الدراما اليمنية.. أزمة الحضور وأسباب التعثر
صنعاء – أحمد الكمالي
يتنافس أحد عشر عملاً دراميًّا يمنيًّا خلال شهر رمضان الكريم هذا العام (2022) للفت أنظار المشاهدين من خلال سبع قنوات فضائية يمنية، وهو عدد مرتفع مقارنة بسنوات ما قبل الحرب، التي لم يتعدّ الإنتاج الدرامي فيها أكثر من ثلث هذا العدد.
وشهد الإنتاج الدرامي اليمني الرمضاني الموسمي في السنوات الأخيرة تصاعدًا تدريجيًّا مع تزايد عدد القنوات الفضائية وشركات الإنتاج… وعلى الرغم من الزيادة الكمية التي راكمها إنتاج القطاع الخاص… إلا أن تجربة الدراما اليمنية التي يزيد عمرها عن 40 عامًا، ما تزال تعيش أزمة في الظهور، لدرجة لم تستطع إقناع المشاهد اليمني بمتابعتها بنسب مرتفعة، ولم تستطع هذه الدراما تجاوز القنوات اليمنية للعرض والظهور على قنوات عربية… الأمر الذي يُكرّس السؤال القديم الجديد: ما طبيعة أزمة الدراما اليمنية وأسباب تعثرها؟
على الرغم من تصاعد عدد الأعمال الدرامية خلال سنوات الحرب الراهنة، حيث أنتج في الثلاثة الأعوام الأخيرة 31 مسلسلا تلفزيونيًّا، (11، 12، 8، في الأعوام 2022، 2021، 2021 على التوالي)، وبقدر ما أسهمت الحرب في تزايد عدد الأعمال إلا أنها أيضًا قد ألقت بظلالها على مضمون تلك الأعمال سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر.
اتسمت معظم الأعمال الدرامية التي تعرض على القنوات اليمنية في رمضان هذا العام بالطابع السياسي والابتعاد عن قضايا المجتمع ومعالجة آثار الحرب كما الموسمين الماضيين، علاوة على السمة الكوميدية المبتذلة، التي ما زالت هي الطاغية كما السنوات الماضية، باستثناء بعض الملاحظات الإيجابية لبعض الأعمال الدرامية، لكن لا ينفي ذلك خلوها من المشاكل الرئيسية التي تعاني منها الدراما اليمنية، سواءً من حيث تقديم صورة نمطية سلبية عن اليمني كشخصية “سخيفة وغريبة الأطوار”، والأخطاء الإخراجية كعدم تجانس الشخصيات مع أدوارها، ووجود نوع من الانفصام بين رسالة العمل الدرامي وسياقه الزماني والمكاني.
ما يزال الإنتاج، هذا العام، مقتصرًا على ذات القنوات الفضائية التي تتعاقد مع نفس الفنانين، الكتّاب، المخرجين كل عام، وهو ما يصفه بعض النقاد بـ “الشللية” في الإنتاج الدرامي، يعود ذلك لقلة وجود شركات إنتاجية مؤهلة لصناعة دراما منافسة… فمعظم شركات الإنتاج الموجودة تعمل كمنتج منفذ للقنوات فقط، باستثناء شركة (دوت نوشن) التي برزت على الساحة بإنتاج مسلسل “سد الغريب” عام 2020، الذي عُرض على قناتي المهرية ويمن شباب، لكنها لم تتمكن هذا العام من عرض مسلسلها “ماء الذهب” بسبب عدم توصلها إلى اتفاق مع القنوات الفضائية اليمنية، حسب بيان صادر عن الشركة.
عدم تمكن شركة دوت نوشن من عرض مسلسلها (ماء الذهب)، الذي كان سيكون العمل الوحيد الذي يشارك في تأليفه روائي يمني مقارنة بالمواسم الثلاثة الأخيرة منها تحديدًا، يعكس ما يعانيه الإنتاج من أزمة رافقت الدراما اليمنية طوال مسيرتها، حسب نقاد.
لصورة أوضح وتقييم أشمل لواقع الدراما اليمنية كان لا بد من مناقشة ماهية الأزمة التي تعيشها، وأسباب تعثرها مع كتّاب وسيناريست متخصصين، نقاد، مخرجين، فنانين ومهتمين بالعمل الدرامي.
حاضنة ثقافية
لم تجد الدراما اليمنية منذ نشأتها حاضنة ثقافية أو جهة ترعاها بشكل رئيسي، حيث نشأت في أحضان التلفزيون الحكومي والإنتاج الموسمي، فيما استمرت مشكلات الإنتاج، وغياب تأهيل الكادر الفني المختص، بالإضافة إلى غياب التقاليد لشكل الدراما وطريقة إنتاجها كعدم وجود تحديد دقيق لعوامل التقييم من حيث الخبرة والكفاءة، وغياب النقد والتقييم الحقيقي الذي يسمح بمراكمة النجاحات وتجاوز العثرات كمشكلات رافقت الدراما اليمنية طوال مسيرتها، حسب السيناريست والمؤلف، محمد الحبيشي
جرعات التهريج
ويلفت (الحبيشي) إلى أن الدراما اليمنية في الوقت الراهن تعاني بالإضافة إلى أزماتها القديمة، أزمة بالأفكار في النصوص الدرامية، «ومعاناة موضوعاتها من خواء من الداخل وعدم احترام عقلية المشاهد»،
ويعزو ذلك «للجهل بقيمة وأهمية السيناريو الذي أصبح للأسف مهنة من لا مهنة له، إلى جانب الأزمة السياسية والانقسام الذي يشهده البلد، مما يدفع بالكتّاب للتهرب من مناقشة القضايا الحقيقية للمجتمع التي يجب أن تناقشها الدراما».
