامها، ويوهمونا معهم بالفرج المنتظر …
إنهم يصنعون المجهول، كما صنعوا الحرب والعدوان، دون أن يكون للشعب رأيٌ فيه، وسيبقى صوت الشعب مُغيّباً، فاقداً لحقه، إرادته مقهورة، تحت تأثير الصدمة لما وقع به، لم يعد له مبادرة، ولا رأي، يردد في نشيده الوطني رفضه للأوصياء عليه، بينما تستنجد الأطراف حضور كل الأوصياء على اليمن .. يتابع بقهر ويأس ما يعنيه، والأطراف بما وصلت إليه مستمرة في غيها، وأوهامها، وتوهمنا معها بالفرج المنتظر .. وهم يصنعون المجهول كما صنعوا الحرب علينا دون أن يكون للشعب رأي فيها، وبقي صوت الشعب مُغيباً، فاقداً لصوته .. لا حول له، ولا قوة له .. فيما يخططه الأوصياء عليه.
ما هذا العبث الذي ندركه؟! وما هذا التفريط في ثوابتنا الوطنية الذي نشاهده؟!
لم يكن شعب اليمن كاذباً بثورته في 26 سبتمبر عام 1962م، والقضاء على الاستبداد والكهنوت .. لم يكن شعب اليمن كاذباً بثورة 14 أكتوبر عام 1963م ضد الاستعمار البريطاني .. ولم يكن شعب اليمن كاذباً باستعادة وحدته في الثاني والعشرين من مايو 1990م .. ولم يكن شبابنا كاذبون بصحوتهم – بحثاً عن عمل وحياة كريمة – ضد الفساد والفاسدين عام 2011م، سُرقت عليهم في وضح النهار في وهجه .. تضحيات الشعب في كل هذه المحطات الوطنية لم تكن أكذوبة حتى ينالوا منها المعنيون من الأطراف في الداخل والخارج ويتنكرون لها، يذكرون هذه المحطات باستحياء، ويخشون ما يترتب على ذكرها من عِقاب، لم تعد وحدة اليمن تُذكر إلا في بعض الألسن الأجنبية البعيدة منا .. في انتظار المولود القادم من أحشاء المؤامرات ليتم تسميته وتقسيم اليمن .. يرى من يزعم أن بيده القرار بأمّ عينيه ما يسمى بالانتقالي وكأن الوطن لعبة شطرنج بين يديه، أو كعكة حلوى يتشاطرها المرتزقة والعملاء في أيام عيدنا الوطني …!!!
نحسب أننا أصحاب حكمة، وصفنا رسوله الكريم صلوات الله عليه .. ولكننا أضعناها في لمحة برق، ولحظة إحباط، وتغلب الانتقام بقوة السلاح، لذلك لن تتغير أحوالنا إلاّ إذا غيرنا ما بأنفسنا،{إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} صدق الله العظيم.
لقد منحنا الله العقل، ولكننا لم نوظفه في مكانه الصحيح، وفقدنا البصيرة…
نسمع عن تفاهمات داخلية وخارجية، لكننا نرى واقعاً مختلفاً في أنحاء وطننا، أقدام أجنبية على أراضينا، وجُزرنا، وشواطئنا، آلياتهم العسكرية أمام أعيننا .. تشكيلات مسلحة مختلفة ومتباينة لا علاقة لها بجيشنا الوطني، تُفرض على وطننا بمسميات وكأنها (الدعم السريع) المُصَغَر، كالسودان، وحفتر ليبيا اللذين دفعا شعبيها الثمن كما دفعه شعب العراق وسوريا ولبنان، إنه حملٌ مُسلحٌ خارج الرحم، مدفوع الثمن، مستغلةً الحاجة والجهل لمن يحمله من شبابنا على كتفه، ويصوبه على أخيه بمرض المناطقية، أو الانفصالية، أو المذهبية .. ليستمر الصراع، ولتستمر الفتنة، ولابتزاز مصالح بلدان شقيقة أو صديقة معروفة .. مستمر وطننا اليمن الواحد في تعدد الحكومات، والسلطات، والأمر الواقع، والأخطر من كل ذلك ازدواج مناهج التعليم، وتوظيفها لوضع بذور الفتنة والصراع في أطفالنا، طلاب مدارسنا، فلذات أكبادنا، فقدنا الروحانية في مساجدنا، وانقسمت صفوف المصلين بالخطاب الديني المُسيّس، يُفرّق ولا يوّحد، يزيد الناس جهلاً في أمور دنياهم وآخرتهم، والابتعاد عن مرجعيتنا الدينية .. قرآن الله الخالق، والسنة الصحيحة لرسوله الكريم …
وبرغم انعدام الاقتصاد، فبنوكنا المتواضعة، وأموال المودعين فيها وكأنها لا وجود لها، أصولها وفوائدها .. وانتشار الصرافة لمصالح أفراد هدّامة للنقد الوطني .. الوظيفة العامة تخضع لاعتبارات خاصة، لا علاقة لها بالكفاءة والخبرة،
والعلم، والمعرفة.
