السعودية تُحاور حلفاءها ومُنافِسيها: دفْع إماراتي لانتزاع وادي حضرموت
عدن – أحمد الحسني
في الوقت الذي كانت فيه السعودية تستضيف القوى الموالية لها وللإمارات في حوار يمني في الرياض، أرادت تصويره كـ«مبادرة» لإنهاء الحرب، استمرّ شبح الفلتان الأمني في التخييم فوق المحافظات الخاضعة لسيطرة الدولتَين، مع اغتيال قيادي في «الحزام الأمني» بعد أيام قليلة على تصفية اللواء ثابت جواس. وبذلك، تبدو مشاورات الرياض أقرب إلى محاولة متجدّدة لضبط بوصلة الصراع بين «الحلفاء»، خصوصاً في ظلّ استمرار أبو ظبي في استغلال الخضّات الأمنية للدفْع في اتّجاه استكمال إحكام قبضتها على الجنوب
شهدت المحافظات الجنوبية، على مرّ السنوات الماضية، خضّات أمنية متعدّدة، كان لعدن النصيب الأكبر منها، على رغم تواجد العديد من الأجهزة الأمنية المموَّلة من أبو ظبي، والتي تضمّ عشرات الآلاف من العناصر تحت مسمّيات مختلفة، في المدينة؛ إذ تفشل تلك الأجهزة في إحباط أو وقف مسلسل العمليات التي تحصد قيادات عسكرية بارزة، وتستهدف منشآت حيوية. وفي آخر حلقات ذلك المسلسل، قُتل، يوم الأربعاء الماضي، قائد محور العند و«اللواء 131»، التابع لقوات الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، ثابت مثنى جوّاس، في عملية ولّدت إرباكاً في المشهدَين السياسي والأمني، خصوصاً أنها جاءت بالتزامن مع النشاط الخليجي والدولي لعقد مؤتمر في الرياض يضمّ الأطراف اليمنية الموالية للسعودية والإمارات، بهدف الخروج باتفاقات أمنية وعسكرية وسياسية تنهي الانقسام بين تلك الأطراف، كما أنها توازت مع استمرار «المجلس الانتقالي الجنوبي» (الموالي لأبو ظبي) في التحشيد للسيطرة على وادي حضرموت، حيث المعقل الأخير لقوات هادي في الجنوب.
وعلى وقع تلك التطوّرات، سارعت الأطراف المحلّية المدعومة من الرياض وأبو ظبي، إلى الاستثمار في حادثة الاغتيال، لا لأن المستهدَف بها قائد عسكري لعب أدواراً ميدانية بارزة في كلّ الصراعات التي شهدتها البلاد منذ عام 1990 حتى مقتله، ولكن أيضاً نتيجة التوقيت الذي وقع فيه الهجوم. ففي الوقت الذي اعتبرت فيه حكومة هادي أن العملية هي إحدى نتائج الازدواجية في عمل الأجهزة الأمنية الخارجة عن سيطرة «الشرعية» في المناطق الخاضعة لـ«الانتقالي»، محمّلةً صنعاء أيضاً مسؤولية الوقوف خلف الاغتيال، سارع «الانتقالي» إلى تجديد اتّهاماته لقوات هادي في وادي حضرموت بـ«دعم الإرهاب» الذي يضرب القيادات الأمنية التابعة لـ«الانتقالي»، خصوصاً أن عملية اغتيال جوّاس جاءت بعد أيام قليلة من استهداف قائد قوات «الحزام الأمني»، عبد اللطيف السيّد، بسيّارة مفخخة أودت بحياة أكثر من عشرة من مرافقيه، فيما نجا هو من العملية. وكان لافتاً وصف «الانتقالي»، في بيان نعي السيّد، «الجماعات الإرهابية» بـ«الإخوانية»، في إشارة إلى «حزب الإصلاح»، وتأكيده أنه سيمضي حتى استكمال «معركة اجتثاث الإرهاب من كلّ مناطق الجنوب».
غير أن السرديتَين المتقدّمتَين لم تكشفا عن ملابسات العملية، ولا قدّمتا معلومات واقعية عمّن يقف خلفها، فيما لا يستبعد مراقبون تورّط أجهزة استخباراتية إقليمية فيها، خصوصاً أن اسم جوّاس كان طُرح في الأيام القليلة الماضية لتولّي وزارة الدفاع بعد مشاورات الرياض، كحلٍّ توافقي بين «الشرعية» و«الانتقالي»، على اعتبار أنه من المتوقّع أن تتمخّض المشاورات عن هيكلة في المؤسّسات الأمنية والعسكرية التابعة لحكومة هادي، فضلاً عن تعديلات في الرئاسة. وليس اغتيال جوّاس الحادثة الأولى التي يجري الاستثمار خارجياً فيها؛ فقد سبق أن استثمرت أبو ظبي في أحداث مشابهة، كما اغتيال قائد «اللواء الأول – دعم وإسناد»، الموالي للإمارات، منير اليافعي، قبل أكثر من عامين، حيث دفع الإماراتيون، عقب ذلك، بقوّاتهم للسيطرة على عدن وإخراج حكومة هادي منها. وبعد تفجيرات مطار عدن في تشرين الأوّل الماضي أيضاً، مكّنت أبو ظبي أنصارها من السيطرة على كامل محافظة شبوة وإخراج «حزب الإصلاح» منها، إثر اتّهام الأخير بدعم «الإرهاب».
واليوم، وأيّاً يكن الفاعل وراء تصفية جوّاس، فالأكيد أن الإمارات ستدفع بالقوات الموالية لها لتتمدّد باتجاه المحافظات الجنوبية الشرقية، وإخراج قوات «المنطقة العسكرية الأولى» التابعة لـ«الشرعية» من وادي حضرموت، بتهمة التخادم مع جماعتَي «داعش» و«القاعدة» لتنفيذ عمليات في المناطق الواقعة تحت سيطرة «الانتقالي».