وحدة العرب ضرورية لتجنب مجاعة عالمية تلوح في الأفق بقلم| فوزي بن حديد
بقلم| فوزي بن حديد
حذرت منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الفاو من أن العالم سيشهد مجاعة خلال السنوات المقبلة بعد العملية الروسية في أوكرانيا، لأن معظم وارداته من القمح يأتي من هاتين الدولتين، ما قد يتسبب بأزمة غذائية يمتد صداها إلى كل الدول المتعاونة معهما، فأوكرانيا خسرت بُناها الأساسية ومحاصيلها الزراعية، ولديها ما يكفيها لهذه السنة، كما يقول مسؤولوها، لكنها لن تستطيع أن تصدّر القمح إلى البلدان العربية والإسلامية.
وبينما هدّدت روسيا الدول غير الصديقة -كما تحبّ أن تسميها- وهي الدول التي أعلنت صراحة معارضتها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بأنها لن تبيعها القمح الروسي، كما هو معتاد، لتستخدمه سلاحاً لتأديبها على ما اقترفته من مساندة لأوكرانيا ونقد لاذع لها، وهو تهديد جدّي يحمل في طياته خطراً عظيماً تشهده هذه الدول في الأسابيع والأشهر، وربما السنوات القادمة، لتكون سنوات جدب وشِدة وندرة في الحصول على الغذاء.
إن الأزمة في أوكرانيا قد تتحول إلى حرب عالمية تحمل كل دول العالم أوزارها، لأنها ستؤدي إلى أزمة غذائية قد تجعل السنوات المقبلة شِداداً على جميع الكيانات العالمية، فأوروبا وأفريقيا اللتان تعتمدان كثيراً على القمح الروسي والأوكراني ستتعرضان لأسوأ انتكاسة في الغذاء إذا تعمدت روسيا إلحاق الأذى بهما، وربما تنجو بعض الدول، لأنها صرحت بأنها مع روسيا، كباكستان، والأخرى التي لم تعارض ولم تؤيد، فبقيت محايدة، لعلها تحظى بالقمح الروسي في وقت الشدة.
ثمة أزمة غذائية عالمية سيشهدها العالم مستقبلاً. هذا ما يتنبأ به الجميع، ما لم تنتهِ الأزمة سريعاً، ولا أظن أنها ستنتهي قريباً، رغم إعلان تركيا أن هناك أملاً في لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلنسكي، فحجم الدمار في أوكرانيا كبير جداً، وروسيا لم تحقق أهدافها التي رسمتها لنفسها بعدُ، مع توتر العلاقات الروسية الأوروبية بعد طرد دبلوماسيين روس من عدة دول أوروبية، ما سبّب عدم ثقة بين الجانبين، وسيدفع روسيا إلى التعامل بالمثل مع هذه الدول.
أما أميركا بايدن، فهي لم تتحكم في أعصابها، وجنّ جنونها على بوتين، فوصفته بأبشع الأوصاف، من قاتل إلى جزار إلى مجرم حرب، إلى غيرها من الأوصاف البشعة التي تبيّن مدى حنق واشنطن على الرئيس الروسي، ولم تستطع حتى الآن أن تكبح قراراته التي قضّت مضاجع الغرب وأجبرت بعض دوله على اختبار صواريخها الفرط الصوتية للاستعداد ربما لحرب نووية.
لكن الأهمّ الآن أننا مقبلون على مجاعة عالمية، والعالم نفسه يشهد مجاعات في كل مكان من آسيا وأفريقيا، وقد تلحق أوروبا بهما، لتعلن أنها غير قادرة على توفير الغذاء لشعوبها، وأنها غير قادرة في الوقت الراهن على الأقل على توفير البديل أو زراعة القمح في أراضيها، فهي عاجزة عن القيام بذلك، فضلاً عن توفير الاكتفاء الذاتي في هذا المجال، في حين أن أفريقيا، وهي التي تعيش قسوة الجوع في أحلك صوره، في الوقت الذي كان الأوروبيون يتنعمون بأفضل موائد الطعام ويرمون منه الكثير في القمامات، فإنها تتضور جوعاً، ويموت الكثير من شعوبها جراء ذلك.
من غير المعقول أن لا يَعتبر العرب من هذه الأحداث، ومن غير المستبعد أن تتعرض دولنا لمجاعة، بعد أن ذكرت الإحصائيات أنَّ كثيراً منها يعتمد في غذائه على المحصول الروسي والأوكراني. لقد جاء اليوم الذي ينبغي للعرب أن يعلموا أنهم في خطر، وأن شبح المجاعة قد يدق أبوابهم، إذا استمرت الأزمة بهذه الوتيرة من التصعيد، وما لم يحصل توافق على إنهائها ووقف إطلاق النار.
هي فرصة لمراجعة النفس، وهي أيضاً فرصة للعرب للرجوع إلى جامعة الدول العربية، وترميم بيتهم من الداخل، لتخرج توافقات على وحدة جديدة قوامها العمل معاً من أجل إنقاذ دولهم من المحيط إلى الخليج، فهي تملك جميع الثروات الطبيعية والبشرية والمادية والعقول القادرة على السير في درب التقدم والازدهار والتميز في كلّ المجالات التي يمكن أن تطرأ على فكر بشر.
ومن الغذاء مثلاً، يكون السودان وحده حلاً جذرياً لإنهاء معاناة الجوع التي تصيب الملايين من البشر، فلِمَ لا تكون هناك عزيمة وإرادة قوية للتغيير وفك التبعية للآخر والخروج من عنق الزجاجة إلى الفضاء الجديد، فالسودان وحده يملك الأراضي الشاسعة الخصبة القادرة على توفير الغذاء للعرب جميعاً، بل للعالم أجمع، كما يقول علماء التغذية، فهو يحتاج إلى الإرادة السياسية القوية فقط لتحويل هذه الأراضي إلى محاصيل من الشعير والقمح والذرة، وهي المحاصيل التي يحتاجها البشر، لكن الغرب لا يريد لهذه الدولة أن تعيش السلام، ولا يريد للعرب أن يجتمعوا، ويختلق الإشاعات والمبررات لإثارة الفتن في الداخل والخارج، ويبقى السودان رهين الاضطرابات الداخلية وتابعاً للقوى الأجنبية.
وقد علمت “إسرائيل” بثروات السودان، فسارعت إلى التطبيع معه، بعد أن تهيأ لها الجو العام إثر إطاحة عمر البشير الذي حكم السودان لفترة طويلة، من دون أن ينقذ البلاد من التبعية المذكورة، فحدث أن حصلت “إسرائيل” على ما تريده من السودان إلى حد الآن، وتهيأت الظروف المناسبة لها للتأثير فيه، من خلال إقامة علاقات معه، رغم الجدل الذي ثار حول هذه العلاقات، فهل سيتعلم العرب الدرس مما يحدث الآن في روسيا وأوكرانيا أو أنها أزمة عابرة، كما عبرت أزمات أخرى مرت على العالم، ولكنها حالكة؟