الهدنة الإنسانية.. ضوءٌ في نهاية النفق
حيروت – صنعاء
تناقش منصة خيوط في أحدث تقاريرها الهدنة اليمنية باعتبار أن “الأمل سلعة نادرة في اليمن”، فبعد إكمال الحرب الدائرة في اليمن عمرها السابع، ظهرت إلى العلن تحركات مكثفة تسعى لإيقافها من زاوية إنسانية في ظل ما فجرته من أزمات تفوق قدرات ملايين اليمنيين على تحملها؛ من جوع وفقر وبطالة ونزوح وتشرد وقتل وانهيار مريع في الخدمات العامة والأمن الغذائي في عموم مناطق البلاد، التي يتقاسم السيطرة عليها طرفا الحرب؛ الحكومة المعترف بها دوليًّا وأنصار الله (الحوثيين).
ويعتبر كثيرون، ومنهم المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن الهدنة الأولى في اليمن على مستوى البلاد منذ سبع سنوات، هي لحظة ثمينة وضوء في آخر النفق، إلا أنها عرضة للخطر أيضًا. فعلى مدى ما يزيد عن سبع سنوات، عانى اليمنيون من خسارة لا يمكن تخيلها، ومن ظروف حياتية صعبة بشكل يصعب تصديقه.
وخلَّف النزاع ندوبًا مسّت كل جانب من جوانب الحياة، يمكن تمييزها في الأسواق والطرق والمدارس والمحاكم والمشافي والبيوت، وأزمة تطال نحو 21 مليون شخص بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة.
وبات الأمل سلعة نادرة في بلد أنهكتها الحرب والصراع الطاحن وما تسبب ذلك في تشظيها وتهديد النسيج الاجتماعي وانهيار الاقتصاد وتهاوي العملة المحلية، وتردٍّ معيشي ومعاناة يكتوي تحت وطأتها معظم سكان البلاد للعام الثامن على التوالي.
فرصة للسلام
تزامن حلول شهر رمضان الحالي في اليمن مع الإعلان عن هدنة لمدة شهرين كانت بمثابة جرعة أمل لليمنيين بأن الحرب التي طال أمدها -وكانوا كمدنيين أكثر من تحملوا تكلفتها الثقيلة- قد لاح مؤشر مهم لإيقافها.
في السياق، وُصفت الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة لمدة شهرين في اليمن بأنها فرصة ثمينة ستعمل على التخفيف من المعاناة الإنسانية لليمنيين وتحسين الاستقرار الإقليمي. ولكن نجاح الهدنة يعتمد على التزام الأطراف بها.
هذا ما استمع إليه مجلس الأمن في جلسة عقدها الخميس 14 أبريل/ نيسان 2022، بشأن “الحالة في اليمن”، استضاف فيها وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيثس، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، والذي زفّ أخبار التوصل إلى هدنة مع بداية شهر رمضان، هانس غروندبرغ.
وقال غروندبرغ لأعضاء مجلس الأمن في إحاطته الافتراضية: “إن هناك ضوءًا في نهاية النفق بعد حوالي ثلاثة أشهر من المفاوضات، اتفقت الأطراف على مبادرة الأمم المتحدة لهدنة في عموم البلاد لمدة شهرين وقابلة للتجديد – وهي أول هدنة (يتم التوصل إليها) منذ ستة أعوام.”
تشمل الهدنة بنودًا من شأنها تحسين حرية حركة البضائع والمدنيين من النساء والرجال والأطفال. وحتى الآن، هي صامدة، وتعتبر بمثابة مهلة لليمنيين، ولحظة –ينبغي انتهازها- للسعي نحو تحقيق السلام. على الرغم من ذلك؛ فالهدنة لا تزال هشة ومؤقتة، بحسب المبعوث الأممي.
وتابع غروندبرغ يقول: “لكنها تتطلب التزامًا مستمرًّا من الأطراف ودعمًا واسعًا من الإقليم والمجتمع الدولي للتأكد من صمودها ولتصبح نقطة تحوّل باتجاه السلام.”
منذ بداية الهدنة، ظهرت مؤشرات مشجعة وفق غروندبرغ، تشير إلى أن وقف دوامة التصعيد أمرٌ ممكن، بالإضافة إلى الانخفاض الكبير في الخسائر في صفوف المدنيين، وعدم الإبلاغ عن أي ضربات جوية داخل اليمن أو عبر الحدود من اليمن.
وتابع المبعوث الأممي يقول: “على الرغم من صمود الهدنة بشكل عام، إلا أن التقارير عن عمليات عسكرية، خاصة حول مأرب، تبعث على القلق ويجب معالجتها بشكل عاجل من خلال الآليات التي أنشأتها الهدنة.”
وأشار إلى انعدام الثقة بسبب التجارب السابقة، وذكّر الأطراف بأن المبدأ المؤسس للهدنة هو استخدام هذه المهلة للتقدم نحو إنهاء الحرب وليس تصعيدها.
وأكّد قائلًا: “نحن بحاجة إلى العمل بشكل جماعي ومكثف في الأسابيع المقبلة لضمان عدم تفككها. سأستمر في إشراك الأطراف في تنفيذ الهدنة وتعزيزها وتمديدها”. وأكّد أنّ هذا كان محور مناقشاته في مسقط وفي صنعاء، كما ناقش الخطوات المقبلة لتقوية الهدنة، والخطوات التي سيتم اتخاذها بعد انقضاء فترة الشهرين.
شدّد غروندبرغ في إحاطته على أن التخفيف على حركة البضائع والمدنيين أولوية للهدنة: “لقد رأينا بالفعل عددًا من السفن تدخل موانئ الحديدة، مما يحمل أثرًا إيجابيًّا على حياة المدنيين. كما يجب استئناف الرحلات الجوية إلى مطار صنعاء، ونحن نعمل مع الشركاء لتحقيق ذلك بأسرع ما يمكن.”
لأشهر، أدى النقص في الوقود إلى ارتفاع الأسعار، وحرم الناس من الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات. وقال وكيل الشؤون الإنسانية، مارتن غريفيثس، إن هذا النقص عرّض النساء والفتيات لمزيد من المخاطر أثناء سفرهن لمسافات بعيدة؛ بحثًا عن الماء أو غاز الطهي.”
من جانب آخر، شدد غروندبرغ على أن فتح الطرق في تعز ومناطق أخرى تعد أولوية أيضًا. وشكر حكومة اليمن و”أنصار الله” على إظهار القيادة اللازمة وتقديم التنازلات المطلوبة للتوصل إلى هذا الاتفاق، كما تحدث عن الدور المهم الذي قامت به المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان في دعم المفاوضات “التي أوصلتنا إلى هنا.”
كما شدّد على أن الهدنة تبنى على الجهود الحثيثة التي بذلتها أطراف المجتمع المدني اليمني والمجموعات الشبابية والنساء الناشطات في مجال السلام، لوقف الحرب وتحسين وضع المدنيين في عموم البلاد.
رسالة إنهاء الحرب
قال غروندبرغ إنه سيعمل مع الأطراف للبناء على عناصر الهدنة من أجل الحفاظ عليها، وكجزء من العملية متعددة المسارات التي يسعى لإطلاقها، وأضاف أن هذه العملية سوف تسترشد بالمشاورات التي بدأها مع مجموعات يمنية متنوعة. كما أحاط المجلس بمخرجات الجولة الأولى من تلك المشاورات: “الرسالة الرئيسية التي ظهرت من المشاورات حتى الآن، هي أن اليمنيين يريدون إنهاء الحرب.”
وأشار إلى أن الأسابيع المقبلة ستكون بمثابة اختبار لالتزام الأطراف. وقال: “هذا هو وقت بناء الثقة. وهذا ليس بالأمر السهل بعد أكثر من سبعة أعوام من النزاع. سيحتاج اليمن إلى دعم المجتمع الدولي الآن أكثر من أي وقت مضى؛ للحفاظ على الزخم، وللتحرك نحو التوصل إلى نهاية شاملة وسلمية ومستدامة للنزاع.”
وزار المبعوث الأممي لأول مرة صنعاء قبل الإحاطة التي قدمها لمجلس الأمن، في 11 أبريل/ نيسان الحالي، التقى خلالها بقيادات سياسية في صنعاء لمناقشة تنفيذ مختلف عناصر الهدنة التي تستمر شهرين في اليمن، إضافة إلى سبل تعزيزها وتجديدها وتمتينها. وأجرى نقاشات أيضًا حول طرق المضي قدمًا بما يتضمن تقوية إجراءات اقتصادية وإنسانية والتحرك نحو وقف دائم لإطلاق النار. والتقى أيضًا بفريق الأمم المتحدة في اليمن واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
كما تم مناقشة التقدم المحرز في تنفيذ الهدنة حتى الآن، بما في ذلك ضرورة الحفاظ على خفض تصعيد العنف في جميع أرجاء البلاد، ودخول سفن المشتقات النفطية إلى موانئ الحديدة، وجهود استئناف تشغيل عدد من الرحلات الجوية إلى مطار صنعاء ومنه، ومساعي عقد لقاء لمناقشة فتح طرق في تعز وغيرها من المحافظات. وشدد على أهمية الاستمرار في تنفيذ الهدنة وإحراز التقدم في مختلف بنودها بالتوازي، إضافة إلى الاستفادة منها في بناء الثقة وتعزيزها بين الأطراف. وأكد أنَّه على الأطراف أن تستفيد من آليات الأمم المتحدة في تنفيذ الهدنة والحفاظ عليها.
وقال السيد غروندبرغ: “إنَّ الهدنة بمختلف عناصرها تسعى أولًا وأخيرًا إلى تحسين الظروف المعيشية للمدنيين عن طريق توفير الإغاثة وتخفيف العنف، وهو الأمر الذي اشتدت الحاجة إليه. نأمل أن يتعاون الأطراف في الحفاظ على هذه الهدنة واستخدامها كنقطة انطلاق لحل سياسي عادل وجامع ومستدام.”
تحديات وتطلعات
وبالوقوف على آراء عينة من اليمنيين، حول إذا كانت قد تنجح هذه الهدنة وتتوقف الحرب في اليمن، إذ أجمع كثير من المواطنين الذين تم استطلاع آرائهم، على أن هذه الهدنة ليست سوى استراحة محارب، وأن الأطراف المتصارعة ستعود إلى الحرب في أقرب فرصة، في مؤشر على فقدان كثيرٍ من الناس الثقةَ بأطراف النزاع، وتطلعهم إلى إيقاف الحرب بشكل كلي دون أي شروط أو تأخير. في حين كان هناك متفائلون بهذه الهدنة كخطوة أولى مهمة في طريق تحقيق السلام في اليمن، بحسب خيوط.
في جلسة مجلس الأمن، قال مارتن غريفيثس إنه بعد سنوات عديدة من الصراع والأزمات، أصبح هناك أنماطٌ من التغييرات التي من المحتمل جدًّا أن تساعد في تمهيد الطريق لمستقبل أكثر إشراقًا لليمن.”
وقال إنه على الرغم من التقارير عن استمرار الاشتباكات المحدودة في بعض المناطق، لا سيّما في مأرب وتعزّ، فقد تراجعت الأعمال العدائية بشكل حاد في جميع أنحاء البلاد. السماح بانهيار عملية الإغاثة من شأنه أن يتعارض بشكل مباشر مع الزخم الإيجابي الذي نشهده في الجهود الأوسع المبذولة لحل الأزمة.
لكن، بعيدًا عن هذا الأمل، لسان الواقع يقول إن ملايين الأشخاص في اليمن لا يزالون بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، بحسب غريفيثس. وأشار إلى أن الشركاء الإنسانيين يبذلون كل ما في وسعهم للمساعدة، “هذا العام تحتاج وكالات الإغاثة إلى 4.3 مليار دولار لمساعدة 17.3 مليون شخص في البلاد.”
