اليمن بين الحرب والزراعة.. توسع زراعة القمح في الجوف
صنعاء – لؤي سلطان
في الشمال الشرقي من العاصمة اليمنية (صنعاء)، تمتد محافظة الجوف، على مساحة واسعة من الأراضي الخصبة الغنية بمواردها الطبيعية، وتربتها الخصبة، ومياهها الجوفية التي تلبي الاحتياج الزراعي؛ الذي يُعدّ القاعدة الأساسية لثبات الهيكل الاقتصادي في البلاد.
خلال فترة الحرب في اليمن، شهدت محافظة الجوف ازدهارًا في المجال الزراعي، حيث توسعت رقعة الأراضي الزراعية على نحوٍ جعلها تتصدر المحافظات اليمنية في إنتاج القمح. المزارع عبدالرب راكان، يؤكد في حديثٍ لـ”خيوط”، أنّ زراعة القمح بمحافظة الجوف تعد نشاطًا موسميًّا، وحاجة ملِحّة، لتغطية الاحتياج المحلي من القمح، عوضًا عن شرائه من الخارج، فضلًا عن جودته المرتفعة.
وتعود زراعة القمح بمحافظة الجوف، بحسب راكان، إلى زمن الآباء والأجداد “الذين كانوا يتوارثونها عبر الأجيال؛ كانوا يزرعون القمح على نهر الخارد، ومع مرور الزمن توسعت الزراعة، وتم حفر آبار واستُخدِمَت الآلات الحديثة، بالترافق مع زيادة الكثافة السكانية، الأمر الذي ساهم في زيادة الأراضي المزروعة بالقمح”.
خبرة يتوارثها الأجيال
وتعدّ الزراعة في محافظة الجوف تجربةً فريدة وخبرةً يتوارثها الأجيال من أسلافهم. حاليًّا يزرع السكان المحليون حسب إمكانياتهم المتفاوتة، إذْ إن البعض يزرع هكتارًا، ثم تتضاعف إلى ثلاثة أو أربعة هكتارات، وينتج كل هكتار _بحسب راكان_ 7 طن من القمح حسب كمية مياه الري، التي تتم بطريق الغمر نتيجة غياب شبكات الري الحديثة، وآلات الحراثة الحديثة.
في السياق، يؤكد الدكتور سمير المشرفي، الأستاذ في كلية الزراعة بجامعة صنعاء، أنّ محافظة الجوف تتميز بمساحات شاسعة وصالحة للزراعة، ومقومات الحياة موجودة حال وُجِدَت استراتيجية من جانب الدولة تُعنى بدعم القطاع الزراعي، ومساندة المزارعين بالتوجيه الصحيح لتحقيق النجاح الزراعي والتنموي والنهضة الذاتية والتنمية الاجتماعية.
وبحسب المشرفي، يكون ذلك باستخدام التقنيات الحديثة للري، ترشيدًا للمياه، وتغطية جزءٍ كبير من الاستهلاك المحلي من الحبوب والخضار والفواكه، منوهًا إلى ضرورة استثمار رؤوس الأموال من جانب القطاع الخاص في هذا المجال، على أن تكون نسبة من العائد للدولة، ونسبة للمستثمر الخاص، الذي عليه شراء المعدات والأدوات اللازمة للزراعة والري.
ويرى المشرفي، أنّ من المهم أيضًا الاستفادة من خبرات المختصين الأجانب، وكذلك وضع شروط ومحددات أسوةً بدول أخرى لجذب الاستثمارات، لافتًا إلى أنّ “من أبرز المعوقات التي يواجهها المزارعون، هي غياب الداعم اللازم في التوسع في زراعة وإنتاج القمح؛ إذْ لا يستطيع المزارع شراء المعدات والتقنيات الحديثة، نظرًا لارتفاع تكلفتها، ذلك أنه في حال توفرت المعدات والتقنيات، سيساهم في زيادة الإنتاج واستثمار الأراضي الشاسعة في محافظة الجوف”.
