حيروت – أحمد الحسني :
تبدو المحافظات الجنوبية خارجة من سياق الهدنة المعلَنة أخيراً بين صنعاء والرياض؛ إذ تتواصل فيها، بتغطية إماراتية، محاولات «الانتقالي الجنوبي» السيطرة على ما تبقّى من مناطق خارج قبضته، فيما لا تَظهر المنشآت الحيوية، وعلى رأسها الموانئ والمطارات، موضوعة على طاولة البحث، الأمر الذي ينذر باستمرار الأوضاع الكارثية الحالية في تلك المحافظات
على رغم التفاعل اليمني والإقليمي والدولي مع الهدنة المعلَنة أخيراً بين صنعاء والرياض، والتي شكّلت منعطفاً هامّاً في مسار السلام في اليمن، إلّا أن الهدنة تُواجه عقبات قد لا تستطيع الصمود أمامها، ليس في ما يخصّ مأرب فقط، بل أيضاً في ما يتعلّق بالمناطق الجنوبية. ومع أن «المجلس الانتقالي الجنوبي» أعلن وقف القتال والتحشيد في الجبهات، عادت الأيام القليلة الماضية لتشهد تصعيداً من قِبَله ضدّ القوات المحسوبة على حزب «الإصلاح»، ولا سيما قوات المنطقة العسكرية الأولى في مدينة سيئون في محافظة حضرموت، والتي وصفها قائد لواء «بارشيد»، التابع لـ«الانتقالي»، بـ«وكر الإرهاب»، متّهماً إيّاها بتوفير الغطاء لتحرّكات الجماعات الإرهابية التي تنفّذ عمليات في المحافظات الجنوبية. في موازاة ذلك، تحضّر قوات «الحزام الأمني»، الموالية للمجلس، للانتشار في مديريات محافظة أبين التي تخضع لسيطرة مُنافسيها، وسط تسريب معلومات عن نشاط لعناصر تنظيم «القاعدة» في مديريات المنطقة الوسطى (لودر، الوضيع، مودية والمحفد)، سارعت قيادة أمن محافظة أبين إلى نفيها.
والظاهر أن الإمارات تدفع بـ«الانتقالي» إلى استكمال سيطرته على بقيّة المناطق الجنوبية التي لا تزال خارج قبضته، وهي بعض مديريات أبين، إضافة إلى وادي حضرموت ومحافظة المهرة. وهنا، يرى البعض أن المواجهة الحقيقية للمجلس ستكون في الوادي، حيث الثقل العسكري للمنطقة العسكرية الأولى، التي تحوي ترسانة عسكرية ضخمة، ويتواجد فيها الآلاف من العسكريين الموالين لنائب الرئيس المُقال أخيراً، علي محسن الأحمر. لكن بعد إقالة الأخير، فقدت هذه القوات الغطاء السياسي، الأمر الذي جعلها في وضع حرج، بين سندان «الانتقالي»، ومطرقة السعودية التي ربّما تسعى إلى نقل المنطقة الأولى إلى مأرب، وتسليم «الانتقالي» وادي حضرموت بشكل سلس، على غرار تسليمه شبوة قبل أشهر، بعد إخراج «الإصلاح» منها.
هكذا، وفي الوقت الذي تتّجه فيه أنظار المراقبين إلى صنعاء لتلمّس نجاح الهدنة من عدمه، تنتظر المحافظاتِ الجنوبية تحوّلاتٌ عسكرية وأمنية تبدو خارجةً من سياق الاتفاق، الذي عُنيت شروطه في المقام الأول بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، فيما لم تتطرّق إلى المطارات والموانئ الجنوبية. وفي حال التزم التحالف السعودي – الإماراتي بتنفيذ تلك الشروط، فإن صنعاء ستتنفّس الصعداء، في حين ستظلّ عدن وبقيّة المناطق الجنوبية تختنق بالحصار المفروض على موانئها ومطاراتها، فضلاً عن استمرار الانقسام الأمني والعسكري بين القوات المحسوبة على ما كانت تُسمّى «الشرعية» من جهة، و«الانتقالي الجنوبي» من جهة أخرى، وهو الانقسام الذي تغذّيه الرياض وأبو ظبي منذ أكثر من أربع سنوات.
إزاء ذلك، ترتسم تساؤلات كثيرة حول كيفية تمكُّن صنعاء من إملاء شروطها على «التحالف»، في الوقت الذي فشلت فيه الأطراف الجنوبية الموالية للأخير في إدراج بعض الملفات المهمّة – بالنسبة إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها – ضمن اتفاق الهدنة، ومنها فكّ الحصار عن مطار الريان في حضرموت، ومطار الغيضة في المهرة، وهما المطاران اللذان حوّلتهما السعودية والإمارات إلى ثكنات عسكرية، إضافة إلى تسليم الموانئ ومنشأة بلحاف الغازية للحكومة التابعة لـ«التحالف»، ولو من باب ذرّ الرماد على العيون، خصوصاً أن الكثير من الجنوبيين تساءلوا فور إعلان الهدنة: «ماذا عن مطاراتنا وموانئنا»؟
تدفع الإمارات بـ«الانتقالي» للسيطرة على بقيّة المحافظات الجنوبية الخارجة من قبضته
تتكاثر الأسئلة في هذا الصدد، على رغم ثبوت قناعة لدى الجنوبيين بأن الأطراف الموالية للرياض وأبو ظبي لا تملك أن تطرح شروطها أمامها، أو أن تفتح ملفّات كهذه معهما، لأسباب كثيرة لعلّ أهمّها الاتفاق المسبق الذي أبرمه «التحالف» معها وفق معادلة: المال والسلاح والسلطة، مقابل عدم الخوض في القضايا السيادية في البلاد. ومن هنا، تبدو صنعاء الطرف الوحيد الذي يفاوض السعودية والإمارات على قضايا من ذلك النوع، الأمر الذي قد يحفّزها على ملء الفراغ جنوباً، في ظلّ غياب القوى الوطنية الجنوبية أو ضعفها أمام سياسة الترغيب والترهيب التي انتهجها «التحالف» لاحتلال الجنوب.