الموظفون النازحون يواجهون تمييز وتعسفات الخدمة المدنية
عدن – سامي عبدالعالم
منذ الـ12 من شهر مايو 2022، بدأت وزارة الخدمة المدنية والتأمينات في الحكومة المعترف بها دوليًا، صرف العلاوات المتأخرة لموظفي القطاع العام للأعوام من 2014 وحتى 2020، بأثر رجعي.
وأعلنت الوزارة صرف علاوات 10 جهات حكومية خلال 12 و24 مايو، فيما تواصل استكمال ترتيبات صرف علاوات باقي الجهات والمؤسسات الحكومية.
غير أن عملية الصرف الجارية للعلاوات استثنت شريحة هامة وهم الموظفون النازحون جراء الحرب، يفوق عددهم 100 ألف موظف، على نحو يحرمهم من حقوقهم ومن صفتهم كجزء من موظفي القطاع العام رغم تضمينهم في الموازنات الخاصة بالعلاوات.
ويقول الموظفون النازحون ومجموعات تتحدث باسمهم، إنهم عرضة لانتهاكات ممنهجة وإقصاء وحرمان من الحقوق بصورة متعمدة من قبل وزارتي الخدمة المدنية والمالية، ولاعتبارات متعددة، من بينها أن غالبيتهم من المحافظات الشمالية، ما يجعلهم مستهدفين من قبل وزارة كالخدمة المدنية يترأسها وزير ينتمي للمجلس الانتقالي الجنوبي.
ولم تعلن وزارة الخدمة المدنية رسميًا أسباب استثناء الموظفين النازحين من العلاوات حاليًا، كما لم تعلن سبب عدم منحهم زيادة الـ30% على الرواتب، والمعتمدة من قبل الحكومة، ويتم صرفها منذ عام 2018.
غير أن مصادر في عدة وزارات تواصل بهم موقع “المشاهد”، بينوا أن الزيادة 30% والعلاوات تصرف للموظفين المداومين فعليًا في الجهات الحكومية، ما يعني أن استثناء الموظفين النازحين لأسباب تتعلق بالدوام، غير أن الوزارة، بحسب المنتقدين لسياساتها، لا تراعي ظروف الحرب.
وكانت وزارة الخدمة المدنية أصدرت تعميمًا في وقت سابق، ينص على ضرورة حضور الموظفين النازحين للتوقيع على حافظة دوام في مكاتب الخدمة المدنية بالمناطق المحررة يومين في الأسبوع، وقد قوبل برفض في أوساط بعض الموظفين النازحين، بخاصة من هم في المحافظات غير المحررة.
ويبدو أنه تم تجاوز هذا الإجراء وإلغاء العمل به، واستثناء الموظفين النازحين بالكامل كحل سهل، البعض يرى أن وجود عدد كبير من الموظفين النازحين في المحافظات غير المحررة، هو سبب عرقلة الزيادة الـ30% على الراتب والعلاوات.
وحتى اليوم لم تقدم الخدمة المدنية أي بدائل للموظفين النازحين أو تعلن رسميًا عن الإجراءالسابق بضرورة حضورهم لتوقيع حافظات دوام لدى مكاتب الخدمة المدنية في المناطق المحررة.
نهب متعمد
بالنسبة لملتقى الموظفين النازحين، وهو من أهم الكيانات التي تشكلت طوعيًا للدفاع عن قضايا وحقوق الموظفين النازحين، فإنه يؤكد على “عدم وجود مبرر لوزارتي المالية والخدمة، وأن استثناء الموظفين النازحين تصرف متعمد”.
وقال محمد العزيزي، عضو الملتقى “لا يوجد مبررات لدى وزارتي الخدمة المدنية والمالية، وإنما هناك تعمد من قبل حكومة الدكتور معين عبدالملك، ممثلة بوزيري المالية والخدمة المدنية، باستثناء الموظفين النازحين من حقوقهم سواء بصرف رواتب من تبقى منهم بدون راتب، أو صرف بقية الحقوق لمن يستلم مرتباته مثل الزيادة الممثلة 30%، وكذا افتعال الصعوبات والمعوقات لصرف الرواتب التي قد تتأخر أربعة أشهر، وأحيانًا تصادر من المصارف قبل أن يستلمها الموظف وبعض الوزارات، ووصل بهم الظلم أن ينزل الموظف من محافظات بعيدة كحضرموت وتعز والضالع ومأرب وأبين، إلى عدن، من أجل ملاليم الراتب”.
تعسفات ممنهجة
ويرى العزيزي أن التعسفات الجارية تتم بشكل ممنهج، ويقول: “آخر هذه التعسفات استثناء الموظفين النازحين، ومعظمهم من أبناء المحافظات المحررة، من العلاوات والتسويات والزيادات المزمع صرفها للموظفين”.
وباسم ملتقى الموظفين النازحين ناشد العزيزي، قيادة المجلس الرئاسي ومجلسي النواب والشورى ورئيس الحكومة، وقف هذه التعسفات لوزيري المالية والخدمة المدنية، تجاه الموظفين النازحين، وكذا معالجة ملف مرتبات موظفي الدولة اليمنية عمومًا، حتى لا يبقى هذا الملف عرضة للابتزاز السياسي والتعامل العنصري المقيت الذي يزيد من تمزق النسيج الاجتماعي الوطني في مواجهة الانقلاب واستعادة الدولة.
اعتماد في الموازنات ومنع الصرف
الغريب في موضوع الزيادات والعلاوات المتعلقة بالموظفين النازحين، أنها معتمدة ومتضمنة في الموازنات، غير أنه يتم منع صرفها من قبل وزارتين، هما الخدمة المدنية والمالية.
بالنسبة لوزارة المالية، بعث “المشاهد” أسئلة واستفسارات عبر تطبيق “واتسآب” إلى أزال فاروق، مدير مكتب وزير المالية وسؤاله عن أسباب استثناء الموظفين النازحين من العلاوات، وما إذا كان هناك دوافع مناطقية وراء ذلك، كما يقول ملتقى الموظفين النازحين في بيانات سابقة، وكان رده أن “هذه الاستفسارات يجب أن تطرح على الجهة المعنية، وهي وزارة الخدمة المدنية”.
وقد حاولنا التواصل مرارًا بالمعنيين في وزارة الخدمة المدنية، بدءًا بوكيل في الوزارة استقبل الرسائل عبر واتسآب ولم يرد عليها، كما تم الاتصال هاتفيًا بمسؤولة ملف الموظفين النازحين في وزارة المالية منى باماجد، غير أنها لا ترد على الهاتف ولا على الرسائل.
مصدر في الوزارة، رفض ذكر اسمه، يبدو متعاطفًا مع قضية الموظفين النازحين، قال “الماليه والخدمة لا يعملون لصالح النازحين، وأنا أؤكد لك أنه لن يتم صرف العلاوة السنوية للنازحين حتى لو أدرجت في الموازنة”.
وأضاف: “الذي يجعل فترة صرف المرتبات 15 يومًا في البنك، ويعمل تعميمًا بحضور الموظفين النازحين للتوقيع يومين في الأسبوع، لا يمكن أن يصرف لهم أي مستحق غير الراتب على عام 2014”.
مناشدات واحتجاجات دون جدوى
من جانبهم، صدرت عن الموظفين النازحين وعدة مكونات معبرة عنهم مناشدات عديدة للرئاسة والحكومة ووقفات احتجاجية في عدن وبيانات، غير أن الحكومة لم تولي أدنى اهتمام يذكر لكل ذلك.
كما أن معظم المسؤولين المعنيين في مختلف الوزارات يتجنبون الإدلاء بأي تصريحات بشأن قضية الموظفين النازحين، وحتى الرد على الاستفسارات.
على صفحة التحالف المدني للموظفين النازحين على “فيسبوك” (تضم الصفحة أكثر من 5000 مشترك، معظمهم من الموظفين النازحين، ويتم تداول قضايا النازحين بشكل مستمر)، تم خلال مايو 2022 تداول ردود اثنين من وكلاء الوزارات دون ذكر اسميهما، تم التواصل بهم من قبل صحفيين نازحين يعملون لدى وزارة الإعلام والثقافة والسياحة، وتم التواصل عبر واتسآب.
أحد الردود لوكيل في وزارة المالية قال إنه “تم استيعاب العلاوات وزيادة الـ30% للموظفين النازحين في الموازنات”، مضيفًا: “نحن لن نرضى بالظلم أبدًا”.
غير أنه وحتى اليوم تبين أن العلاوات في الجهات الحكومية، ومنها وزارات كوزارة الإعلام والثقافة والسياحة، تم صرفها، باستثناء الموظفين النازحين، وهو ما اعتبر انتهاكًا لحقوقهم من قبل التحالف المدني للموظفين النازحين وملتقى الموظفين النازحين وجهات أخرى.