تراجع في الإنتاج
يعدُّ اليمن بلدًا زراعيًّا، تراكمت لدى أبنائه تقاليد الزراعة كتجربة إنسانية منذ دولة سبأ، التي كانت الزراعة _إلى جانب التجارة_ عاملًا مهمًّا في تشييد حضارتهم العريقة. وحتى منتصف القرن الماضي، لم تكن اليمن تستورد أي كمية من القمح من الدول الأخرى، حيث كان الاكتفاء الذاتي من الحبوب بنسبة 100%.
ومنذ بداية النصف الأول من القرن الماضي، تعرضت زراعة القمح في اليمن لتدمير ممنهج، شاركت فيه عدة عوامل داخلية وخارجية، منها الحرب الأهلية التي دارت بين الفصيل الجمهوري والملكي، إلى جانب دخول القمح المستورد إلى الأسواق المحلية، الأمر الذي أدى إلى تدهور القطاع الزراعي المحلي.
وفي عام 1999، أقرت حكومة عبدالكريم الإرياني الدعم للقمح الأحمر، بعد أن كان قد تم إلغاؤه عام 1997، تنفيذًا لتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فبعث قرار الدعم الأملَ في أن يؤدي ذلك إلى عودة الإنتاج المحلي إلى سابق عهده، ويدفع بالحكومة إلى التحرك نحو تشجيع الاستثمار في زراعة وإنتاج القمح، وتحفيز المزارعين لزراعة أصناف الحبوب الأخرى.
إلا أنّ الأمر لم يكن كذلك، فبحسب بيانات وزارة الزراعة والري في صنعاء، بلغ إجمالي إنتاج اليمن عام 2012، نحو 450 طنًّا متريًّا من القمح ومثلها من الذرة، وفي عام 2017، بلغ الإنتاج 160 طنًّا من الذرة و96 طنًّا من القمح.
الباحث الاقتصادي رشيد الحداد، يرى أن تراجع إنتاج القمح في اليمن، يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، حين منحت الولايات المتحدة اليمن شحنتين من القمح وزَّعتهما الحكومة بالمجان على الشعب، مما أدّى إلى خسارة المزارعين إيراداتهم المتوقعة، وجعلهم عاجزين عن الاستمرار في زراعة القمح، إلى جانب سياسة البنك الدولي والصندوق الدولي.
أمن غذائي قومي
يؤكد الحداد أن “القطاعَ الزراعي في اليمن واحدٌ من أهم القطاعات الاقتصادية، لارتباطه بالأمن الغذائي القومي، ودوره في توفير فرص عمل كثيرة، وأحد القطاعات التي تسهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتجاوز 25% في أحلك الظروف. و”بقاء هذا القطاع دون تنميته، يجعل اقتصاد الدول هشًّا؛ كونه يمثل قاعدة اقتصادية قوية مرتبطة بإنتاج الغذاء”، بحسب الحداد.
وتزداد أهمية هذا القطاع في ظل المتغيرات العالمية، وآخرها الحرب الروسية الأوكرانية التي أثّرت على إمدادات القمح على المستوى العالمي، بما في ذلك اليمن؛ كونه يستورد ما يقارب 3.8 مليون طن من القمح والحبوب من الخارج، الأمر الذي يؤثر _كما يرى الحداد_ على الأمن الغذائي في اليمن، ويتطلب من الدولة التوجه لإيجاد البدائل الوطنية، في ظل وجود الأراضي الخصبة والواسعة القابلة للزراعة وإنتاج القمح في الجوف، وتهامة، وذمار، ومأرب، وأبين، وحضرموت، ولحج، وهناك حاليًّا مؤشرات إيجابية لإنتاج القمح في الجوف وذمار وتهامة، تعيد الآمال لكل يمني بإمكانية التغلب على هذه المعضلة، وتحقيق اكتفاء ذاتي في غضون سنوات قليلة، بحسب خيوط.