آثار اليمن.. للقصف وللنهب نصيب وما تبقى يتلف في المخازن
صنعاء – صفية مهدي
فوضى الحرب والفقر وغياب السلطة وغياب الدولة، خلقت عصابات في البلد المبتلى. ومع تواصل المأساة، تتسارع عمليات نهب وتخريب وتهريب آثار اليمن الحزين. رئيس الهيئة العامة اليمنية للأثار مهند السياني كشف عن رصد الهيئة الحكومية 66 موقعاً ومعلماً أثرياً، تضررت بضربات جوية مباشرة وغير مباشرة في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى تعرض 35 معلماً ومزاراً دينياً للتفجير من قبل عناصر تنظيمي “القاعدة” و”داعش”.
إلى جانب ذلك، تتهم الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، جماعة أنصار الله (الحوثيين)، التي تسيطر على العاصمة صنعاء ومدن أخرى، باستهداف العديد من المواقع الأثرية بالمناطق التي تشهد مواجهات مع القوات الحكومية، وتعريض أخرى، للاستهداف. وأحدث هذه الاتهامات، كان بيان للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو” الصادر في (21 كانون الثاني/ يناير2019)، والذي اتهم المسلحين الحوثيين بنهب “المخطوطات والكتب التاريخية والعلمية ونفائس نادرة” من مكتبة زبيد، بمحافظة الحديدة، غربي البلاد. وقال المدير العام للإيسيسكو، عبد العزيز التويجري في بيان “المخطوطات والكتب المنهوبة تمثل تراثا نفيسا يوثق تاريخ مدينة زبيد التي كانت عاصمة اليمن من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر الميلادي”.
إغلاق المتاحف وتخزين الآثار عشوائياً
بالقرب من ميدان التحرير وسط العاصمة صنعاء، يقع المتحف الوطني اليمني، الذي كان وجهة للزائرين للتعرف على تاريخ البلد وتراثه الثقافي والحضاري، لكنه موصد الأبواب منذ سنوات، وجرى نقل أغلب محتوياته إلى ما وُصف بـ”الأماكن الآمنة”، تجنباً لتعرضها للاستهداف.
وفيما تثور المخاوف حول مصير المخزون، يقول رئيس هيئة الآثار اليمنية السياني إن جميع المتاحف التابعة للهيئة العامة للآثار أغلقت أبوابها “بسبب الوضع العام وخوفا عليها”، حيث “تم تخزين القطع في أماكن نعتقد إن شاء الله أنها آمنة لها، وان كان مثلاً في متحف ذمار اعتقدنا أنها آمنة ولكن المتحف ضُرب”.
وأفاد السياني أن المتحف الوطني في صنعاء مثله مثل أي متحف مغلق، إذ لا قلق على الآثار الموجودة داخله لأنها مخزونة في الحفظ والصون، وقد بدأنا في نوفمبر/تشرين الثاني2018 المرحلة الأولى بتنظيف وترتيب المخازن ووضعها في شنطات (حقائب) خاصة بعد تنظيفها وتصويرها وهو مشروع مدعوم من الحكومة الألمانية عبر المعهد الألماني للآثار وإن شاء الله يستمر”.
متحف ذمار تحول إلى دمار
في سياق الحديث عن الأضرار، يحضر متحف مدينة ذمار جنوب صنعاء في الصدارة، ويقول مدير إدارة الآثار بالمتحف صالح الفقيه إن الـ21 من مايو/ أيار، كان يوماً استثنائياً، حيث تعرض المتحف لقصف جوي مباشر أدى الى تدميره بكل مكوناته وتحويله الى أنقاض، بالإضافة الى تدمير مكتب الهيئة العامة للآثار والمتاحف والذي كان يتخذ جزءاً من مبنى المتحف.
ويضيف أن الغارات دمرت المتحف تدميراً كلياً ولم يبقَ من تكوينه الإنشائي أي عنصر معماري، عدا مخزن تحت الأرض سقطت عليه الاسقف المنهارة للأدوار العلوية وكان يحتوي على عدد كبير من القطع الاثرية، بالإضافة إلى عدد من الصناديق التي تحتوي على نتائج الأعمال الميدانية التي قامت بها بعض البعثات المحلية والأجنبية مثل البعثة الأمريكية التابعة لجامعة شيكاغو بإشراف المركز الأمريكي للدراسات اليمنية بصنعاء، ونتائج اعمال المسح الميداني لعدد من الباحثين الأجانب مثل كريستا لويس وغيرها”.
أدى القصف الجوي للمتحف إلى “فقدان كافة الوثائق الخاصة بالمتحف بالإضافة الى الوثائق التابعة لفرع الهيئة العامة للآثار والمتاحف والتي تحتوي على معلومات تتعلق بمعظم المواقع الأثرية الواقعة في النطاق الجغرافي لمحافظة ذمار”، كما يقول الفقيه.
حضرموت.. تخريب القاعدة
في أبريل/نيسان 2015، سيطر عناصر تنظيم “القاعدة”، على مدينة المكلا مركز محافظة حضرموت، شرقي اليمن، وعلى مدى عام من سيطرة التنظيم، شهدت المدينة ومحيطها فضائع طالت المواقع والمعالم الأثرية.
المدير السابق للهيئة العامة للآثار والمتاحف بساحل حضرموت، الدكتور أحمد باحارثة، قال إن الإهمال والتخريب تناوبا على آثار المحافظة، حيث الأول ناتج عن ضعف المخصصات المالية للترميم ولو في حدوده الدنيا وكذلك عن شحة البعثات الاستكشافية والتي غالبًا ما تعتمد على الخبرات الأجنبية مع ندرة الكادر المحلي المؤهل”.
وأضاف “إذا ما اعتبرنا أن الإهمال هو نصف التخريب أو التخريب البطيء فإن التخريب الكامل والعاجل قد اقترفته عصابات مسلحة حكمت المكلا بل ساحل حضرموت عاماً كاملاً، تحت اسم القاعدة التنظيم الإرهابي العالمي، وتمثل التخريب المتعمد بمبررات منسوبة إلى الدين بتأويلات متشددة لا تتوافق مع التسامح الديني الذي عرف به علماء حضرموت”.
دمر عناصر التنظيم في المكلا وساحل حضرموت، جميع القباب المشيدة منذ مئات السنين بمعمار محلي متميز، وهي التي يقول باحارثة إنها “تشكل جزءاً من المشهد الجمالي للمدينة وهويتها المكانية”.
ويكشف المدير السابق لهيئة الآثار، عن أنه في مدينة المكلا وحدها دمر عناصر “القاعدة”، تفجيراً أو تكسيراً قبة يعقوب بوسط البلاد وقبة المحجوب وقبة شيخان وضريح السيدة علوية.. فضلا عن هدم قباب تاريخية أخرى في مدن الشحر ودوعن وبروم وغيرها، كما قاموا بتدمير مسجد تاريخي يبلغ عمره مئات السنين فريد في معماره الطيني المتميز بسقفه الخالي من الأعمدة الخشبية بهندسة ساعدت على تماسك مادته الطينية.. وهو مسجد (النقعة) بإحدى ضواحي مدينة غيل باوزير”، وكل ذلك فضلا عن إحراق متعمد للأرشيف التراثي لأول إذاعة أقيمت بحضرموت في ستينيات القرن المنصرم.
وحتى قبل تصاعد الحرب، تعرض متحف المكلا في مارس/آذار 2013، لعملية سطو أتت على معظم مقتنياته بما فيها عرش السلطان القعيطي وصولجانه، وبعض المدافع السلطانية الاستعراضية المصنوعة من النحاس الأصفر.
الآثار إزاء خمس مشكلات
يُجمل رئيس هيئة الآثار اليمنية السياني، ما تتعرض لها الآثار اليمنية بخمس مشكلات، من التدمير والتخريب المباشر وغير المباشر إلى التهريب الذي تتعرض لها قطع الآثار وساعده في توسع عملياته “وجود حكومتين” (المعترف بها دولياً والتابعة للحوثيين)، بالإضافة إلى مشكلة ثالثة، وهي عملية النبش العشوائي والبحث عن الكنوز والأموال وهذه انتشرت بشكل كبير هي موجودة في الأساس ولكنها انتشرت في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
أما المشكلة الرابعة هي عملية التخزين للقطع الأثرية في المتاحف، حيث أغلقت متاحف الهيئة الحكومية ولكن “التخزين انعكس بهذه القطع في المخازن التي وضعناها فيها أتربة ورطوبة وحشرات قارضة وحشرات صغيرة وغيرها من الأضرار”، التي يقول السياني إنهم يبحثون عن تمويل لتنظيفها ووضعها في مواد حافظة.
يضاف إلى كل ما سبق، “مشكلة كبرى جدا”، يقول السياني “نواجهها في مجال الآثار والتراث وهي انعدام الوعي وعدم الاكتراث بأهمية ما نمتلكه من كنوز وآثار وحضارة”، بما ساهم في تشوية المعالم الاثرية ووضع الملصقات وطمسها بالرنج كل هذا نتيجة لعدم الوعي”.
ويختم رئيس هيئة الآثار في صنعاء “نبحث عن تمويلات وقد وجدنا دعماً من منظمة اليونيسكو ومن الحكومة الألمانية، وأيضا بدأنا تدريب الزملاء لعمل خارطة فضائية للآثار اليمنية وهي جهود بطيئة نوعاً ما نظراً لظروف البلاد”، وتواصلت DW عربية، مع اليونسكو لآخذ تعليق بهذا الشأن، دون رد من المنظمة الدولية، بحسب DW عربية.