الحديدة.. صيف حار بدون كهرباء
الحديدة – محمد المخلافي
“الحرارة مرتفعة جدًا هذهِ الأيام، أخلع قميصي وأنام على الرصيف، لكن ماذا عن الأطفال والنساء في المنازل، إنهم يعانون بصمت، لا ماء نظيف ولا كهرباء”. بهذهِ الكلمات يختزل الأربعيني أحمد هادي معاناته مع درجة الحرارة المرتفعة وانقطاع التيار الكهربائي منذُ العام 2015، وارتفاع تكلفة الطاقة التجارية الخاصة.
ويقول هادي، أحد سكان منطقة الكدف “لا أستطيع النوم وأنا في السطح بسبب ارتفاع درجة الحرارة بشكل غير مسبوق، والأطفال والنساء الذين بداخل المنزل يعانون أكثر. جلودنا أصبحت أكثر عرضةً للأمراض التي بدأت تنتشر مؤخرًا بسبب حرارة الطقس، وتجاهل السلطة المحلية، وانقطاع التيار الكهربائي، وارتفاع تكلفته التي تعد حملًا ثقيلًا، وخدمة لمن استطاع إليها سبيلًا”.
بالتزامن مع شدة الحار، تعد الكهرباء ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها لتخفيف معاناة القاطنين في الحديدة إذ تصل درجة الحرارة في فصل الصيف إلى 40 درجة مئوية . لكن الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وارتفاع قيمة الرسوم في المحطات التجارية، تسبب بمضاعفة معاناة سكان المدينة التي يسكنها الملايين، وخصوصًا سكان المناطق الساحلية، إضافةً إلى تدهور حالات عدد من المرضى بسبب عجز المستشفيات عن تشغيل المبردات والمعدات الطبية.
وفي حديثه يقول إسماعيل الأحمدي، أحد سكان المدينة: “أغلب السكان من الفقراء وذوي الدخل المحدود يعانون من صعوبة الاشتراك بالكهرباء التجارية بعد أن وصل سعر الكيلو إلى 250 ريالا في محطات التوليد العمومية (الحكومية)”. حيث كان سعر الكيلو وات قبل الحرب 6-9 ريالات. أما الكهرباء التجارية فسعرها مابين 400- 600 ريال للكيلو وات من غير قيمة الإشتراك.
ويرى سكان الحديدة أن الحل الوحيد لإنقاذهم من الحرارة الشديدة، هو توفر التيار الكهربائي بشكل مستمر، وبأسعار مناسبة، لكونهم بأمس الحاجة إليه لتشغيل الأجهزة المنزلية مثل المكيفات وثلاجات التبريد التي تسهم في تخفيف جزء من المعاناة.
مضاعفات صحية
وأدى ارتفاع درجة الحرارة إلى حدوث مضاعفات صحية لعدد من المرضى، معظمهم من الأطفال وحديثي الولادة وكبار السن من الذين يعانون من أمراض مزمنة، إلى جانب تفشي الأمراض الجلدية المختلفة مثل الصنافير والدمامل وأمراض أخرى تسببها الحرارة المرتفعة.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور عبدالله شريف، أخصائي معاينة إن استمرار انقطاع الكهرباء في الحرّ من الأسباب الأساسية لمضاعفة حالات المرضى، ووفاة بعضهم، بخاصة الأطفال الذين لا يستطيعون مقاومة الحرارة، نظرًا لإصابتهم بسوء التغذية، وضعف قدرتهم على التنفس، وكذلك كبار السن ومرضى القلب.
ويؤكد شريف أن الحرارة المرتفعة في المحافظة تهدد بانتشار مخيف للملاريا وحمى الضنك وحالات الاختناق. مشيرًا إلى أن القطاع الصحي في المحافظة لا يملك الإمكانيات الكافية لمواجهة هذهِ الأمراض.
وقد اضطر عدد من السكان القادرين على توفير تكاليف السفر، إلى النزوح إلى خارج المحافظة هربًا من الحر الذي أصبح جحيمًا يهدد حياة المواطنين الذين يعيشون ظروفًا معيشية صعبة أرهقت كاهلهم بسبب الحرب التي بلغت عامها الثامن، وتردي الأوضاع الاقتصادية في بلدٍ يكاد يسقط في براثن أزمة جوع كارثية، حسب الأمم المتحدة.
وتشهد محافظة الحديدة صيفًا ساخنًا يتزامن مع انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع رسوم الخدمة في المحطات التجارية، فضلًا عن الأمراض التي بدأت تنتشر، وتهدد أرواح السكان، وتضاعف مآسيهم.
اجتماع “لتحسين الكهرباء”
في الأحد 12 يونيو 2022 قالت وكالة سبأ الحكومية التي تسيطر عليها حكومة جماعة الحوثي أن إجتماعا ضم مسئولي الكهرباء والسلطة المحلية في محافظة الحديدة لمناقشة تحسين الكهرباء. وقالت الوكالة أن الاجتماع شدد على “رفع وتيرة تحصيل الإيرادات ورفع قدرات التوليد لمحطات رأس كتنيب والحالي.
وتقع الحديدة ضمن مناطق سيطرة جماعة الحوثي بالرغم من قتال عنيف شهدته الأجزاء الجنوبية للمحافظة مع قوات محلية تعرف بالقوات المشتركة التي يديرها التحالف بقيادة السعودية والإمارات. ووصلت القوات المشتركة إلى مشارف مدينة الحديدة في 2018 لكنها توقفت في نهاية العام بعد اتفاق استوكهلم الذي رعته الأمم المتحدة ويدعو إلى خروج القوات العسكرية لكلا الطرفين. ونفذت المشتركة انسحابا أحاديا في الحديدة في نوفمبر العام الماضي دون تنسيق مع الأمم المتحدة الراعية والمشرفة على اتفاق استوكهلم.
مشكلة مزمنة
يعد ضعف خدمات الكهرباء في اليمن مشكلة مزمنة حتى قبل اندلاع الحرب في 2015، حسب ورقة بحثية لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية نشرت في مايو العام الماضي.
إذ أن الإعتماد الكبير على الديزل في توليد الطاقة يأتي ضمن الأسباب الرئيسية لإستمرار ضعف خدمات الكهرباء في اليمن.
ويعد خيار استخدام الغاز وتأهيل البنية التحتية على رأس الحلول المتاحة لإصلاح منظومة الكهرباء في اليمن.
وقبل الحرب لم يكن يحصل إلا أقل من نصف عدد السكان في اليمن على الكهرباء بحسب الورقة نفسها. لكن الحرب قد أخرجت منظومة الكهرباء الحكومية بشكل كلي في بعض المحافظات وظهرت الطاقة التجارية المعتمدة على استخدام الديزل أيضا لتوليد الكهرباء. وشكل الإنفلات الأمني في فترة قبل الحرب عقبة كبيرة لتشغيل الطاقة في اليمن بقدرتها الفعلية إذ كانت تتعرض أبراج نقل الكهرباء لإعتداءات شبة يومية. وبعد الحرب انهارت الشبكة الوطنية للكهرباء. في الوقت الراهن لا تعمل محطات الكهرباء الحكومية بكامل طاقتها الفعلية إما بسبب مشاكل فنية أو بسبب نقص الوقود اللازم، حسب المصدر نفسه. منذ اندلاع الحرب يستخدم السكان الطاقة الشمسية والطاقة التجارية للحصول على الكهرباء. في نهاية 2019 بلغ عدد مستخدمي الطاقة الحكومية 12% من إجمالي السكان، حد قول الدراسة نقلا عن مسح أجراه البنك الدولي، بحسب المشاهد.