بزنس الامتحانات الجامعية.. طلبة يمنيون يؤدون امتحانات بدل طلبة سعوديين
صنعاء – محمد المياس & عبد الله المعمري
استعان محمد، وهو طالب سعودي في قسم المختبرات الطبية بجامعة تبوك الحكومية، بطلاب يمنيين لتأدية بعض الامتحانات عوضا عنه بمقابل مالي بلغ 3000 ريال سعودي (نحو 800 دولار). يُرجع محمد ذلك إلى صعوبة الأسئلة واختلافها عمّا يتضمنه المنهج الدراسي، فضلا عن صعوبة أسلوب التعلم عن بعد الذي تم فرضه في العام 2020 بسبب انتشار جائحة كورونا، مشيرا إلى أن العديد من زملائه يقومون بالشيء ذاته.
في المقابل، وجد العشرات من الطلبة اليمنيين في هذا الأمر فرصة للكسب عبر تقديمهم مساعدة “مدفوعة الأجر” لنظرائهم السعوديين في ظل ظروف معيشية واقتصادية تشهدها بلادهم بسبب الحرب.
أمجد، طالب يمني في قسم الإعلام بجامعة تعز، دُعي مرارا من قبل أصدقائه للدخول إلى منصة “تلغرام” والانخراط في تأدية الامتحانات نيابة عن طلاب سعوديين لكنه رفض. لاحقا، وبسبب مروره بظروف مالية صعبة، قرر المحاولة من خلال تأدية امتحان عوضا عن طالب سعودي في مادة اللغة الإنجليزية. وتمكن من اجتيازه بتقدير مرتفع الأمر الذي تسبب في شهرته بين العديد من الطلاب السعوديين، الذين قاموا بالتواصل معه تباعا لنفس الغرض، بحيث بات يخوض أحيانا أكثر من 10 امتحانات يوميا في زمن قدره ساعة -الوقت المخصص للامتحان- لطلبة جميعهم من نفس القسم ونفس المقرر، بمساعدة أستاذ في جامعة تعز.
قال: خضت امتحانات في ترجمة اللغة الانجليزية، والكيمياء والعلوم التطبيقية، كنت أجني في اليوم الواحد ما مقداره 1500 -2000 ريال سعودي (400 – 540 دولار) وأحيانا يصل المبلغ إلى 3000 ريال سعودي (800 دولار)، لكن تحت ضغط عصبي وجسدي كبير.
نجاح “مأجور”
تتبع مُعِدا التحقيق عملية غش “منظمة” لإجراء الامتحانات عن بعد في أربع جامعات سعودية (نجران وطيبة وتبوك والجوف) في الفترة بين (تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 وكانون الأول/ ديسمبر 2021) وطرق الغش المستخدمة ووسائل تحويل الأموال. وثق التحقيق أكثر من 30 مجموعة على “تلغرام” تحمل أسماء جامعات وأقسام وكليات سعودية، يطلب فيها طلبة سعوديين المساعدة لحل الامتحانات عوضا عنهم بمقابل مالي.
خالد (25 عاما)، طالب في كلية الهندسة (ميكاترونيك) بجامعة تعز، يؤكد ما قاله أمجد عن كيفية التنسيق مع الطلبة السعوديين. يقول: “يدخل الطالب في مجموعات على تلغرام، وعندما يقوم الطالب السعودي داخل المجموعة بالسؤال ندخل له على محادثة الخاص ونسأله عن المادة التي يحتاج للمساعدة فيها لنبدأ الاتفاق”.
يوضح خالد أن العملية لم تكن منظمة في البداية، لكنها مع الوقت باتت أكثر تنظيما وأشبه بسوق “إلكترونية”. ويضيف: “مع الوقت يظهر مدى نجاحك في إتمام العملية بنجاح وإتقان، ما يزيد من شهرتك ويدفع الطلاب لتداول اسمك ورقمك والبحث عنك بأنفسهم طلبا للمساعدة”.
أجرى خالد نحو 100 عملية تنوعت بين تأدية امتحان وإعداد مشاريع وكتابة واجبات. قال “80 في المئة من المقررات التي امتحنها بدلا عن طلبة سعوديين كانت متناسبة مع تخصصي الجامعي، فيما 20 في المئة فقط من المقررات امتحنتها ولم أكن قد درستها سابقا”. مع ذلك، لم تقل الدرجات التي حققها خالد لصالح طلاب سعوديين عن 90 في المئة، على حد قوله.