الموظفين النازحين في عدن
الحرمان من العلاوات شمل الموظفين النازحين المتواجدين في العاصمة المؤقتة عدن. كما شمل موظفين جنوبيين أسماؤهم مدرجة ضمن قوائم الموظفين النازحين، ويبدو ذلك من نقاشات على صفحة التحالف المدني للموظفين النازحين ردًا على أحد المنشورات، ذكر أن الزيادات والعلاوات تصرف للجنوبيين فقط، مما يشير إلى أن قرار صرف العلاوات انفصالي بحت. بعض المعلقين، ومنهم موظفة نازحة من الجنوب، ذكروا أن ذلك غير صحيح، وأنهم ضمن الموظفين النازحين محرومون من الزيادة والعلاوات. ويقول الصحفي باسل عبدالرحمن، وهو أحد الموظفين النازحين في عدن “إن المشكلة تبدو معقدة أكثر إذا علمنا أنه ليس هناك أي مجال يسمح للموظفين النازحين بترتيب وضعهم رسميًا لمساواتهم ببقية موظفي القطاع العام”.
وبحسب ما تم تداوله على صفحة التحالف المدني للموظفين النازحين في “فيسبوك”، واستنادًا لتواصل أحد الصحفيين بوكيل إحدى الوزارات دون ذكر اسمه، أفاد المسؤول الحكومي أن مسمى الموظفين النازحين وكل من أدرج تحت هذا المسمى غير موجود، “موجود عندنا في ديوان الوزارة بعدن، لم يتم إدراجهم في العلاوات السنوية، العلاوات اعتمدت لموظفي المناطق المحررة، وملفاتهم الوظيفية لدى وزاراتهم في عدن”.
ويقول العزيزي إن أسماء الموظفين النازحين لا تصدر ضمن الجهات الحكومية التي هم موظفون فيها، وإنما مازالت كشوفات النازحين تعمل وتصدر من الخدمة والمالية، وليس من الجهات، وهذا ما يعوق معاملتهم بالمثل أسوةً بموظفي القطاع الحكومي، وهو ما يعني أيضًا انتقاص حقوقهم وتعسفهم وعدم معاملتهم كأنهم موظفون حكوميون كغيرهم، وهذا تمييز وانتهاك لا يتوافق وظروف الحرب الجارية”.
علاوات لفئات حصرية
وكانت وزارة الخدمة المدنية والتأمينات أعلنت في 12 مايو عن بدء إطلاق العلاوات السنوية لموظفي وحدات الخدمة العامة على المستويين المركزي والمحلي والوحدات، المؤجلة للأعوام 2014- 2020.
شملت المرحلة الأولى 5 جهات حكومية، كما تم إطلاق 5 جهات حكومية أخرى في تاريخ 24 مايو، ضمن عملية مستمرة. وقال محمد الحداد، مساعد وكيل قطاع الأجور في الوزارة، في تصريح صحفي تداولته وسائل الإعلام، قال إن بدء إطلاق العلاوات السنوية شمل المرافق والمؤسسات الحكومية التي استكملت بيانات موظفيها بشكل كامل”.
وفيما تؤكد الوزارة حرصها على صرف علاوات المرافق الحكومية التي تستكمل بيانات موظفيها أولًا بأول، لم تأتِ على ذكر وضع الموظفين النازحين بأي شكل كان.
الحكومة تكيل بمكيالين
محمد علي هو مدير عام في وزارة الإعلام والثقافة والسياحة -قطاع السياحة، بعد دمجها حاليًا، وهو أحد النازحين من صنعاء إلى عدن، بسبب الحرب، يبدي استغرابه من مسألة الكيل بمكيالين من قبل الحكومة، وتعسفها لشريحة كبيرة من الموظفين، وقال إنه “من المستغرب أن الحكومة تكيل بمكيالين، فهي تعتبر حكومة لكل اليمن، ولكنها تتعامل مع الموظفين بمسميات نازح ومحرر، بحسب الحالة العسكرية للواقع الذي هو من نتائج ما وصلت له البلاد بسبب الحرب والحكومة هي التي تفسر القوانين حسب مزاج من يديرون شؤون الدولة”. وأضاف: “نطالب الحكومة بتطبيق قوانين الدولة دون تسيس. كلنا موظفو دولة”.
مواطنون درجة ثانية
بعض الموظفين النازحين، بخاصة في قطاع التعليم، ممن انتقلوا إلى المناطق المحررة، يعملون ويداومون في عملهم، غير أنهم لا يستلمون زيادة الـ30%، وتم اسنثناؤهم من العلاوات.
