“ضعف السمع” .. إعاقات غير مسجلة بقوائم ضحايا الحرب في اليمن
صفية مهدي – صنعاء
“تضرر سمعنا جميعاً تقريباً في المنزل، بعد سقوط صاروخ انفجر على بعد أمتار قليلة منا، نجونا من الإصابات المباشرة، لكن مع الوقت بدأنا ندرك أن السمع تأثر وخصوصاً لطفلي البالغ من العمر ثلاث سنوات”، تقول سمر أحمد، وهي يمنية واحدة من عدد غير معروف على وجه الدقة، من ضحايا الحرب المنسيين، الذين باتوا يعانون الأضرار التي ألحقتها انفجارات قريبة، لكنهم لم يُدرجوا يوماً في قائمة الضحايا.
الأطفال يتضررون بشكل خاص
سمر أحمد ثلاثينية، وهي أم لثلاثة أطفال، باتت تتردد على أحد مراكز علاج السمع في صنعاء مع طفلها، الذي يعد الأكثر تضرراً إذ لم تكن أسرته تعلم بتضرره سمعه إلا بعد مرور أكثر من عام، إن المشكلة بدأت الظهور لجميع أفراد الأسرة التي وقع انفجار ألحق أضراراً في منزلها وأجبرها على النزوح. وتضيف “بدأت ألحظ أنني لا أسمع الصوت المنخفض وأطلب إعادة الكلام، وعندما بحثت عرفت أن الانفجارات يمكن أن تكون أحد الأسباب ذهبت لمركز متخصص للفحص، وتأكدت من ضعف بإحدى الأذنين”.
الطفل عمرو، ابن سمر، الذي بلغ عمره الخامسة، كان الأكثر تضرراً، إذ لم تلحظ أسرته عليه الآثار سوى بعد مرور أكثر من عام، عندما لُوحظ أنه لا ينتبه على الفور بالإضافة إلى ضعف الفهم والنطق. وعند عرضه “على الطبيب تأكدنا من تضرره بدرجة أكبر” وقد بات يستخدم معينات سمعية، رغم أن الفحص عند ولادته من قبل لم يظهر أي إعاقة في السمع.
الطفلة نهى، البالغة من العمر 7 سنوات، حالها لا يختلف كثيراً عن عمرو، حيث تسكن في إحدى المناطق التي تعرضت لقصف متكرر، أصيبت بالصمم نتيجة القصف المكثف وتمزق طبلة الأذن عند وقوع أحد الانفجارات القوية، ويقول والدها، إن عمرها كان أشهراً فقط، عندما وقع الانفجار حيث لاحظ “خروج دم من أذني الرضيعة وذهب إلى المستشفى ليتأكد فقدانها لحاسة السمع”.
الانفجارات لا تستثني الكبار وإن كان الصغار أكثر عرضة للأضرار المباشرة، ففي مدينة عدن جنوبي البلاد، خسر أسعد ناصر، 32 عاماً وأب لطفلين، وظيفته كحارس في إحدى المنشآت الخاصة، بعد أن تضرر سمعه بدرجة كبيرة نتيجة انفجارات عنيفة وقعت بالقرب من مكان تواجده خلال العام 2015. ويقول ، إن الإعاقة خلقت له مشكلة “في فهم من حوله”، وسببت أضراراً نفسية حيث يجد حرجاً في توضيح حالته السمعية لمن يصادفهم أو يتحدثون إليه بصوت منخفض.
في الجبهات فقدان السمع بنسبة 70 إلى 80 بالمائة
وفي حديث خاص، يقول د. نادر الجعدي نائب رئيس أحد المراكز المتخصصة بعلاج السمع في صنعاء، إن أغلب العائدين من جبهات الحرب فقدوا السمع بنسبة بين 70 إلى 80 بالمائة. ويضيف “لديّ تقريباً ثلاث حالات أطفال خافوا ومن شدة الخوف فقدوا سمعهم نهائياً”، حيث حاولنا تركيب سماعة لإحدى الحالات من دون أي فائدة فقد كان العصب السمعي متضرراً تماماً”.
وينوه الجعدي إلى أنه “بالنسبة للأطفال عادة ينضرب (يتضرر) سمعهم وهم أجنة في الشهر الرابع، حيث يبدأ السمع بالتكون، ولذلك فإن حالة الامهات اللاتي يصبن بأي خوف شديد في الشهر الرابع يؤدي إلى مشاكل في سمع طفلها”. ويقول الجعدي إنه في مستشفى السبعين، أكبر مستشفيات الأمومة والطفولة في صنعاء، “من كل 500 طفل نجد ثلاثة أو أربعة فقدوا السمع أو يعانون من ضعفه”.
ويمثل سعر المعينات السمعية تحدياً أمام الأسر، التي لا تستطيع توفيرها، في ظل الوضع الاقتصادي الصعب للغالبية العظمى من سكان البلاد، ويقول الجعدي إنه في مركز السمع الذي يتبعه “هناك ما بين 100 إلى 200 طفل، غير قادرين على اقتناء سماعات لأن مقدرتهم المادية لا تسمح ويقول ولي الأمر لا أستطيع الشراء”.
فقدان السمع أكثر مأساوية
من جانبه، يقول إخصائي الأذن والأنف في مستشفى الثورة بصنعاء، الدكتور مختار علي أحمد، إن “فقدان السمع أكثر مأساوية من فقدان البصر، ففي حين نلاحظ أن هناك أناسا ناجحين وعباقرة من فاقدي البصر، لا نجد من فاقدي السمع مثلهم بل نجدهم في أغلب الحالات في عزلة عن الناس أو في مجمعات محصورة على من يشبههم وغالبا ما نجد فاقد السمع غير قادر على الكلام والتواصل”.
ويشرح أحمد تأثير الانفجارات على الجهاز السمعي، فهي “تحدث ضررا توصيليا أو حسيا عصبيا متفاوت الشدة والاستدامة”، إذ إنه “بسبب الانفجار يتغير الضغط الجوي سلبا أو إيجابا بحدة وفجأة في ثانية واحدة يحدث اختلاف عن الضغط داخل الأذن الوسطى ومن الممكن أن يؤدي إلى تلف طبلة الأذن وتصاب بالتهاب وكذلك ممكن تعطل عمل الأذن الداخلية”. وكل ذلك “يتوقف على المسافة والقوة التي حدث بها الانفجار، والشدة التي يمكن أن يسبب ضررا توصيليا أو حسيا عصبيا”.
“الحرب ضاعفت أعداد المعاقين”
أمّا حسن عردوم، مدير الإعلام والعلاقات في صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، فيقول ، إنه بالإضافة إلى مضاعفة معاناة ذوي الإعاقة، فإن الحرب في البلاد “ضاعفت أيضا من نسبة الاعاقة في البلد وأدت الى حدوث اعاقات جديدة مختلفة: سمعية وبصرية وحركية وذهنية ومزدوجة”.
ويوضح عردوم أن نسبة الاعاقة في أي مجتمع تمثل 10 بالمائة من نسبة السكان، وفقا للتقديرات العالمية “إلا أننا في اليمن قد نتجاوز تلك النسبة حيث تشير التقديرات المحلية إلى أن نسبة الإعاقة قد تصل الى 15 بالمائة من إجمالي السكان”.
ويشدد عردوم على أنه وفي ظل الأضرار التي طاولت فئات المجتمع المختلفة، فإن “الضرر الكبير والمعاناة الشديدة على الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يفتقدون للرعاية الكاملة في ظل الحرب والحصار، حيث ضاعفت الحرب من معاناتهم واحتياجاتهم وأثرت عليهم نفسيا ومعنويا وماديا مثلما ضاعفت من أعدادهم” بحسب الdw.