الأطفال المصابون بسوء التغذية في اليمن.. معاناة مستمرة في ظل وباء كورونا
تعز – خالد سعيد الحاتمي
في بلدٍ أنهكه الحرب منذُ ما يزيد عن سبع سنوات، ينحدرُ يومًا بعد آخر نحو مجاعة حتمية تهدّد ملايين الأشخاص، ويعاني من أسوأ أزمةٍ إنسانية في العالم بحسب “الأمم المتحدة”، أشباح الموت تترصد بالأطفال من كل الاتجاهات.
في ظل الحرب الدائرة في اليمن منذُ مارس 2015، وفي الوقت الذي يحتاج فيه الأطفال المصابون بسوء التغذية إلى مزيد من الرعاية الصحية، مثّل ظهور وباء كوفيد-19 معاناة أخرى، وشبحًا مُخيفًا يترصد أطفال اليمن المصابين بسوء التغذية، مما اضطر الكثير من أولياء الأطفال إلى تجنب الذهاب إلى المستشفيات والمراكز الصحيّة، خوفًا من الإصابة بالفيروس، وهو ما شكل عبئًا إضافيًّا على الأطفال المصابين بسوء التغذية.
ففي محافظة تعز (جنوبي غرب اليمن) التي تصدرت المعاناة الإنسانيّة، كان للأطفال المصابين بسوء التغذية، النصيب الأكبر من المعاناة المريرة، في ظل انتشار الوباء، نتيجة خروج 60% من المستشفيات والمراكز الصحيّة في المدينة من الخدمة، واشتداد وتيرة الصراع، ومنع دخول الأدوية والمواد الطبيّة، بسبب الحصار القائم على المدينة منذُ بداية الحرب في اليمن.
هناك بين صالات “مستشفى المظفر” بمدينة تعز وأقسامه المختلفة، وهو المستشفى الأهم المتخصص في علاج سوء التغذية، مشاهد أليمة لأطفال لم يتبقَّ من أجسادهم سوى جلودهم ملتصقةً على عظامهم، يصارعون من أجل البقاء في بلدٍ أنهكه الحرب، وألمّت به المجاعة.
معاناة مستمرة
افتهان فارع، والدة الطفل كريم شوقي (3 سنوات) الذي يعاني من سوء تغذية حاد، تقول: “ولدي مريض، وظروفنا صعبة، وزاد كورونا غلق علينا المستشفيات”.
وأضافت افتهان لمعد التقرير: كنت أريد أن أعالج ولدي في المستشفى القريب من منطقتنا، لكن لم أستطع بسبب إغلاق أبوابه أمامنا، مما اضطرني للسفر 4 ساعات من منطقة التربة -جنوب محافظة تعز- إلى المدينة، ومثلما ترى (تُحدِّث مُعد التقرير) حالتنا صعبة، ولم نجد حتى حليبًا نعطيه”.
وتشير الأرقام في التقرير الأخير بشأن سوء التغذية الحاد للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، الصادر من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، إلى أنّ سوء التغذية يهدد حياة 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة في اليمن، من بينهم ما يقرب من أكثر من نصف مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم.
ويشير التقرير إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد، بالإضافة إلى حوالي 1.3 مليون امرأة حامل أو مرضعة يعانين من سوء التغذية الحاد.
ويتوقع أن يتفاقم الوضع الإنساني في اليمن خلال الفترة من يونيو إلى ديسمبر 2022، إذ من المحتمل أن يصل عدد الأشخاص غير القادرين على تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية في اليمن، إلى رقم قياسي يبلغ 19 مليون شخص، بحسب منظمة الأغذية والزراعة، وبرنامج الأغذية العالمي، واليونيسف، بعد إصدار تحليل جديد للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) عن اليمن.
عُزوف عن المستشفيات
وتُعد دولة اليمن من أكثر الأماكن خطورة في العالم للأطفال، بحسب “وكالات الأمم المتحدة”، حيث يعاني من ارتفاع معدلات الأمراض المعدية، وعدم توفر الخدمات الصحية للأطفال، وبخاصة في ظل انتشار وباء كورونا.
يقول الدكتور علاء المزهدي، رئيس قسم TFC (رقود سوء التغذية) بمستشفى المظفر: “أثّر انتشار وباء كورونا على الأطفال المصابين بسوء التغذية تأثيرًا بالغًا، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر”.