من خلال تجربته في التأليف الدرامي، يتطرق الحبيشي إلى ما وصفه بـ”مذبحة التشويه” الذي يتعرض له السيناريو من قِبل المنتج والمخرج، انطلاقًا من حرص المنتجين على زيادة جرعات التسلية المبالغ بها، «وأحيانًا لا يكون المخرج على مستوى النص الدرامي وغير قادر على ترجمته بشكل إبداعي، ناهيك عن تعرض الأفكار والنصوص الدرامية للسرقة نتيجة لغياب الطابع المؤسسي في تقديم وتوثيق السيناريوهات».
ظلال السياسة
«لا تقتصر مشكلات الدراما على السيناريو فقط، فكل مجالات الإنتاج الدرامي المختلفة تعاني من مشكلات في اليمن، لذا من الطبيعي أن يكون الناتج منها يعاني من مشكلة هو الآخر»، حسب الناقدة، هدى جعفر، وأرجعت، (جعفر)، عجز الدراما اليمنية عن تحقيق قفزات تؤهلها للمنافسة، «للعقلية التي يتعامل بها المنتج مع العمل الدرامي وتأثير تبعيته للتوجهات السياسية التي تلقي بظلالها على العمل، وعدم تحديد معايير واضحة لاختيار العمل الدرامي، والفهم المغلوط للتمثيل والكوميديا التي يتم الاستخفاف بها في اليمن بالرغم من كونها فنًّا راقيًا وصعبًا».
الأخطاء الإخراجية
الاستخفاف بالعمل الدرامي، والإنتاج لأجل الإنتاج يترتب عليه عادة تكرار الأخطاء الفنية والإخراجية التي تقع بها المسلسلات اليمنية كل عام.
يرى المخرج إبراهيم الأبيض، وهو أحد أكبر المخرجين في التلفزيون اليمني الحكومي، أن تكرار نفس الأخطاء الفنية في الأعمال الدرامية اليمنية يعود لضيق الوقت الذي تُنتَج خلاله هذه الأعمال، بالإضافة إلى إغفال بعض المخرجين للأسس الفنية المطلوبة لإنتاج أيّ عمل درامي.
ويحثّ الأبيض المخرجين على «اختيار الممثل المناسب للدور، كذلك المكان والملابس المناسبة الملائمة للشخصية التي تقوم بالدور، والتنبه لعدم الوقوع في الأخطاء الإخراجية الفاضحة كتعدد اللهجات، وعدم تناسق الفئات العمرية في شخصيات أسرة واحدة».
العشوائية في اختيار الشخصيات المناسبة للأدوار الفنية، وإنْ كانت مسؤولية المخرجين، إلا أن الجميع يتحمل هذه المسؤولية، وتبدأ (العشوائية) من الإنتاج الذي يفرض شخصيات معينة لتلك الأدوار، وكذلك الفنانون الذين يقبلون بأدوار يعرفون مسبقًا أنها لا تناسبهم، حسب نُقّاد.
وتتحدث الممثلة القديرة، أمل إسماعيل، عن موسمية الإنتاج المقتصرة على رمضان، «والتي تضطر الممثل اليمني لقبول عروض بأدوار قد لا تناسبه بسبب وضعه المعيشي والمسؤوليات المترتبة على عاتقة… فمعظم الفنانين ليس لديهم درجات وظيفية حكومية، ولا يوجد من يدعمهم».
وحتى يقدِّم الفنان اليمني فنًّا راقيًّا.. تؤكد (إسماعيل) «أهمية أن يكون الجو متاحًا ومهيئًا له، من ناحية نفسية ومادية، اجتماعية، ثقافية، وأشياء كثيرة، بالإضافة إلى وجود شركات إنتاج تقدم أعمالًا متواصلة ليصقل الفنان خبرته».
لكن ثمة من يتحدث عن مشكلة تأهيل.. يقول الكاتب، خالد الضبيبي، إن «الدراما اليمنية تحتاج لمراكز و معاهد تأهيل عامة لكوادر العمل الدرامي المختلفة: تمثيل، إخراج، مونتاج، تصوير، ديكور، كتابة سيناريو».
الرعاية والحرية
تقتصر دراسة الفنون التمثيلية في الجمهورية اليمنية على كلية الفنون في جامعة الحديدة، ومعهد في عدن توقف عن العمل، فيما غاب المسرح الذي يُعد قاعدة صلبة وأساسية لانطلاق العمل الدرامي في أيّ بلد.
ويوضح أستاذ السينما في كلية الفنون بجامعة الحديدة، سمير العفيف، لـ “اليمني الأميركي”، أن «الدراما اليمنية تحتاج لرعاية من الدولة والمؤسسات المعنية كوزارة الثقافة، مع إتاحة الحرية للعمل الدرامي؛ فبدون حرية لا يمكن أن تنتج أعمال راقية، وهي ضرورة لتتجاوز الدراما اليمنية الاجتهادات الشخصية، وتتحول لصناعة يمكنها المنافسة».
في الأخير، يُجمع النقاد والمهتمون بالدراما اليمنية على حاجة الدراما اليمنية لبنية تحتية يتوافر لها إمكانات تقنية ومادية تُمكّن من استمرار وتواصل الإنتاج في أجواء من الحرية تُتيح لها الاقتراب من قضايا المجتمع وفق رؤية إنتاجية وإخراجية منافسة… انطلاقا من وعي مؤسسي يولي الفنون أولوية؛ باعتبارها أبرز عوامل صناعة وعي المجتمع وثقافته… حينها ستتجاوز الدراما اليمنية أزمتها،بحسب “اليمني الأميركي”.