الهدنة اليمنية في أسبوعها الثاني.. صمود رغم الخروقات
عدن – منال شرف
دخلت الهدنة اليمنية أسبوعها الثاني وسط توقعات متفاوتة لليمنيين بشأن صمودها، في ظل اتهامات متبادلة بخرقها، إذ يسجل كل طرف خروقات للهدنة في أسبوعها الأول، لكنها خروقات لا ترقى إلى إمكانية انهيارها حتى الآن على الأقل.
وبدأ ميناء الحديدة يستقبل ناقلات المشتقات النفطية بعد انقطاع دام لأشهر، فيما تجري ترتيبات لفتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية، مع توقع بفتح الطرقات في مدينة تعز المحاصرة منذ العام 2015.
وتجري ترتيبات مستمرة لتنفيذ باقي بنود اتفاق الهدنة، كما صرح المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرج. إلا أن اختلاف الآراء بشأنها في أوساط الشارع اليمني ونخبته لايزال مستمرًا، البعض يجمع على كونها مطلبًا شعبيًا ملحًا، وآخرون يتساءلون عمّا إذا كانت فرصة كافية لبدء عملية سلام شامل.
تفاؤل حذر
تكمن أهمية الهدنة، بحسب نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق، عبدالباري طاهر، في كونها تؤكد على رفض الشعب اليمني (باستثناء قادة الجماعات المسلحة والنافذين والمستفيدين من الأطراف الإقليمية والدولية) للحرب التي “دمرت الكيان والمجتمع اليمني، وحولت اليمن إلى أسوأ كارثة يشهدها العالم”.
ويتساءل الصحفي رشاد الشرعبي، عن الضمانات لأجل أن يسلم الجميع بمخرجات الحوار الوطني، واستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب على الحكومة الشرعية، والعودة إلى مبدأ المواطنة المتساوية، والتسليم بالنظام والقانون.
ويقول الشرعبي: السلام حلم ورغبة لدينا جميعًا، لكن نرفض الاستسلام لهذه الجماعة الإقصائية والاجتثاثية، والتي تسعى لاختطاف اليمن من موقعه الإقليمي وحضنه العربي”.
ويشير عيبان السامعي، وهو باحث سياسي، إلى أن أية هدنة أو جهد يسعى إلى تخفيف معاناة المواطنين، وإنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن، هو محل ترحيب وتقدير، لكن هذا لا يكفي؛ إذ لا بد أن ينطلق هذا الجهد من رؤية حقيقية تتعاطى مع الملف اليمني بشمولية وليس بالتجزئة، وأن يقوم على ضمانات محلية ودولية لنجاحه وتحقيق الأهداف المتوخاة”.
ضمانات غائبة
ويعترض السامعي على تجاهل الهدنة لرفع الحصار عن تعز، وفتح الطرق الرئيسية التي تربط تعز بالمحافظات الأخرى، وملف المختطفين والمخفيين قسرًا، وعدم تضمنها نصًا صريحًا وواضحًا لوقف التحرك والتحشيد العسكري لأطراف النزاع، سواء في مناطق الشمال أو الجنوب، منوهًا بالقول: “قد تستغله بعض الأطراف، وعلى وجه الخصوص الجماعة الحوثية، في إعادة تموضعها وتجميع قواها استعدادًا لجولات قادمة من الحرب”.
ويقول فهمي محمد، رئيس الدائرة السياسية للحزب الاشتراكي اليمني في تعز: “بعض الإجراءات المتخذة في الهدنة غير مفهومة ومقبولة على المستوى الإنساني، كترحيل ملف تعز إلى مشاورات قادمة، وهو ما تحرص عليه الحركة الحوثية للاستفادة سياسيًا من ملف تعز في المشاورات السياسية القادمة”.
ويؤكد السامعي أن الهدنة لم تنص على أية ضمانات محلية أو دولية لنجاح تنفيذ بنودها ومراقبة وقف إطلاق النار.
تسوية منقوصة
“يبدو لي أن السعودية تبحث عن مخرج يحفظ لها ماء الوجه؛ لهذا عملت على إخراج هذه الهدنة وبتلك الصيغة، تزامنًا مع عقد المشاورات في الرياض بين الأطراف اليمنية المناوئة للجماعة الحوثية؛ مع ما تنطوي عليه هذه المشاورات من مآخذ وملاحظات كثيرة”، يقول السامعي.
قد تقود الهدنة والمشاورات إلى تسوية منقوصة مع الجماعة الحوثية، بحسب السامعي، الذي يرى أنها لا تلبي حاجة اليمنيين إلى السلام الحقيقي والمستدام، بقدر ما تلبي حاجة السعودية إلى وجود ضمانات بعدم استهداف الحوثيين لحدودها الجنوبية، وهندسة المشهد السياسي اليمني من خلال إعطاء دور محوري لبعض التكوينات المسلحة، وفي مقدمتها: “قوات طارق صالح، والمجلس الانتقالي، وبعض الجماعات السلفية والقبلية”؛ ما يعني “استبعاد الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والروافع الاجتماعية والشعبية للسلام المنشود”.
“لا معنى للهدنة بدون العودة للحوار”
يرجع فهمي إجماع مجلس الأمن على تأييد الهدنة، في المقام الأول، إلى الدور المنوط بالمجلس والمتمثل في “العمل على حفظ الأمن والسلام الدولي”، مضيفًا: “الحرب في اليمن طالت، واتخذت أبعادًا توشك أن تدين الجميع، والملف الإنساني اليمني بات محرجًا للدول العظمى في مجلس الأمن، ما يجعله معنيًا بدعم أية مبادرات سلام أو عقد هدنات بين الأطراف”.
ويؤكد طاهر أن الهدنة ليست منة أو تفضلًا من أطراف الحرب وداعميها، وإنما هي “شاهد عجز واضح عن تحقيق أي حسم أو انتصار عسكري، وهناك أحداث دولية تفرض على الجميع الاتفاق على الهدنة؛ لأن صناع الحروب قد طالتهم وتطالهم آثارها المدمرة، كما أن الضغط الشعبي والدولي قوي”.
ويقول: “لا معنى للهدنة بدون العودة للحوار والمفاوضات، ولكن اتفاق الهدنة تم بين أطراف الحرب، وهم كل المأساة، وطرف في الحل، ولا يمكن أن يكون صناع المشكلة هم صناع الحل”.
الإيمان بالسلام
إنهاء معاناة الشعب اليمني يحتاج، بحسب الشرعبي، “لطرف يؤمن بالسلام ومستعد له، ولمجتمع دولي جاد وصادق، ينفذ قراراته، ويحافظ على العملية السياسية التي كانت تحت رعايته، ويقدم ضمانات أو يفرض الحل السلمي بقوة السلاح، أو يمنح الشرعية الفرصة لتفرضه، ولا يستخدم العراقيل والضغوط”.
ويقول فهمي إن نجاح الهدنة في مسألة تحقيق السلام “مرهون بنظرة الأطراف الحالية تجاه فكرة الحرب ونتائجها الكارثية، وقدرة اليمنيين على تجاوز معادلة الصراع الإقليمي”، فيما يرجعه طاهر للإرادة الوطنية الشاملة، موضحًا: “ينبغي أن يتشارك في صنع الحل كل ألوان الطيف المجتمعي المدني والأهلي، والأهم المرأة والشباب والمستقلين وقواعد الأحزاب، وأن ينادي المجتمعان الأهلي والمدني للدعوة لحوار وطني ومجتمعي شامل”.
ويرى السامعي أن الصيغة المناسبة لوقف الحرب تتمثل في “عقد مؤتمر مصالحة يضم كل الأطراف اليمنية، وعلى أرض يمنية”، بعيدًا عن إملاءات وتأثيرات الأطراف الإقليمية والدولية؛ “لإنتاج حل شامل ومستدام لمختلف القضايا، ووفق مرجعية مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل”، بحسب المشاهد.