إرثنا الثقافي علاوةً على ما فعل به العدوان من تدمير على مدى سنوات الحرب؛ فإن العبث به وتشويهه، وإزالة مصالح فئات من الحرفيين في بعض معالمه يُدمره أيضاً، كما يحدث للعاصمة التاريخية صنعاء، التي تشهد بعض مُتنافساتها في حدائقها المتواضعة، أو ساحات الأحياء فيها اغتصاباً بإقامة مولات عليها، أو متاجر داخلها، وتُقطع الأشجار الباسقة فيها، والتي أسهمتُ كغيري أثناء مهمتي في تعاون صنعاء لسنواتٍ عديدة ماضية، بغرس أشجارها .. وسقيها .. ورعايتها.
تُفرض على بعض أحياء صنعاء محطات لوايتات الماء، بعد السماح بحفر آبار ارتوازية، مُخالفةً للقانون والنظام، وبتصريح من الجهات المعنية، والمسئولة عن منع العبَث بمخزون المياه في حوض صنعاء، تُنزع السكينة في بعض الأحياء بإقامة محطات بترول في مساحات خاصة أو عامة، على أبواب المدارس، وسكن المواطنين، استجابةً للتجار، ومُهربي المواد النفطية ومشتقاتها، وبتصريحات رسمية، مُعلقةً عليها، بُحت أصواتٌ كثيرة من كُتّابنا، وجَفَت أقلامهم، مُنبهين لهذه الأخطاء، ولم تُسمع .. !!!
هذه بعض الصور عن أحوالنا، فهل حان لنا أن نستحضر عقولنا لنتصالح، ولنتسامح، وأن تعود لنا لُحمتنا، ووئامنا، والمحبة فيما بيننا، والخروج من مرحلة الحرب إلى مرحلة السلام الحقيقي، وإلى حالة الأمان الدائم، دون تقسيم الوطن .. نعم؛ دون تقسيم الوطن.
إن وحدة الوطن التي استعادها الشعب بنضاله وتضحياته، هي الوعاء لكل خير اليمن، هي القاعدة الصلبة، هي القاسم المشترك للبناء السياسي الديمقراطي، بما يرتضيه الشعب من كيانات تحقق له المشاركة، وتحول دون التسلط والاستبداد والتفرد بالقرار، تمنع عن وطننا الخلاف، وتحافظ على استقلاله .. إنها مانعةً للفتن …
إن من وقع في حبائل الشيطان، وامتدت يداه إلى أي دولة خارجية، لا يمكن له أن يبني وطناً، ولن يلتف حوله الخيرون، وفئات الشعب، ويحول دون توحد الكلمة .. كم هو رائع أن ترتفع الأصوات الوطنية المؤمنة بالوحدة متجاوزةً لمحنتها، وترفع تمسكها بالوحدة في كل أنحاء بلادنا، مدركةً أنه لا خيار لنا إلاّ الوحدة، وإصلاح سياسي، واقتصادي شامل، مانعاً للفساد، متصدياً للتدخل الخارجي في وطننا، وبالأسس التي يتفق عليها الجميع.
ليس من حق أيٍ منا أن يستبعد الآخر، ويدعي امتلاك الحقيقة وحده .. ليس من حق طرف من الأطراف أن ينوب عن الكل، ما لم فستكن الحرب داخلياً فيما بيننا، نعلم أن السياسة ليست دائمة العداوة أو دائمة الصداقة، ولكنه لا مناص من مرجعيتنا الدستورية، وإلا فإننا بدون مشروعية لأي خطوة تتم مع الغير، إذ لا قيمة لها، ونرفض أن تكون العلاقة الخارجية لطرفٍ على حساب الآخرين .. مرجعياتنا الدستورية هو الدستور، وهو المصدر الوحيد في كل شئوننا الداخلية والخارجية، وكل ما يحدث من اتفاقيات مع بلدان أخرى، أو ما يصدر من قوانين وأنظمة في بلادنا متجاوزةً له باطلة الشرعية، ولا قيمة لها …
فلنتقِ الله في أنفسنا .. يكفينا انشقاقاً وعذاباً .. يكفينا شتاتاً .. يكفينا أن لا يكون لنا دولتنا بمؤسساتها .. باختيارنا كلنا .. بأصواتنا الديمقراطية، تضمن لنا – جميعاً دون إقصاء – المشاركة والتداول السلمي للسلطة .. وتكفل لنا حريتنا دون وصي علينا …
لنتصالح أولاً .. ولنتنازل فيما بيننا، وبذلك نحترم أنفسنا .. ويحترمنا الآخرون .. ويصعب عليهم التدخل في شئوننا .. لنكون مؤسسين لمستقبلنا .. بثوابتنا الوطنية .. بوحدتنا التي أرادها الله لنا في الثاني والعشرين من مايو 1990م .. إنها الوعاء والمصير، في الحاضر والمستقبل، إنها رايتنا نستظل تحتها صفاً واحداً، لندافع ونذود عن وطننا .. اليمن الواحد …