ويضيف المزهدي لمُعد التقرير: “كنا سابقًا نستقبل الكثير من الحالات المصابة بسوء التغذية، ونقدم لهم الخدمات الصحية الممكنة، ولكن انتشار الوباء وتخوّف أولياء المرضى من الإصابة بالفيروس، قللّ من التوافد على القسم، مما ضاعف من معاناة الأطفال خارج أسرّة المستشفى، وهذا يمثل خطورة على حياة الأطفال المصابين بسوء التغذية، نتيجة عدم حصولهم على الخدمات الصحية”.
انتهاكات ووباء
مآسٍ كثيرة خلفها وباء كورونا “كوفيد-19″، بحق الأطفال المصابين بسوء التغذية، لم تقتصر على إصابة الأطفال بالمرض في ظل الانتشار المُخيف للوباء فحسب، وإنما وصلت إلى حد الانتهاكات بحقهم.
أثناء تواجدنا في قسم TFC (رقود سوء التغذية) في مستشفى المظفر، وجدنا مآسي كثيرة خلّفها الوباء، وعشرات من حالات الانتهاكات التي ترتكب ضد الأطفال من قبل أقرباء الأطفال المرضى الذين ظهرت عليهم أعراض كورونا في القسم.
الطفل “م.ع” مصاب بسوء التغذية، وظهرت عليه أعراض كورونا في القسم الذي يتعالج فيه، كان ضحية انتهاك صارخ من قبل والده الذي حاول معد التقرير الوصول إليه، لكنه رفض الحديث إليه، ولكن بحسب شهادة أطباء القسم، فقد تركه والده مرميًا هناك في أزقة المشفى دون اهتمام عندما علِم أنه مصاب بكورونا، هاربًا دون الاكتراث لوضعه ولا مأساته التي يعيش فيها، واحتياجه للغذاء والدواء، وهي واحدةٌ من عشرات المآسي التي خلّفها وباء كورونا للأطفال المصابين بسوء التغذية.
سوء تغذية وكورونا في آنٍ واحد
“على الرغم من تأخر ظهور أعراض الإصابة بوباء كورونا، على الأطفال المصابين بسوء التغذية، إلّا أنّ هناك حالات أُصيبت بكورونا، وهو ما شكّل عبئًا آخر، ومعاناة أخرى على الأطفال”، هكذا تحدثت الدكتورة منال الشميري، وهي طبيب معالج في قسم TFC (رقود سوء التغذية) في مستشفى المظفر بتعز.
وواصلت الشميري حديثها لـمُعد التقرير: “حتى إنّ هناك من أُصيبوا من الأطفال بالفيروس ورفضَ أقاربهم ترقيدهم في القسم، مما قد يضاعف معاناتهم أيضًا، وقد يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية بشكل أكبر”.
ومن خلال البحث في سياق هذا الموضوع، أفاد أغلب الأطباء الذين صادفناهم أثناء إعداد التقرير، بأنّ أغلب المستشفيات والمراكز الصحية اتجهت نحو الاهتمام بمواجهة كورونا، أو أغلقت أبوابها أمام مُرتاديها خوفًا من تفشي الفيروس، وتركت الأطفال المصابين بسوء التغذية يواجهون مصيرهم المجهول، وقدرهم المحتوم، عائشين بين لهيب الإصابة بسوء التغذية، وجحيم انتشار وباء كورونا.
صعوبات متعددة
إضافة إلى كلّ الصعوبات التي يواجهها الأطفال المصابون بسوء التغدية، في ظل وباء كورونا، يأتي الفقر ليحطّم ما تبقى لهم من بصيص الأمل الذي يبقيهم على قيد الحياة. حيث يصل الحال بالآباء إلى عدم قدرتهم على إحضار أطفالهم إلى المراكز الصحيّة، والخدمات الطبية، ولا يستطيعون تحمّل تكاليف الانتقال أو مصاريفهم الخاصة أثناء إسعاف أطفالهم.
يقول بشير المخمري، رئيس منظمة دروب الأمل للتنمية: “أصبح الوضع في اليمن لا يُطاق، والمعاناة تزيد يومًا بعد آخر؛ نتيجة الحرب والفقر. وما يعانيه الأطفال المصابون بسوء التغذية، جحيم آخر، مع انتشار وباء كورونا، وتضرر المنشآت الصحيّة”.
ويواصل المخمري: “حتى إنّ أغلب المرضى من الأطفال يعجز آباؤهم عن إسعافهم إلى المستشفيات، للكثير من الاعتبارات، وغالبًا ما تكون عدم قدرتهم على تحمّل تكاليف الانتقال، وبُعد الطرق؛ نتيجة إغلاق بعض الطرق الرئيسية بسبب الصراع”،بحسب المشاهد.
(تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا).