“نيويورك تايمز”: كيف تحوّل “أنصار الله” إلى دولة تملك صواريخ باليستية ومسيّرات؟
حيروت – صحافة دولية
كتب بن هوبارد، مدير مكتب صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في بيروت، تحقيقاً في الصحيفة تناول فيه صعود تنظيم “أنصار الله” في اليمن من مجموعة من المقاتلين البدائيين إلى جماعة تحكم دولة تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة تضم مجموعة من صواريخ كروز والصواريخ الباليستية وقوارب كاميكازي انتحارية وطائرات مسيّرة.
وقال الكاتب إنه عندما اقتحمت مجموعة من المتمردين المعروفين باسم “الحوثيين” جبال شمال اليمن في عام 2014 واستولوا على العاصمة صنعاء، وصفهم أصدقاؤهم وخصومهم على حد سواء بأنهم مقاتلون قبليون غير محنكين وهم يركضون بصنادل ومسلحين ببنادق رخيصة. لكن خلال الحرب الأهلية التي مزّقت اليمن في السنوات التي تلت ذلك، مرت الجماعة بتحوّل ملحوظ. وهي الآن تحكم دولة بدائية في شمال اليمن وتمتلك ترسانة ضخمة تضم مجموعة من صواريخ كروز والصواريخ الباليستية وقوارب كاميكازي.
وأضاف: يقوم “أنصار الله” أيضًا بتجميع طائراتهم بدون طيار بعيدة المدى، والتي وسعت نطاق وصولها عبر شبه الجزيرة العربية وضاعفت تهديدها للسعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما شريكتان للولايات المتحدة وتقودان التحالف الذي شن الحرب ضد اليمن منذ عام 2015.
ونقل الكاتب أن الفضل في التوسع السريع لقدرات الحوثيين يعود إلى حد كبير إلى المساعدة العسكرية السرية من إيران، وفقاً لمزاعم مسؤولين ومحللين أميركيين ومن الشرق الأوسط.
وقال عبد الغني الإرياني، باحث أول في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية: “ما نشهده في اليمن هو أن التكنولوجيا هي عامل التعادل العظيم. طائرتك F-15 التي تكلف ملايين الدولارات لا تعني شيئاً لأنني أمتلك طائرتي بدون طيار التي تكلف بضعة آلاف من الدولارات والتي ستسبب نفس القدر من الضرر”.
ورأى الكاتب أن صعود “أنصار الله” كقوة قادرة على الضرب إلى ما هو أبعد من حدود اليمن ساعد على دفع عملية إعادة اصطفاف سياسية أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط، الأمر الذي أدى ببعض الدول العربية إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل” في عام 2020 ودفع دولاً أخرى للتحرك نحو التعاون العسكري والاستخباراتي السري لمواجهة إيران.
وقال إن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تشاركان “إسرائيل” قلقها من الدعم العسكري الإيراني للميليشيات في جميع أنحاء المنطقة وهما تنظران إلى “إسرائيل” كشريك دفاعي جديد محتمل، على أمل أن التقنيات التي طوّرتها للقتال ضد حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان يمكن أن تحميهما بشكل جيد.
التكنولوجيا العسكرية المتطورة
وأشار بن هوبارد إلى أن التكنولوجيا العسكرية المتطورة لتنظيم “أنصار الله” قد أضافت دافعاً آخر للجهود السعودية لإنهاء الحرب بعد سبع سنوات من شنّها. لكن هذه التطورات ربما جعلت “الحوثيين” أقل اهتماماً بإنهائها، على الرغم من أنهم وافقوا على وقف إطلاق النار لمدة شهرين بدأ في بداية هذا الشهر، بهدف إطلاق محادثات السلام. أما السعودية والإمارات فقد دعما إطلاق مجلس رئاسي جديد تم تشكيله هذا الشهر لإدارة الحكومة اليمنية وقيادة المفاوضات مع “الحوثيين”.
ومع ذلك، في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، أظهر “انصار الله” التهديد الذي يشكّلونه على دول دول الخليج العربية بعد الهدوم على مستودع وقود في أبو ظبي، عاصمة الإمارات؛ ما وضع القوات الأميركية في الإمارات في حالة تأهب بينما تنشر القوات الأمريركية والإماراتية أنظمة دفاع مكلفة لإسقاط الصواريخ القادمة؛ كما أشعلوا منشأة نفطية في غرب السعودية، إذ امتلأت السماء فوق سباق سيارات “الفورمولا 1” بدخان أسود كثيف.
وقال الكاتب إن الحرب قد عمقت علاقة “أنصار الله” مع داعمهم القوي، إيران، مما سمح لهم بتطوير اقتصاد حرب واسع لتمويل عملياتهم. كما جعلهم سلطة غير متنازع عليها على جزء كبير من شمال اليمن، حيث يعيش أكثر من ثلثي سكان البلاد – وهي مكاسب من غير المرجح أن يتخلوا عنها طواعية، كما قال محللون.
وقالت ندوى الدوسري، محللة شؤون اليمن في معهد الشرق الأوسط: “إذا توقفت الحرب، سيتعين على الحوثيين أن يحكموا، وهم لا يريدون أن يحكموا – لتوفير الخدمات وتقاسم السلطة. إنهم يزدهرون في الحرب وليس في السلام”.
لقد شحذ “أنصار الله”، قدراتهم في حرب العصابات خلال سلسلة من المعارك الضارية مع الدولة اليمنية والسعودية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وعززت تلك الصراعات من شعورهم بأنهم مستضعفون يدافعون عن اليمن ضد المعتدين الأكثر قوة.
وقد وضعت شعاراتهم: الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام” على ملصقات في أنحاء أراضيهم وهتفوا بها في الاحتجاجات.
وتابع الكاتب أنه في عام 2014، استولى “أنصار الله” على صنعاء، وأعلنوا أنهم يسعون إلى القضاء على الفساد. وتدخل تحالف عسكري بقيادة السعودية ضدهم في أوائل عام 2015، وشن حملة قصف تهدف إلى إعادة الحكومة المعترف بها دولياً التي دفعها “الحوثيون” إلى المنفى. مع وصول الحرب إلى مأزق طاحن وأزمة إنسانية متفاقمة، عززت إيران بهدوء دعمها لآلة الحرب الحوثية.
في بداية الحرب، رد الحوثيون في الغالب على السعودية بضرب أهداف على طول الحدود السعودية مع شمال اليمن. لكن مدى تطور أسلحتهم وتطورها قد زاد بسرعة، مما مكنهم من استهداف المواقع الحساسة بدقة في السعودية والإمارات، على بعد مئات الأميال من حدود اليمن.
تشمل أسلحتهم الآن صواريخ كروز وصواريخ باليستية، يمكن أن يطير بعضها أكثر من 700 ميل، وفقًا لتقرير حديث عن “أنصار الله: أعدته كاثرين زيمرمان، الزميلة في معهد “أميركان إنتربرايز”. لقد نشروا زوارق كاميكازي بدون طيار لضرب السفن في بحر العرب ولديهم مجموعة من الطائرات بدون طيار التي تحمل عبوات ناسفة ويمكنها الطيران لمسافة تصل إلى 1300 ميل.
وزعمت زيمرمان أن بعض المعدات، مثل محركات الطائرات بدون طيار وأنظمة تحديد المواقع، يتم تهريبها بمساعدة إيرانية. لكن معظم أسلحة الجماعة مصنوعة في اليمن. يتم تجميع الطائرات بدون طيار من أجزاء مهربة ومحلية باستخدام التكنولوجيا والمعرفة الإيرانيتين، ويتم تصنيع الصواريخ من نقطة الصفر أو تعديلها لمنحها المدى المطلوب للوصول إلى عمق السعودية. حتى الآن، تسببت معظم هجمات الحوثيين في أضرار محدودة وتعلم خصومهم إسقاط الطائرات بدون طيار والصواريخ.
لكن قبل بدء وقف إطلاق النار، واجهت السعودية غالباً هجمات متعددة شهرياً. وقال التحالف الذي تقوده السعودية في كانون الأول / ديسمبر إن الحوثيين أطلقوا 430 صاروخاً باليستياً و851 طائرة مسيرة مسلحة على المملكة منذ آذار / مارس 2015 مما أسفر عن مقتل 59 مدنياً سعودياً، بحسب الزعم السعودي.
تكلفة الدفاع من نيران اليمن
وأشار الكاتب إلى أن الدفاع ضد النيران القادمة من اليمن مكلف للغاية. وقالت زيمرمان إن صاروخاً لنظام دفاع باتريوت، على سبيل المثال، قد يكلف مليون دولار، بينما تقدر تكلفة الطائرات بدون طيار والصواريخ التي يملكها “أنصار الله: ما بين 1500 إلى 10 آلاف دولار.
وتساءل الكاتب إن كانت هذه الحرب حرباً بالوكالة بين السعودية وإيران في معركتهما على النفوذ في الشرق الأوسط. فقد اتهم السعوديون إيران بدعم المتمردين اليمنيين. ونفت إيران هذا الادعاء.
أما الولايات المتحدة فقد دعمت التحالف الذي تقوده السعودية منذ بداية الصراع. وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة ستنهي دعمها، لكن إدارته واصلت بيع الأسلحة للسعودية والإمارات. في كانون الثاني / يناير الماضي، تدخل الجيش الأميركي لمساعدة الإمارات على إحباط هجوم صاروخي من قبل “أنصار الله”.
ولا يزال اليمن منقسماً بين “أنصار الله” الذين يسيطرون على الشمال وصنعاء والحكومة المدعومة من السعودية في الجنوب. ومع استمرار العمليات العسكرية، أصبحت البلاد موقعاً لما تصفه جماعات الإغاثة بأنه أحد أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
في الأول من نيسان / أبريل الجاري، قالت الأمم المتحدة إن الطرفين المتحاربين قبلا هدنة لمدة شهرين. كما أعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تنازله عن السلطة، وهي علامة أخرى على أن داعميه السعوديين ربما يبحثون عن طريق للخروج من إراقة الدماء.
وفي خطاب ألقاه الشهر الماضي بمناسبة الذكرى السابعة للعدوان بقيادة السعودية، قال زعيم “أنصار الله”، السيد عبد الملك الحوثي، إن الحصار الذي تقوده السعودية لأراضيهم والضربات الجوية على قواعدهم ومخازنهم دفعت الجماعة نحو تصنيع أسلحة محلية. وقال إن هدف المجموعة هو أن تكون قادرة على ضرب أي هدف، بما في ذلك في السعودية أو الإمارات أو بحر العرب.
وأضاف الحوثي: “لقد عملنا للوصول إلى مستوى الانطلاق من أي مكان نريده، حتى البحر. نحن حريصون جداً على الضرب من أي محافظة إلى أي نقطة في البحر”.
في عام 2019، أعلن الحوثيون عن هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ على منشآت نفطية في شرق السعودية أوقف مؤقتاً نصف إنتاج المملكة النفطي. في حين أن طائرات الحوثيين بدون طيار كانت على الأرجح جزءاً من الهجوم، خلص مسؤولون أميركيون في وقت لاحق إلى أن الضرر الكبير كان من صواريخ كروز التي ربما جاءت من الشمال، وربما أطلقت من العراق أو إيران،