قطع الطرقات وأجور النقل تفرق شمل العائلات في رمضان
حسان محمد-صنعاء
انقطعت طقوس رمضانية عائلية اعتاد عليها الأربعيني محمد الزبيري، منذ سنوات، وتوقفت الجلسات والزيارات التي تحييها الأسرة كل عام خلال الشهر المبارك، بعد أن ارتفع سعر صفيحة البنزين 20 لترًا، في بداية الشهر، إلى 30 ألف ريال يمني (تعادل 50 دولارًا أمريكيًا بمناطق الحوثيين) في السوق السوداء، و16 ألف ريال في محطات المشتقات النفطية التجارية، قبل أن تنخفض إلى 12600 ريال.
يسكن الزبيري في صنعاء، ولديه أخوان و5 أخوات، أغلبهم متزوجون، ويعيشون في مناطق وأحياء متباعدة بالمدينة، لكنهم كانوا يلتقون في منزل الأب معظم أيام شهر رمضان المبارك، قبل أن يتوفى والدهم منذ 3 سنوات.
وخلال السنوات الأخيرة لم تتوقف الطقوس، واتفقت الأسرة على تنظيم الجلسات بشكل دوري بين منازل الإخوة، لتلتقي العائلات للعشاء والسهر، إلا أنه خلال هذا العام توقفت تلك الزيارات بسبب ارتفاع أسعار البنزين وغلاء أجور المواصلات، مراعاة للظروف المادية لأفراد الأسرة، كما يقول الزبيري .
ويضيف: “الزيارات العائلية في ليالي رمضان تخلق أجواء من السعادة، ونوعًا من الألفة والتواصل، وتعزز الروابط الأسرية والاجتماعية، لكن الظروف في بعض الأحيان تكون أقوى من الجميع”.
محمد الحكيم هو الآخر كان يخصص كل خميس في رمضان للالتقاء ببقية أفراد أسرته، وتبادل الأحاديث، والاطمئنان على أوضاع بعضهم، لكن ظروفه هذا العام ازدادت صعوبة، واضطر إلى توقيف سيارته، لأنه يرفض أن يقف في طوابير طويلة للحصول على البنزين أو الشراء من السوق السوداء.
وبحسب ما يؤكده الحكيم فإنه لا ينوي أن يقطع الزيارات بشكل تام، لكنه سيضطر إلى التخفيف منها، وسيتواصل مع إخوته وأصهاره لتحديد بعض أيام للقاءات.
اضطراب سوق النفط
يعيش سوق النفط في اليمن اضطرابات واسعة وعدم ثبات في الأسعار، وتظهر السوق السوداء على أرصفة الشوارع بشكل متقطع، واستمرت أسعار البنزين في الارتفاع من 2500 ريال لصفيحة الـ20 لترًا، في نهاية العام 2014، بعد سقوط العاصمة صنعاء بيد جماعة الحوثي ودخول اليمن في مواجهات عسكرية، حتى وصل السعر الرسمي في العام الماضي إلى 5800 ريال، وفي شهر مارس الماضي وصل سعر الصفيحة إلى 9900 ريال.
لم تتوقف أسعار البنزين عند هذا الحد، وفي بداية شهر أبريل الجاري، ارتفعت تكلفة الصفيحة إلى 16000 ريال، وبعد دخول 4 سفن محملة بالبنزين إلى ميناء الحديدة، توقع الناس انفراجة وانخفاضًا كبيرًا للأسعار، إلا أن شركة النفط التابعة لجماعة الحوثي أعلنت، في 10 أبريل، أن سعر الصفيحة 12600 ريال.
المعاناة تتكرر
أسعار البنزين والديزل لم ترتفع في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي “أنصار الله” فقط، بل شملت المحافظات التابعة للحكومة، وترتب عليها توقف الزيارات الأسرية كما هو الحال في صنعاء.
