فتح منافذ طريق تعز.. الملف المؤجل
تعز – فاطمة العنسي
يوحي المشهد العام للصراع في اليمن أن جماعة الحوثي تفرض شروطها على المجتمع الإقليمي والدولي، وتملي عليهم ما تطلق عليه ” قضايا إنسانية”، كان اخرها الرضوخ لشروطهم بفتح مطار صنعاء، والقبول بجوازات سفر صادرة من مناطق سيطرتها، لكنها في المقابل تسقط من التزاماتها القضية الإنسانية الأكثر أهمية ومعاناه وهي فتح المعابر والطرق الرئيسية عن محافظة “تعز”. وهو الملف المؤجل دائما في حسابات ومصالح القوى الإقليمية والدولية التي تغض البصر على مدى ثمانية أعوام مضت عن معاناة ملايين البشر القابعون خلف الحصار الخانق.
يقول المبعوث الاممي لدى اليمن هانس غروندبرغ، ان فتح طريق تعز والمحافظات الأخرى سيكون عبر اجتماع برعاية الأمم المتحدة في عمَّان الأردن، فور تعيين جماعة الحوثي لممثليهم.
مؤكدا في حديث للصحفيين في 17 مايو عقب نقاشات مغلقة مع مجلس الأمن الدولي”، أن فتح طريق تعز يعتبر من أولوياته لاسيما وقد زار المدينة العام الماضي، وشهد ما تعانيه من اغلاق الطرق واطالة مدة التنقل والسفر، لافتا ان إحراز التقدم لإنهاء هذه المعاناة يمثل جزءً أساسيًا من الهدنة.
ورعت الأمم المتحدة عبر مبعوثها هانس غروندبرغ، في أبريل الماضي هدنة إنسانية لمدة شهرين بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين من بنودها فتح منافذ مدينة تعز والمحافظات الأخرى.
وقال غروندبرغ في تغريدة على حسابه الرسمي الموثق في تويتر” أتوقع من الأطراف الوفاء بالتزاماتهم، بما يشمل الاجتماع على وجه السرعة للاتفاق على فتح الطرق في تعز وغيرها من المحافظات في اليمن.”
لكن جماعة الحوثي وعلى لسان متحدثها الرسمي ورئيس وفدها التفاوضي، محمد عبدالسلام تنصل عن الوفاء بالتزامها تجاه فتح طرق تعز. ففي تغريدة له على حسابه في تويتر قال عبدالسلام في 10 مايو بشكل غير مباشر أن ملف فتح طرق تعز هو “اختلاق شروط أخرى وعرقلة لتنفيذ الهدنة.”
وتتضمن بنود الهدنة: وقف العمليات العسكرية في كافة الجبهات وخارج الحدود، السماح بدخول واردات الوقود لميناء الحديدة (غرباً) وتسيير رحلات جوية ذات وجهات محددة سلفا من مطار صنعاء، فتح الطرق في محافظة تعز المحاصرة من قبل الحوثيين.
ويضطر مئات المسافرين يوميا عبور طرق ريفية وعرة ” طريق الأقروض” للسفر للمدينة او قرى أخرى، منذ أن أغلق الحوثيون الطريق الرئيسي في “منطقة الحوبان”، شرق تعز في سبتمبر 2015. ومنذ إغلاق هذا الطريق بات الوصول يستغرق من ست الى خمس ساعات، بعد ان كان من 10 الى 15 دقيقة فقط، في طريق تتلقفهم الكثير من المخاطر متسببة في سقوط ضحايا مدنيين.
يقول الدكتور المحامي عبدالله شداد منسق ملف الأسرى والمعتقلين في محافظة تعز، أن الجميع ينتظر ويترقب إعلان الحوثيين فتح الطريق الذي تم الموافقة عليه من قبلهم كطريق انساني من شمال او شرق المدينة، لاسيما عقب فتح مطار صنعاء، مؤكدا أن فتح المنافذ لا يحتاج إلى مفاوضات قادمة وانما يحتاج الى وفاء بإعلان جاهزية فتح الطريق والسماح للمدنيين العبور منها.
وقال شداد “أن الهدنة المتفق عليها بين الحوثيين والحكومة اليمنية أتت عقب صراع دامي استمر لسنوات لذا فمن الطبيعي التأخير في تنفيذ البنود كم أنه من الممكن أن يحدث اختراق لبعضها.”