هاشم عبدالوارث العبسي، أحد التربويين النازحين في عدن، من موظفي ديوان وزارة التربية والتعليم، يقول “شعور مرير وقهر أن تعمل وتداوم يوميًا بالمحافظات والمناطق المحررة، كموظف نازح، جنبًا إلى جنب مع زميل لك وموظف محسوب على المحافظات والمناطق المحررة، فتجد أن زميلك يستلم الزيادة ال30% (غلاء المعيشة) منذ أربع سنوات، وتحديدًا منذ إقرارها واعتمادها في سبتمبر 2018، وأنا لا أستلم الزيادة لأني نازح.”
والآن سوف يستلم العلاوات السنوية منذ 2014 وحتى 2020، وأنا لن أستلمها؛ وكأني مواطن من الدرجة الثانية رغم أني ملتزم بالدوام أكثر من بعض أولئك الذين يتسلمون زيادة غلاء المعيشة والعلاوات”.
ويؤكد باسل عبدالرحمن، أحد الموظفين النازحين أن “كثيرًا من الموظفين النازحين، وبخاصة المعلمين التربويين، يداومون بوزارة التربية والتعليم وبالمدارس في عدن وغيرها، لم تشملهم الـ30% الزيادة غلاء المعيشة منذ سبتمبر 2918 وحتى الآن، والآن يتم حرمانهم من العلاوات السنوية من 2014 وحتى 2020، ولن تشملهم”.
تمييز في المعاملة ومعاناة
هذا التمييز في المعاملة غير مبرر من وجهة نظر كثيرين، ومن بينهم علي سليمان واصل، نائب مدير عام مكتب التربية والتعليم بمحافظة البيضاء، ورئيس جمعية المعلمين المنقولين والنازحين، إذ يقول “الموظفون النازحون في محافظات ومناطق الشرعية يعانون من ظروف إنسانية ووضع معيشي صعب منذ العام 2017، بسبب عدم انتظام صرف المرتبات، وازدادت معاناتهم بعد تهميش الحكومة وتنصلها من واجباتها تجاه الموظفين النازحين من خلال حرمانهم من الزيادة 30% المقرة من مجلس الوزراء كبدل غلاء معيشة من سبتمبر 2018، والعلاوات السنوية الجاري صرفها بالمحافظات الخاضعة للشرعية، والتي بدأت تصدر بها فتوى من وزارة الخدمة المدنية، وامتنعت وزارة المالية عن صرفها للموظفين النازحين بحجة مبررات واهية، حيث أصبح الموظفون النازحون في ظل هذا الوضع الاقتصادي الصعب، عاجزين تمامًا عن توفير أبسط متطلبات المعيشة من مأكل، مشرب، ملبس، وإيجارات الشقق والمنازل المستأجرة”.
مطالب الموظفين النازحين
إلى ذلك، تستمر مطالبات الموظفين النازحين بمعاملتهم أسوةً بباقي موظفي القطاع العام، وقد صدر بيان عن ملتقى الموظفين النازحين وجمعية المعلمين المنقولين والنازحين ولجنة التربويين النازحين وتكتل الموظفين النازحين، دعا “مجلس القيادة الرئاسي إلى وقف التعسفات المناطقية التي تمارسها وزارتا المالية والخدمة المدنية، بحقهم، مطالبين بصرف رواتب ومستحقات كافة موظفي الدولة”.
وجاء في البيان أنه “بينما تجري الترتيبات لصرف العلاوات السنوية منذ عام 2014، علمنا من مصدر في وزارة المالية أن هذه الترتيبات تشمل الموظفين النازحين ضمن الموازنات، غير أن وزارتي المالية والخدمة المدنية والقائمين عليهما رفضوا الرد على استفساراتنا، مما يثير الريبة مجددًا من مساعٍ هادفة لحرماننا من العلاوات رغم تضمينها في الموازنات المقررة كما حدث سابقًا، حيث تم اعتماد الموظفين النازحين ضمن موازنات الزيادة 30%، ولم يتم صرفها حتى اليوم من قبل وزارتي المالية والخدمة المدنية”.
وناشد الموظفون النازحون، في بيانهم، المجلس الرئاسي والحكومة والبرلمان “وقف كثير من التعسفات ضد الموظفين عمومًا، والنازحين منهم على وجه الخصوص، والتي تقوم بها وزارتا المالية والخدمة المدنية.” كما طالبوا بصرف العلاوات والزيادة 30% على الراتب متذ 2018، وبأثر رجعي، بحسب المشاهد.