أزمة الغاز تفاقم معاناة اليمنيين في رمضان
عبدالكريم عامر -صنعاء
تعاني غالبية الأسر في صنعاء ومناطق شمال اليمن، من أزمة خانقة في توفر غاز الطهي المنزلي، إلى جانب ارتفاع أسعاره في السوق غير الرسمية (السوق السوداء)، تزامنًا مع شهر رمضان، في ظل استمرار الأوضاع المعيشية الأشد بؤسًا، على حياة المواطنين في المناطق الخاضعة لحكومة صنعاء، جراء شحة مصادر الدخل وانقطاع مرتبات الموظفين في القطاع العام.
ومنذ بداية شهر رمضان الجاري، ينعدم الغاز في معظم مراكز التوزيع المحدودة في كثير من مناطق شمال اليمن، في مقابل توفره بكميات كبيرة في “السوق السوداء”، التي يصل فيها سعر قنينة (أسطوانة) الغاز الـ(15 لترًا) إلى 17 ألف ريال.
المواطن الخمسيني، خالد تلها، يؤكد أنّ المواطنين أصبحوا معتادين في كل رمضان، على حدوث أزمة الغاز، الذي ترتفع أسعاره، ويصعب الحصول عليه في السوق الرسمية، في حين يتوفر بكثرة في السوق الموازية؛ الأمر الذي يفاقم الحالة المعيشية القاسية التي يعيشها أغلب المواطنين.
في المقابل، يُحمّل المسؤولون في صنعاء، التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات مسؤولية “افتعال” الأزمة. أحد المسؤولين بالشركة اليمنية للغاز في صنعاء، (فضّل عدم ذكر هويته)، قال دول العدوان تقف خلف معاناة المواطنين؛ تحتجز سفن المشتقات النفطية وتمنع دخولها إلى البلاد”.
نصيب النساء من الأزمة
تتحمل غالبية النساء اليمنيات في مناطق شمال اليمن، الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، جزءًا كبيرًا من المعاناة الناجمة عن أزمة الغاز، الأمر الذي يدفع بكثير من ربات البيوت إلى البحث عن بديل مناسب وعاجل، يساعدهن في إعداد وجبة الإفطار الرمضانية لأسرهن، خصوصًا تجهيز أرغفة الخبز، حيث أصبح اللجوء إلى استخدام الأفران التقليدية ضرورةً مُلحة.
هند عبدالله، ربة بيتٍ تشكو من عدم توفر مادة الغاز بمنزلها، بسبب عملية احتكاره وتوزيعه والاتجار به في “السوق السوداء” بأسعار مرتفعة، ما جعلها تستعين بأحد الأفران القريبة من المنزل، لاستكمال تحضير حاجة أسرتها من الخبز لوجبة الإفطار الرمضاني.
وتقول هند منذ فترة ونحن بلا غاز، ولا نستطيع شراءه من السوق السوداء بسعرٍ غالٍ؛ نضطر إلى أخذ “العجين” إلى الفرن لإنضاجه، كون حالتنا المادية لا تسمح بشراء الخبز الجاهز، فنحن بالكاد نستطيع توفير الطحين”.
وسيم الشرعبي، أحد العاملين بمخابز الجمهوري بالعاصمة صنعاء، قال إن كثيرًا من النساء اللاتي لا يتوفر لديهن الغاز، يلجأن إلى إرسال ما أعددنه من عجين إلى الفرن بهدف خبْزِه، مقابل مبلغٍ بسيط، نظرًا للحالة المادية الصعبة التي تعيشها معظم الأسر، ولا سيما في شهر رمضان.
في حين لجأت بعض النساء، الى استخدام الوسائل التقليدية البديلة عن الغاز، كالحطب، وحرق “الكراتين”، كما هو الحال مع السيدة إيمان اللداني، التي ذكرت أنها ترسل بعجينها فقط إلى الفرن، فيما تطبخ بقية طعام أسرتها باستخدام الحطب والوسائل التقليدية.
استغلال ومتاجرة
يعدُّ استمرار أزمة الغاز المنزلي، أحد مظاهر الظروف المعيشية المعقدة التي يعيشها اليمنيون، ولا سيما مع تزايد حدة الأزمة في شهر رمضان بشكلٍ لافت، الأمر الذي ضاعف وطأة المعاناة بصورةٍ كبيرة، خصوصًا على النساء اللاتي تقع عليهن مسؤولية طهو الطعام.
وفي حديثها تتذمر السيدة هدى اللبني، من استمرار الأزمات المتلاحقة على المواطنين، خاصة أزمة الغاز، مؤكدةً أن المسؤولية تتحملها جميع أطراف الصراع في اليمن، التي تشارك في صناعتها. وتضيف بالقول: “حياتنا أصبحت كلها حصارًا. السفن وناقلات النفط والغاز محتجزة، حتى يزيدوا الأسعار لمصلحتهم”، بحسب اللبني.
يعتقد كثير من اليمنيين، أن أطراف الصراع، تستغل معاناة السكان في مناطق سيطرتها، كورقة للمتاجرة بمعاناتهم الإنسانية في المحافل الدولية، إلى جانب التربُّح والثراء غير المشروع، من خلال التحكم بعمليتي توزيع وبيع غاز الطهي “المنزلي”، خصوصًا في شهر رمضان.
إلى جانب ذلك، يقول البعض إن هناك ازدواجية في توزيع حصص الغاز على الأحياء، حسب نظام التوزيع الذي تتبعه حكومة صنعاء. عن ذلك تبدي المواطنة نور اللاعي، امتعاضها من تلك الازدواجية، “يصرفون الغاز لأحياء معينة ويستثنون أحياء أخرى بدافع المحسوبية، ثم يبيعونه في السوق السوداء بالسعر الذي يرونه، ويجعلوننا نضطر أن نخبز لقمة فطورنا عند أصحاب الأفران، إمعانًا في التحكم بنا وحرماننا من أي راحة”
في ذات السياق، تؤكد المواطِنة عائشة الشبامي، تَجَدُّد عديد من الأزمات في كل موسم رمضاني، وأبرزها أزمة الغاز، الذي ينعدم من الأسواق، وتشهد أسعاره ارتفاعًا يفوق القدرة المادية للمواطنين. تُعلِّق الشبامي على ذلك بأسى: “ظروفنا متعبة، خليها على الله؛ الموت أرحم لنا من هذه العيشة والمهانة”.
يشار إلى أن جميع أطراف الصراع في اليمن، لم تفِ بمسؤوليتها في وضع حدٍّ نهائي لاستمرار أزمة الغاز وتبعاتها الشاقة على المواطنين، خصوصًا على النساء اللاتي تحملن عبء المسؤولية، في ظل عجز كثير من الأسر عن توفير قنينة (أسطوانة) الغاز من السوق السوداء، جراء صعوبات الفترة الراهنة، التي شهدت مزيدًا من التعقيدات المعيشية، أجهزت على آخر ما تبقى لديهن من أحلام بسيطة، على قارعة المآسي التي خلفتها سنوات الحرب في البلاد بحسب خيوط.