الصراع في اليمن وظاهرة العنف الأسري
صنعاء – بشرى الحميدي
أثر الصراع في اليمن على سلوكيات الأسر اليمنية، وبرزت في الآونة الأخيرة ظاهرة العنف التي يمارسها بعض من الأفراد على أقاربهم، إذ يرجع بعض الباحثين والسياسيين الأمر إلى الحرب التي تؤثر على سلوك الفرد.
وقال أستاذ الفكري التربوي في جامعة صنعاء، الدكتور أحمد محمد الدغشي، في حديثه إن الأسرة تجد نفسها مضطرة إلى أن تتجاهل الوضع القائم نظرًا لأنها لا تجد قوت يومها، ولأن حياتها الاقتصادية أو المعيشية أصبحت بيد جماعة.
وفي هذه ينجر الشخص وراء الجماعة ومطالبها وأهدافها ومسلكياتها، فيقع في العنف، حد تعبير الدكتور الدغشي.
ووصل العنف الأسري إلى مرحلة القتل، إذ باتت حوادث قتل ولد لأبيه أو أم لأولادها متكررة في مدن يمنية، والتي كانت آخرها في صنعاء، إذ أقدم شاب، في منتصف الشهر الماضي، على قتل والده وشقيقه وزوجة والده.
الحرب تدمر الأخلاق
وتعمل الحروب على إفساد الأخلاق، وتغير الأمزجة، وتظهر في الناس أسوأ ما في النفس البشرية من التوحش والهمجية والعنف والإرهاب، وفق الكاتب والباحث السياسي ثابت الأحمدي، مؤكدًا أنه لا فرق بين مجتمع متحضر أو مجتمع متأخر.
وقال الأحمدي إن الكل في تذمر أثناء الحرب، والكل متوجس من الكل؛ لذا فأطفال الحرب هم غير كل الأطفال الذين يولدون ويترعرعون في مجتمع اللاحرب، وإن شهدوا حروبًا بعد ذلك في كبرهم.
وفي مجتمع الحرب يمارس السياسي العنف على من دونه، فيمارس هذا الضحية العنف من جهته على من تحته من العاملين أو الموظفين، وبدورهم فإنهم ينقلون هذه المتوالية إلى محيطهم العائلي فالمجتمعي، ومن ثم تصبح البيئة العائلية أو المجتمعية بيئة عنف وكراهية وإرهاب، حد تعبير الأحمدي.
بدوره، قال الباحث والكاتب، فهد سلطان، إن الحرب واحد من الأسباب الرئيسية التي تؤثر على سلوكيات الناس، بما تتركه من أثر على حياتهم كلها، فهي تمدهم بقدر كبير من القلق، وتؤثر على استقرارهم وعلى حاضرهم ومستقبلهم، وتمد المجتمع بفائض العنف الذي يجعل الشخص في توتر دائم، ولا يجد مكانًا لتفريغ هذا العنف سوى المقربين إليه، ويبدأ ذلك من الأسرة.
وأكد سلطان أن الحياة كلها من حول الناس تصبح بيئة مناسبة للعنف، فالقانون يغيب في هذه اللحظة، وتحضر فقط قوة الشخص، وهنا تنمو العصابات على حساب الدولة وقوانين الأفراد على حساب القانون العام، كما أن الجانب القبلي يتداخل بشكل كبير، والذي يعظم من شأن المقاتل على حساب المرأة، ومن شأن القريب على حساب البعيد، بما يجعل الحياة كلها خوفًا وحذرًا، وبالتالي يصبح العنف هو الخيار الاضطراري بين الناس، سواء داخل الأسرة أو خارجها.
أجواء مشحونة بالعنف
“ما تفعله الحرب في الناس أشبه بما تفعله الزلازل في الأبنية، فكلاهما يفكك الروابط، ويجعل البنيان آيلًا للسقوط، والمجتمع ما هو إلا مجموعة علاقات وروابط، ومعظم علاقاتنا الاجتماعية هي في الأساس هشة من زمن السلم، وتنكشف هشاشتها في أوقات الأزمات”، كما قال الباحث عصام القيسي، مضيفًا أن الاستقرار يوهم المجتمعات أنها على ما يرام، فتأتي الحرب وتكشف الزيف، بالتالي فالعلاقات القائمة على النفاق تنهار، والعلاقات القائمة على المنفعة وحدها تنهار.
وتابع: “هناك نوع آخر من العلاقات تتعرض للتفكك هذه المرة داخل النفس، فيما تنهار كل المسلمات والقناعات التي بنيت في أوقات السلم في أول أزمة كبيرة، وهذا يؤدي إلى شعور بفقدان الطمأنينة، والخوف من كل شيء، والخوف بطبيعته عامل من عوامل الدمار النفسي والاجتماعي”.
ووصف الكاتب والسياسي ياسين التميمي، الحرب بأنها خلقت أجواء مشحونة بالعنف، لأنها قللت إلى الحد الأدنى من فرص الأفراد والعائلات في الوصول إلى متطلبات الحياة الضرورية، الأمر الذي خلق ضغوطًا هائلة تتفجر في الغالب في صور من العنف الاجتماعي الذي يتجلى في أخطر مظاهره في ما يسمى العنف الأسري.
وأشار التميمي إلى أن الحرب وصور الدمار والموت تخلق لوحدها ارتدادات سلبية على سلوك الناس الذي يصبح عنيفًا للغاية، فتتخلق بيئة عنف شديدة القسوة يشعر بتأثيرها المجتمع بكامله.
وأكد أن الحرب قد ضيقت من أفق التفكير لدى الناس، وخلفت إحباطات هائلة لديهم، ومن المؤسف أن العنف الأسري الذي يتعمق بصورة أكبر ضمن دائرة العنف العام هذه، سرعان ما يتحول إلى حرب قائمة بذاتها، مكلفة ومدمرة للأسر والعائلات.
ودعا التميمي إلى تبني برامج فعالة لإعادة التأهيل، التي من شأنها أن تخفف من مستويات العنف الأسري، وكذلك سن قوانين وفرض ضوابط وإجراءات للحد من العنف الأسري الذي سيبقى ظاهرة اجتماعية تتغذى من أشكال التحولات الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية، بحسب المشاهد.