ويقول “تأخر فتح طريق تعز يأتي بسبب تخوف الحوثيين من تقدم قوات الشرعية نحو الحوبان وأي تجاوز للحواجز المليئة بالألغام يعني نهاية استمرارسيطرتهم في تعز.”
مضيفا ” الحوثيون لا يجرؤون على قول هذا، كونهم يدعون انهم قادرون على الوصول الى شارع جمال، ولم يثنيهم من ذلك سوى عدم رغبتهم السيطرة على المدينة وذلك على خلاف الواقع بمحاولاتهم المستميتة بين فترة وأخرى الوصول إلى وسط المدينة دون جدوى.”
تنازلات لأجل السلام
في سياق متصل، تحدث أستاذ علم الاجتماع السياسي المساعد في جامعة تعز الدكتور ياسر الصلوي، عن وجود رغبة دولية وإقليمية أكثر من كونها رغبة يمنية، في منح الحوثيين تكريس واعتراف على ارض الوقع، وقد ظهر جليا في فتح مطار صنعاء والسماح بسفر المواطنين الحاملين جوازات سفر صادرة من سلطاتهم في صنعاء.”
ويقول “أن تقديم مزيد من التنازلات لصالح الحوثيين جاء من من أجل التوصل إلى حل يفضي إلى جلب الحوثيين إلى طاوله المفاوضات وبالتالي إحلال السلام في اليمن.”
ولفت الصلوي في حديثة للمشاهد “أن المجتمع الإقليمي يسعى الى تقديم التنازلات من اجل اغراء الحوثي في الانخراط في جولات سلام قادمة ومحاولة لتمديد الهدنة، والعمل على تنفيذ بقية بنودها المتفق عليها.”
منوها في المقابل “الحوثي لا يقدم أي تنازلات مثل فتح طريق منافذ محافظة تعز، لكن تقديم التنازلات المستمر دون وجود أي مبادرات من الطرف الاخر لن يكون مجديا بل سيساهم في فرض نفوذ الجماعة والاعتراف بها على الواقع أكثر.”
وتابع ” جميع القضايا إنسانية سواءا كان فتح مطار صنعاء او فتح منافذ وطرق تعز والمحافظات الأخرى، ولكن الحوثيين يقومون بتسييس الجانب الإنساني دون الاكتراث لما يعانيه المواطنين، محاولين انتزاع تعاطف دولي واستغلال للملفات الإنسانية حسب وجه نظرهم.”
جباية النقاط
من جهتها، اتهمت الناشطة الحقوقية أروى الشميري، سلطات تعز بعدم رغبتها في رفع الحصار عن المدينة كون الحصار يمثل مصدر الدخل الرئيسي لكثير من هوامير الحرب، لذا تسعى باستمرار عرقلة جميع مبادرات فتح الطرق، مؤكده ان فتح الطريق خلال الفترة القادمة يتطلب تغيير من يتحكم بالمشهد السياسي واستبدال قادة سلطة المحافظة عسكريا ومدنيا. حد قولها.
تقول الشميري في حديث مع المشاهد أن محصول نقاط الجبايات الذي تصل الى ملايين الريالات يوميا من المواطنين الدخلين والخارجين الى المدينة لا تشجع السلطات في تعز على المضي قدما في فتح منافذ المدينة.”
الصحفية رانيا عبدالله عبرت عن خيبة أملها جراء التخاذل من قبل الحكومة اليمنية والمجتمع الإقليمي والدولي حول ملف فتح طريق تعز، معتبرة ان القضية قضية إنسانية ولا تقل أهمية عن فتح مطار صنعاء، بالإضافة الى تخاذل بعض الأحزاب المحلية حول القضية، وأضافت في حديث للمشاهد نت ” تنسيق العمل على وقفة احتجاجية داخل المدينة الأسبوع الجاري، للضغط على اطراف النزاع في تنفيذ فتح الطريق تعز، كان مخذولا وليس بالمستوى المطلوب”
وتقول “تغيب عن المشهد الكثير من المسؤولين المحليين ووكلاء المحافظة والمكاتب، والأشخاص المؤثرين في المحافظة، كون المطلب هو مطلب انساني ضروري بحت يعكس حجم معاناة المدنيين على مدى ثمان سنوات، ولكن الامل باقي وسوف نستمر في الحشد عبر الوقفات والحملات الالكترونية للضغط بمطلب أبناء المحافظة حتى يتحقق ما نأمل به”، بحسب المشاهد.