الحروب البعيدة.. فاتورة مكلّفة تضاعف معاناة اليمنيين
صنعاء – عصام القدسي
مطلع الأسبوع الماضي خرج مروان عبدالله، أحد سكان منطقة المعلا في عدن، لشراء بعض المواد الغذائية الضرورية لرمضان، ليتفاجأ بأن سعر زيت الطعام 20 لترًا بـ55 ألف ريال يمني؛ أي ما يقارب 50 دولارًا أمريكيًّا، بحسب سعر صرف الدولار في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، ليس هذا فحسب، بل كانت صدمته أشد جراء ارتفاع أسعار المواد التموينية الأخرى، ومنها مادة الدقيق، التي أضيف على سعر الكيس منها 5 آلاف ريال، مقارنةً بما كان عليه مطلع الشهر الجاري.
زاد الفقراء
يشكل الارتفاع في مادة الدقيق قلقًا كبيرًا لدى اليمنيين، شمالًا وجنوبًا، في ظل الحرب المحتدمة بين أهم دولتين يستورد اليمن منهما القمح والدقيق، نظرًا لعروض السعر المنخفضة نسبيًّا مقارنة بالسوق الأمريكية والأسترالية التي يقدمها البلَدان، وهو ما جعل خبراء في الاقتصاد يدقون ناقوس الخطر، في حال تطور الصراع أو استمر مدة أطول: “إذا عطّلت الحرب إمدادات القمح، للدول التي تعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائها، ومنها اليمن، فإن ذلك قد يتسبب بأزمة تعيد التظاهرات وعدم الاستقرار من جديد في دول عدة، بحسب معهد الشرق الأوسط للأبحاث .
هذا وتتضاعف المخاوف من انعدام الدقيق -وجبة اليمنيين الأساسية- باعتبارها الأقل كلفة لاستمرار الحياة في البلاد، خاصة أن اليمن يمر بوضع وصفه برنامج الأغذية العالمي بـ”أسوأ وضع يمكن للشخص أن يتخيله”. وجاء على لسان المدير التنفيذي للبرنامج، ديفيد بيزلي، عقب زيارته لليمن في 24 شباط/ فبراير 2022: “ليس لدينا خيار سوى أخذ الطعام من الجياع لإطعام المتضورين جوعًا”، محذرًا من أن اليمن يتجه نحو كارثة، إذ ينضب التمويل الإنساني، مما يضطر البرنامج إلى تقليص المساعدات الغذائية لملايين الأسر الجائعة.
أسواق مشتعلة
لم تكُن الأسعار في مدينة عدن، قد تراجعت جراء ارتفاع سعر الدولار مقابل الريال اليمني، لتأتي أزمة الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها بشكل مباشر على بلد أثخنته الأزمات. وعلى الرغم من أن هذه الحرب بعيدة بنيرانها وصواريخها، لكنها لن تكون بمنأى عن بلد يستورد حوالي 90% من غذائه، بالإضافة إلى أن معظم واردات النفط والسلع الأساسية –تقريبًا- من هاتين الدولتين. إذ يستورد اليمن ثلث القمح الذي يستهلكه من روسيا وأوكرانيا، وهو ما قد يتأثر بسبب النزاع الحالي، خاصة مع تقييد الإمدادات وزيادة الأسعار الغذائية –التي تضاعفت أصلًا في اليمن السنة الماضية- وفقًا لوكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيثس، الذي أكّد في إحاطته أمام مجلس الأمن في 15 مارس/ آذار 2022، الذي أشار إلى أن “اقتصاد اليمن المعتمد على الاستيراد أصبح أكثر هشاشة الآن مما كان عليه قبل أسابيع قليلة”.
منوهًا إلى أن “الاقتصاد اليمني يحتاج إلى دعم المجتمع الدولي، حتى من خلال عمليات ضخ النقد الأجنبي والإجراءات الأخرى، لتجنب التسبب بمزيد من الضرر”.
الجدير بالذكر، أن أسعار السلع الغذائية والتموينية وباقي السلع الأخرى، شهدت منذ أكثر من أسبوع تقريبًا، قفزاتٍ كبيرةً في مدينة عدن وبقية المحافظات اليمنية، الأمر الذي زاد من مخاوف المواطنين، في الوقت الذي يتجاوز فيه سعر الدولار الواحد ألف ومائتي ريال.
لا تختلف العاصمة اليمنية صنعاء عن باقي المدن اليمنية الأخرى، فقد شهدت خلال الأشهر الماضية أزمات معيشية قاتلة، إذ وصل سعر الدبة الـ(20) لترًا في السوق السوداء إلى 35 ألف ريال، أي في حدود 59 دولارًا وفق سعر صرف العملة الأمريكية في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، أزمة ألقت بظلالها على كافة مناحي الحياة.
على رصيف شارع (التلفزيون) بجانب سوق الرشيد في العاصمة صنعاء، يقف سعيد الوصابي كل يوم في انتظار عمل جديد، يحمل معداته وأوجاعه كل صباح مع عشرات آخرين، بداخل كلٍّ منهم قصة عناء وكفاح في سبيل الظفر بعمل يضمن لهم العيش الكريم. بنبرة القهر والحرمان يتحدث الوصابي لـ”خيوط” قائلًا: “أنتظر عملًا جديدًا، أستطيع من خلاله شراء بعض الاحتياجات الضرورية من المواد الغذائية قبل دخول رمضان، الذي يتوقف معه العمل أيضًا”، ويضيف: “أخوض سباقًا شرسًا، للحاق بالأسعار التي تتزايد بشكل جنوني، وأتشارك ذات المخاوف مع بقية اليمنيين في حال انعدم الدقيق من السوق بسبب ما يحدث في العالم”.