وأكّد غريفيثس أن التمويل يظل من أكبر التحديات أمام الاستجابة، مع وجود مخاطر على البرامج الأساسية عبر القطاعات –من بينها المساعدة الغذائية والماء والرعاية الصحية والدعم للأشخاص النازحين– حيث سيتواصل تقليصها، وفي نهاية المطاف ستتوقف إذا لم تحصل على التمويل المطلوب.
وتابع يقول: “إن السماح بانهيار عملية الإغاثة من شأنه أن يتعارض بشكل مباشر مع الزخم الإيجابي الذي نشهده في الجهود الأوسع المبذولة لحل الأزمة. نتطلع إلى العمل مع جميع الجهات المانحة لدينا هذا العام لضمان استمرار البرامج المنقذة للحياة على النطاق المطلوب.”
ومن التحديات الأخرى، صعوبة الوصول إلى بعض المناطق. ففي العام الماضي، كان نصف الأشخاص المحتاجين للمساعدة يعيشون في مناطق متأثرة بصعوبة الوصول إليها، لا سيّما كنتيجة للعراقيل البيروقراطية. وكثير من تلك القيود تؤثر بوجه خاص على النساء العاملات في المجال الإنساني، وبرامج مخصصة لسلامة الفتيات والنساء.
وقال غريفيثس: “أجدد دعوتي إلى جميع الأطراف من أجل بذل كل ما في وسعها لتيسير الوصول الإنساني إلى كل الأشخاص المحتاجين، بما يتماشى مع التزاماتها وفق القانون الدولي.”
كما حث على معالجة التحديات التي تواجه العاملين الإنسانيين، مشيرًا إلى مرور خمسة أشهر على “اعتقال” موظفين مع الأمم المتحدة على يد السلطات الحوثية، وأكد على استمرار الجهود لإطلاق سراح خمسة من طواقم الأمم المتحدة تم اعتقالهم على يد رجال مسلحين في أبين في شباط/ فبراير.
وأشار غريفيثس إلى أنه يتسلح بالأمل، لكن يتوقف هذا الأمل على أشياء كثيرة، بما في ذلك التزام الأطراف باغتنام هذه اللحظة، فضلًا عن التزام هذا المجلس المستمر بتشجيعهم على القيام بذلك.
وقال غريفيثس، مع الهدنة، “سيصبح من السهل الوصول إلى المجتمعات التي تعيش بالقرب من خطوط المواجهة – بما في ذلك في تعز، حيث عانى السكان منذ سنوات، لأن مدينتهم محاصرة بسبب النزاع والطرق المغلقة. هذه كلها أخبار جيدة، ما دامت الهدنة صامدة. قد يكون هناك المزيد من الأخبار السارة في الأفق.”
وسيتمكن الأشخاص الذين يحتاجون إلى السفر إلى الخارج، من صنعاء، للحصول على رعاية طبية أو لأسباب أخرى، أخيرًا من القيام بذلك.
ورحب المسؤول الأممي بحزمة الدعم الاقتصادي البالغة ثلاثة مليارات دولار، والتي تم الإعلان عنها في المشاورات اليمنية الأخيرة التي عقدها مجلس التعاون الخليجي. وهذا يشمل دعم الوقود والمساعدة التنموية، ووديعة جديدة بقيمة ملياري دولار في البنك المركزي اليمني –من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة– والتي من شأنها أن تساعد على استقرار العملة.
كما يجب على جميع الأطراف انتهاز الفرص العديدة التي تقدمها هذه اللحظة، إضافة إلى أهمية وقوف المجتمع والالتفات إلى تطلعات ملايين اليمنيين والوقوف إلى جانبهم وهم يسعون جاهدين لتأمين مستقبل أكثر أمانًا وإشراقًا وسلامًا بعد أن أنهكتهم الحرب والصراع الدائر، وفقدوا بسببها كل وسائل الحياة المعيشية المتاحة، بحسب خيوط.