الجنوب في مواجهة العاصفة !! بقلم / عبده النقيب
بقلم / عبده النقيب
تعالت أصوات الجنوبيين هنا وهناك في الدعوة لوحدة الصف أو لنقل استعادة وحدة الجنوب الإجتماعية التي حقق فيها الحراك السلمي إنجازا غير مسبوق لم يعرفه الوطن في تاريخه الحديث.
هذه الدعوات لم تأت من فراغ بل هي تعبير طبيعي عن قلق شديد يعترينا جميعا جراء المخاطر التي باتت تطوق عنق الوطن والمواطن وتضع مستقبلهما في مهب الريح.
لم نعد نحتاج إلى جهد كبير لملاحظة أن الجنوب قد ولج منعطفا خطيرا ومرحلة جديدة مختلفة تماما عن تلك التي بدأت في 2015م عند اجتياح قوات الإحتلال اليمني والقبائل اليمنية وما تلى ذلك من نصر جنوبي عسكري كاسح أخفقنا في استثماره سياسيا وعدنا اليوم الى المربع صفر.
إن المعالم الرئيسية التي يمكن أن تتصف بها هذه المرحلة تتمثل في تدخل التحالف العربي في الشأن اليمني وإخفاقه في تحقيق أي مكاسب له أو لليمنيين شمالا وجنوبا . لقد غرق في المستنقع بعد أن أحدث دمارا هائلا في بنية الدولة الجنوبية ومؤسساتها المختلفة والحق أضرارا جسيمة بالبنية التحية ناهيك عن ما سببه للمواطن من معاناة لا توصف والتي عاشها ويعيشها شعب الجنوب كنتيجة مباشرة لهذه السياسات الخاطئة.
ويأتي فشل التحالف الذي يدير الشأن الجنوبي بكل تفاصيله في إقامة سلطة تحظى بأي شرعية تعبر عن إرادة شعب الجنوب قادرة على التصدي لمهمة تمثيل الجنوب والدخول في تسوية قابلة للنجاح سواء على مستوى الجنوب أو مع الطرف اليمني وهو أمر يشكل خطرا جسيما قد يؤدي الى انزلاق الجنوب في حرب أهلية حال انسحاب قوات التحالف الذي يبدو انه يعد لهذا ويحاول الخروج من المستنقع الجنوبي والعودة الى الإستراتيجية القديمة في إدارة الشأن اليمني عن بعد من خلال إعداد وشراء الولاءات وصناعة كيانات هزيلة تتولى إعاقة أي جهود وطنية تسعى لبناء الدولة وإحداث تنمية وهو ما يحقق له التدخل المريح كما فعلت المملكة العربية السعودية في اليمن خلال نصف قرن.
وتأتي عملية صمود الحوثيين في مواجهة الحملة العسكرية للتحالف وتحقيق نجاح منقطع النظير في تثبيت الأمن والاستقرار لتؤدي إلى حدوث متغيرات جذرية في الموقف الدولي نحوهم واعتبارهم سلطة امر واقع كمستجد لا يمكن تجاوزه. يضاف الى ذلك المتغيرات الإقليمية والدولية الكبيرة والتي خلقت وضعا سياسيا مختلفا يمكن أن تتعاطى معه مختلف أطراف الصراع اليمني في حل خلافاتها سواء مع بعضهم أو مع الوجود الإقليمي العسكري وتدخله في الشأن اليمني ككل.
إن طبيعة المرحلة تتطلب منا كجنوبيين أن نقرأ هذه المتغيرات ونحللها بعمق حتى نستطيع استخلاص المهام الضرورية التي يفرضها هذا التحول وهي لا شك هم جنوبي عام. هذه المهام التي ازعم أنها تختلف جذريا عن تلك التي تصدى لها الحراك السلمي أو المقاومة الجنوبية قبل وبعد حرب ربيع 2015م في شعاراتها وأولوياتها.
إن الفشل في إيجاد تسوية ووضع حد للحرب الممتدة والمدمرة بعد كل هذه التضحيات يضعنا أمام مفترق طرق حيث تبدو الحرب الأهلية تمزق الوطن جغرافيا واختفاء الدولة أو أجزاء مهمة منها تشكل مخاطر حقيقة ممكنة الحدوث وهذا يفرض على كل الجنوبيين بمختلف مشاربهم ورؤاهم السياسية وانتماءاتهم المناطقية أن يضعوا مهمة الحفاظ على وجود الوطن موحدا كمصلحة وطنية عليا وأولوية لكل جنوبي بعيدا عن كل الحسابات الفئوية الضيقة.
لا شك أن تجربة عقود من الصراعات الجنوبية المدمرة قد أوجدت لدينا قناعات راسخة بأن عدم القبول والإستماع للآخر والتعصب أدى إلى شيوع ظاهرة التسلط باسم الوطنية والثورجية وإقصاء الآخر ووصمه بالخيانة والتآمر وهي ثقافة وسياسة أدت بنا جميعا الى هذه المآلات المؤسفة ، وإن الصعوبات الاقتصادية لم تكن سببا في تكرار وتوالد الصراعات بنفس الآلية بل إن ثقافة التسلط والإقصاء كانت سببا في إعاقتنا في إحداث تنمية حقيقية وإخفاقنا في استثمار الموارد الطبيعة والبشرية الضخمة وجذب رأسمال الوطني الجنوبي.
إن استخلاصنا وفهمنا لأسباب إخفاقنا في الماضي يقودنا إلى البحث عن مخارج ناجعة ومختلفة تماما وهي ممكنة تقوم على قاعدة أن الوطن يتسع لكل أبنائه وأننا أمام مخاطر تهدد مصيرنا جميعا ولا قبل لنا بمواجهتها إلا بوحدة وطنية متينة.
هكذا تبدو لنا جميعا بمختلف مشاربنا محاولات قيادة الوطن وإدارته بشكل منفرد برؤية أحادية متعصبة تؤدي الى تمزيق النسيج الإجتماعي وسقوط الوطن والدولة في براثن التدخلات الخارجية والأطماع الإقليمية والدولية وهو ما يفرض علينا الاعتراف بأن وجود الرؤى المختلفة والمصالح المتناقضة أمر طبيعي علينا أن نقبل به ونتخلى عن ثقافة الإقصاء والتعصب اذا ما أردنا تحقيق وحدة وطنية جنوبية.
وأخيرا تبدو لنا شاخصة بأن الوحدة الوطنية هي القاعدة الأساسية التي نتكئ عليها في معركتنا للحفاظ على وجود الدولة الجنوبية والحفاظ على سيادة الوطن وسلامة أراضيه وهي أولية تطلب منا الإصطفاف والتوحد لإنجازها والحفاظ عليها بعيدا عن أي حسابات ضيقة ثم ننطلق في مرحلة لاحقة باتجاه حل مهماتنا السياسية والإقتصادية والثقافية وفقا لقاعدة الشراكة الوطنية والتوافق الوطني الجنوبي وذلك هو طريقنا الأوحد لبناء الدولة وإحداث التنمية والإستقرار والرفاه للمواطن التي لطالما تطلعنا لتحقيقها جميعا.