“خيوط” صورت مأساة الناس، ونقلت مخاوف الشارع للجهات الحكومية المعنية، التي بدورها اعتبرت أن القلق فيما يتعلق بالدقيق وارتفاع الأسعار ليس قلقًا محليًّا فقط، بل دوليًّا، ومع ذلك تحاول طمأنة السكان بشأن واردات القمح. ووفقًا لوزارة الصناعة والتجارة في عدن، فإنه قد جرى تقييم المخزون الاحتياطي الموجود في مناطق سيطرتها، خلافًا للبواخر المؤكد وصولها، مؤكّدة أنها سوف تغطي الاحتياج خلال الستة الأشهر القادمة.
أسواق بديلة
من ناحية أخرى أفادت الجهات الحكومية عبر مدير عام مراقبة الأسواق في عدن، فضل صويلح أن هناك دولًا بديلة لاستيراد القمح، كأمريكا وأستراليا والهند والبرازيل وفرنسا. مؤكدًا أن عملية الاستيراد ستكون بنفس القيمة السعرية والجودة.
وبالرغم من هذه التطمينات يرى خبراء في الشأن الاقتصادي أن عملية البحث عن أسواق بديلة، قد يستغرق أشهرًا لإيجاد وسطاء، إلى جانب ما يتطلبه التحول نحو أسواق جديدة، وهو ما يجعل هؤلاء التجار مضطرين لتأمين مبالغ كبيرة من العملة الصعبة، مع احتمال فقدان الامتيازات التي كانوا يحظون بها في أسواقهم الحالية، زد على ذلك الخشية من نفاد مخزونهم المتواضع من القمح والدقيق في ظل عدم وجود دعم حكومي، وهو ما سينعكس على الأسعار سلبًا.
من جهتها، حاولت “خيوط” معرفة المخزون الاحتياطي للقمح المتوفرة، في حال لو استمرت أزمة الحرب الأوكرانية الروسية، مع عدم قدرة التجار على الاستيراد، لكن لا أرقام حقيقية ودقيقة من وزارة الصناعة والتجارة عن هذه الكميات، وكل ما قاله مدير مكتب نائب وزير الصناعة والتجارة، راشد حازب “إن هذه الأرقام مطمئنة، وستكفي احتياج اليمن من خمسة إلى ستة أشهر قادمة”.
ولفت حازب إلى أن هذه الكميات المتوفرة لديهم فقط، هي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، خلافًا للكميات المتواجدة في المناطق التي تخضع لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، ويشكّل ذلك -وفقًا للمسؤول الحكومي- “مخزونًا إضافيًّا إلى جانب المخزون الذي لدى المنظمات الدولية في مناطق اليمن المختلفة”.
إهمال حكومي
بالعودة إلى ما قبل عقدين ونصف من الزمن، كانت المؤسسة العامة للحبوب، إحدى أبرز المؤسسات الحكومية التي تمتلك صوامع لتأمين المخزون الاستراتيجي من القمح والحبوب الأخرى، ولكن الإهمال الحكومي أحالها إلى خراب، إلى جانب المؤسسة العامة للتجارة الخارجية والحبوب كذلك، ونتيجة لعمليات الفساد والعجز المتزايد في موازنات حكومات اليمن السابقة، تقلص الدعم المخصص للقمح في الموازنة العامة للدولة تدريجيًّا، ومن ثَمّ التخلي عن وظيفة تأمين حاجة البلد من هذه المادة، بدواعي خلق منافسة وإشراك القطاع الخاص في وظيفة كانت حكرًا على الدولة، ما اعتبره باحثون اقتصاديون فشلًا حكوميًّا، دفع الأخيرة لرمي الحمل على القطاع الخاص، إضافة إلى ما رافق ذلك من إهمال وصل حد التجميد للصوامع التي كانت تُستخدم لتأمين مخزون استراتيجي للقمح.
حاليًّا، صارت الصوامع المتواجدة في اليمن ملكًا لعدة مجموعات تجارية خاصة، وليست مؤهلة لتأمين مخزون استراتيجي يوازي ولو نصف حاجة البلد من القمح والدقيق، كما يقدر الباحث الاقتصادي نبيل الشرعبي؛ وذلك لكونها حد قوله: “صُممت وفقًا لحجم قدرة كل مجموعة على المنافسة في السوق وبما يتناسب مع خططها التي وزعت السوق اليمنية إلى حصص، وكل مجموعة لها حصة بدواعي تنويع فرص المنافسة بين القطاع الخاص”.
إلى ذلك، كانت وكالات الأمم المتحدة قد حذرت من سقوط اليمن في براثن أزمة جوع كارثية حيث يحتاج 23.4 مليون شخص للمساعدة في عموم البلاد؛ أي ثلاثة من بين كل أربعة أشخاص مهددون بالجوع، وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية: “هذا الرقم مذهل، ومقلق للغاية”. داعيًا إلى المساعدة في تقديم التمويل اللازم لرفع المعاناة عن اليمنيين، المصدر خيوط.