سامي مهيوب الذي يعمل في القطاع الصحي، ويعيش في مدينة تعز، يمر بالمعاناة ذاتها، فأسعار المشتقات النفطية حالت دون الاستمرار ببرنامج الزيارات العائلية التي كان ينفذها كل عام في رمضان، واتخذ قرارًا بتقليص زياراته لأسرته وأصهاره التي كانت تمتد لمعظم أيام شهر، كنوع من صلة الأرحام، وتمتين العلاقات العائلية، إذ جعله ارتفاع أسعار البنزين يوقف سيارته ولا يستخدمها إلا للمشاوير الضرورية.
مشكلة أخرى
أسعار البنزين والديزل ليست المشكلة الوحيدة التي تقف أمام تبادل الزيارات العائلية، وتجمع الأسر، فحصار المدن التي تشهد مواجهات، وقطع الطرقات في مناطق التماس، والتحول إلى الطرق البديلة، صارت تحديًا آخر، يقطع أوصال آلاف العائلات.
الثلاثيني حمدي أحمد الذي يعيش في منطقة الحوبان بمدينة تعز (وسط اليمن)، وجد نفسه محاصرًا بين أجور المواصلات المرتفعة، والطريق البديلة التي تأخذ منه ما يقارب 4 ساعات للانتقال من منزله إلى وسط المدينة التي تحاصرها جماعة الحوثي منذ 7 سنوات.
يعمل حمدي في مصنع أغذية بمنطقة الحوبان الواقعة في الضواحي الشرقية لمدينة تعز، وكان يقطن مع عائلته وسط المدينة، إلا أن الحصار جعل من الصعب عليه الوصول إلى مقر عمله، علاوة على أجور المواصلات التي ستكلفه ما يصب إلى 12 ألف ريال في اليوم الواحد، فاضطر إلى نقل سكنه إلى قرب المصنع، لكنه وجد نفسه معزولًا عن أسرته، وبخاصة في شهر رمضان المبارك الذي اعتاد أن يكون فيه مع الأهل، مما جعل رمضان يبدو مختلفًا، ويزيد من إحساسه بالغربة.
ويقول: “قبل الحرب كنت أقطع المسافة إلى وسط المدينة بما لا يزيد عن نصف ساعة، لكن الآن نسافر في طريق مزدحمة وشديدة الوعورة، وأحتاج إلى ساعات طويلة من السفر كلما فكرت بزيارة الأسرة”، ويضيف: “من الصعب في الوقت الحالي زيارة الأسرة في شهر رمضان، وستقتصر الزيارة على عيد الفطر المبارك وعيد الأضحى”.
أمل جديد
بمفاوضات سلطنة عمان الأخيرة انتعشت آمال سكان المدن المحاصرة الذين يقعون بين سندان غلاء أجور النقل ومطرقة الطرق البديلة، بإعلان مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، هدنة تبدأ من 2 أبريل وتنتهي في 2 يونيو 2022، والاتفاق على فتح مطار صنعاء الدولي أمام رحلتين تجاريتين في الأسبوع من وإلى المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية، وفتح ميناء الحديدة أمام 18 سفينة تحمل مشتقات النفطية، علاوة على بدء مباحثات فور دخول الهدنة حيز التنفيذ، لفك الحصار على محافظة تعز والمدن المحاصرة، لتيسير حركة المدنيين وتنقلاتهم.
وهذا ما جعل الآمال تنتعش لدى الخمسيني علي عبدالله الذي يعمل في صنعاء، والذي اضطر منذ قرابة 4 أعوام، بسبب انقطاع المرتبات، وارتفاع إيجارات المنازل، إلى العودة بعائلته إلى مسقط رأسه بمحافظة الضالع، والعيش بمفرده على أمل أن يستطيع زيارتهم بشكل متكرر، وبخاصة في شهر رمضان، لكن تكاليف المواصلات والحصار الذي تفرضه جماعة الحوثي على المدينة في منطقة الفاخر، جعل التفكير بزيارة الأهل أمنية صعبة المنال بحسب المشاهد.