تأتي استعانة طلاب سعوديين بطلاب يمنيين بسبب تقارب طبيعة المناهج، بحسب ما يقول طلاب.
قال عماد، طالب يمني، “للّغة البرمجية -سواء كنا في اليمن أو في السعودية- أكواد ثابتة كما هي اللغة العربية موحدة وحروفها ثابتة، الاختلاف فقط في الإنجاز والعمل وفي نسبة ذكائك كطالب”. في المقابل، يعتقد بعض الطلاب اليمنيين أن المناهج السعودية منظمة ومبسطة ومفهومة مقارنة بمناهج اليمن المكثفة.
“هذا الفارق لصالح الطرفين”، يقول رفيق، طالب يمني في كلية الطب.
غش عابر للحدود
تتم عملية الغش بمقابل مالي بطريقتين، الأولى، قيام طلاب سعوديين بالتنسيق مع طلاب يمنيين عبر تطبيقيّ المراسلة تلغرام وواتساب، والاتفاق على مقابل مالي محدد لخوض الامتحانات بدلا عنهم. عند الإتفاق يتواجد الطالبان في الوقت المخصص للامتحان في أحد التطبيقات، ومن ثم يتم تصوير الأسئلة للطالب اليمني وبدوره يرسل الإجابات.
الطريقة الثانية، فتتمثل بقيام الطالب السعودي بإرسال تفاصيل الدخول إلى منصة الامتحان (الرقم الجامعي وكلمة السر) إلى الطالب اليمني الذي يخوض الامتحان بدلا عنه بشكل مباشر على المنصة.
وأوضح الطالب اليمني خالد، أن بعض الطلاب يقومون بتصوير الأسئلة وإرسالها في محادثة (الواتساب أو التليجرام) “ونحن نعطيهم الإجابة فيقومون بنقل الإجابة التي أعطيناها لهم إلى موقع الجامعة، فيما البعض يرسلون اسم المستخدم التابع لهم ورابط موقع الامتحان ويعطوننا كلمة السر الخاصة بهم في الموقع ومعلومات عن موعد بدء الامتحان، ونحن في الوقت المحدد نقوم بالدخول إلى الموقع ونطّلع على الأسئلة ونجيب عنها بحسب ما هو مبين في لوائح الجامعة”.
وأكد خالد أنه أدى الامتحان عبر المنصة عوضا عن أربعة طلاب سعوديين من تخصصات مختلفة.
للتحقق من إمكانية القيام بذلك، حصل معدا التحقيق على محادثات موثقة تؤكد كل ما ذكر سابقا. كما حصلا على بيانات تسجيل دخول خاصة بطلبة سعوديين قاموا بإرسالها إلى طلبة يمنيين بغرض الدخول إلى منصة الامتحان بدلا عنهم لإجراء الامتحان. وتحقق معدا التحقيق من صحة تلك البيانات بالدخول إلى منصتين للامتحان عن بعد، في جامعتي نجران والجوف، باستخدام بيانات أحد طلبة الجامعة.
سمسرة أونلاين
رفيق، طالب في قسم الطب البشري بجامعة تعز، بدأ مشواره في خوض الامتحانات بدلا عن طلبة سعوديين عبر تطبيق “تلغرام”، وقام بإنشاء شبكة علاقات مع العديد من الطلاب اليمنيين والسعوديين ليدير بعد ذلك غرفة تنسيق إلكترونية تقدم “خدمة الامتحانات عن بعد”.
داخل مجموعات الجامعات السعودية في “تلغرام” -تضم الواحدة منها نحو 20 ألف مشترك- يتواصل الطالب اليمني مع طلبة سعوديين ممن يطلبون المساعدة، وبعد طمأنتهم بإرسال إثباتات تؤكد قدرته على مساعدتهم، ينتقلون للحديث في تطبيق المراسلة الآخر “واتساب”.
قال: “نتفق مع الطالب السعودي، ونستعلم عما إذا كان لدى الطلبة زملاء بحاجة أيضا لمساعدة، أو إذا كان قد تواصل مع طلاب يمنيين آخرين مثلا”.
وحول عملية التنسيق مع طلبة يمنيين يوضح رفيق أنه يتم إما بشكل مباشر مع زملاء موثوقين يتم إعطاؤهم المقرر المطلوب بعد الاتفاق معهم، ومن ثم إخبار الطالب السعودي أن هناك “طالب ثقة” سيخوض الامتحان عوضا عنه، أو أن يتم ربط الطالب السعودي مباشرة بالطالب اليمني للاتفاق على تفاصيل تأدية الامتحان.
تحويل الأموال
تعقب معدا التحقيق أساليب تحويل الأموال من الطلاب السعوديين لليمنيين، خاصة في ظل غياب إمكانية التحويل المباشر بين البلدين، ووجدا أن غالبية التحويلات تتم داخليا من طلاب سعوديين لديهم حسابات مصرفية في بنك الراجحي لمغتربين يمنيين مقيمين في السعودية لديهم حسابات مصرفية في ذات المصرف لإتمام التحويلات المالية.
لكن خالد وطلابا آخرين واجهوا صعوبات في استلام الأموال لعدم امتلاكهم علاقات تربطهم بمغتربين في السعودية. لذلك لجأ خالد وزملاؤه إلى أصدقائهم في اليمن ممن لديهم أصدقاء أو مقربون لديهم حسابات بنكية سعودية. ويشير خالد إلى أن عملية تحويل الأموال تأخذ وقتا طويلا، إلا أن ذلك لم يكن الهمّ الأكبر بالنسبة لهم، بقدر اهتمامهم بعملية الخصم، إذ يخصم كل وسيط نسبة من هذه المبالغ تصل أحيانا إلى 20 في المئة من مجمل المبلغ الذي حصل عليه.
حصل معدا التحقيق على نحو 70 صورة لإشعارات وإتمام تحويلات مالية أرسلها طلاب سعوديون لطلبة يمنيين خاضوا الامتحانات بدلا عنهم.
تتراوح المبالغ المتفق عليها بين 30 – 230 ريال سعودي (8 – 60 دولار) لامتحان مادة واحدة فقط. قال خالد “لا يوجد رقم محدد لقيمة الامتحان ولكل طالب أسعاره الخاصة”.
دوافع مختلفة ونتائج “مخفية”
تختلف أسباب انخراط طلبة سعوديين ويمنيين في هذه العملية. إذ يقول طلاب سعوديون، إن صعوبة الدراسة عن بعد وضعف أسلوب تنفيذ الامتحان يدفع بالكثيرين للبحث عن مساعدة مقابل دفع المال.
على سبيل المثال، يقول صلاح، طالب في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة الجوف،
إن الوقت غير كافٍ وإن المقرر كان يُدرّس بسرعة، فيما لا يجد الطالب وقتا للتعلم على عكس الحضورية، وكشف عن أن 20 في المئة من زملائه اعتمدوا على غيرهم في الامتحانات الجامعية.
في المقابل، يجد طلاب يمنيون في تأدية الامتحانات عن نظرائهم السعوديين مصدرا جيدا للدخل يعنيهم على التزامات المعيشة الصعبة في ظل الحرب.
قال عماد “البعض يختبر عن 15 إلى 20 طالبا في اليوم الواحد أيام الامتحانات، ويجني من 5 إلى 6 آلاف ريال سعودي (1500 – 1600 دولار) يوميا، وهو مبلغ غير متوقع”.
بدوره، تمكن أمجد من سداد ديون على والدته من خلال تأدية الامتحانات عن بعد. فخلال نصف شهر رمضان 2021، جنى أمجد نحو 18 ألف ريال سعودي (4800 دولار) بعد أن خصّص تلك الفترة لتأدية امتحان مقرر اللغة الإنجليزية بمساعدة صديقه (أستاذ جامعي)، إذ استطاع خلالها قضاء دين والدته وإصلاح غرفة في منزله، وإعلان خطوبته.
بدوره، يعتقد محمد الملحم، رئيس البحوث العلمية في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي التابع لشركة “أرامكو” السعودية، أن مشكلة الغش موجودة أيضا في التعليم الوجاهي ولا يعني وقوعها بشكل أكبر في التعليم عند بعد أن يزداد ضعف المخرجات كثيرا.
واضاف: “أعتقد أن إجراءات التعليم المترتبة على جائحة كوفيد-19 اجتهادية لظرف غير مسبوق، فلا يجوز التعسف في تقييمها دون النظر إلى طبيعة الموقف وحداثة خبرة المؤسسة التعليمية في تطبيقها”.
وأوضح الملحم أن ضعف المخرجات لا يحدث بسبب وجود حالات الغش، لكنه يرتبط أكثر بضعف التدريس، وعدم انسجام المناهج، وغياب الجانب التطبيقي خاصة في مجالات الهندسة والعلوم، ومع وجوده بصورة شكلية في برامج التدريب التعاوني والصيفي، تنشر خيوط هذا التحقيق بالتزامن مع شبكة أريج للصحافة الاستقصائية