أوكرانيا والسعودية ونفاق الرأسمالية
حيروت – صحافة دولية
يتحدث الكاتب باتريك مارتن في مقالٍ له على موقع “World Socialist Web Site” عن ازدواجية المعايير لدى الإدارة الأميركية في مواكبتها الدقيقة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في مقابل تغاضيها عن جريمة السعودية في إعدام 81 سجيناً في يومٍ واحد.
أدناه النصّ منقولاً إلى العربية:
لا يمرّ أي تفصيل في العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا دون أن تواكبه سيل من الإدانات من إدارة بايدن ووسائل الإعلام المتنوعة بأشد العبارات، وتصوّر بوتين على أنه هتلر الجديد والجيش الروسي كنسخة حديثة من جحافل جنكيز خان. ولكن عندما يرتكب حليف الولايات المتحدة مذبحة بربرية، فإنّ واشنطن لا تقدم حتى أقل احتجاج. خاصة إن كان حليفها المورد النفط الرئيسي للمنظومة الرأسمالية. فقد صمت البيت الأبيض ووزارة الخارجية ولم يصدر عنهما أي بيان بشأن إعدام 81 سجيناً يوم السبت الفائت في المملكة العربية السعودية، وهو ما ندد به على نطاق واسع من قبل جماعات حقوق الإنسان والمعارضة السعودية في المنفى.
وعندما أثيرت القضية في المؤتمر الصحافي العادي لوزارة الخارجية قبل أيام، لم يقل المتحدث أكثر من “مخاوفنا مستمرة حول ضمانات محاكمات عادلة”. بمعنى آخر، الإدارة لم تقل شيئاً عن إعدامات النظام الملكي السعودي وحاكمها القاتل، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أرسل فرقة اغتيال لقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله داخل القنصلية السعودية في تركيا عام 2018. مع ذلك، لم يقلق وزارة الخارجية الاخيرة إلا التمثيل القانوني للمعتقلين في “محاكمة عادلة” بعد تعرضهم للتعذيب الوحشي قبل أن يقوم الجلاد بعمله الدموي.
قطع الرأس هو الأسلوب القياسي للإعدام في المملكة العربية السعودية. غالبية ضحايا الجريمة الهمجية الجديدة من المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، حيث غالبية السكان من الشيعة.
ووفقاً لمفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، فإنّ 41 من ضحايا الإعدام الجماعي قد شاركوا في الاحتجاجات المناهضة للحكومة في 2011-2012، و7 من اليمنيين، وقالت: “إنّ تنفيذ أحكام الإعدام بعد المحاكمات التي لا توفر ضمانات المحاكمة العادلة المطلوبة وهي محظورة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان قد يرقى هذا إلى مستوى جرائم الحرب”.
يتطلب القليل من الجهد لتصور ردود الفعل في واشنطن إذا كان الجيش الروسي قد أعدم 81 أسير حرب في أوكرانيا بدعوى أنهم “إرهابيون”.
إنّ سياسة النظام الملكي السعودي برمتها في اليمن جريمة حرب، تستهدف السكان المدنيين في ذلك البلد الأفقر في العالم العربي، بالتجويع والقتل. وحسب التصنيف المرحلي للأمن الغذائي المرتبط بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، فإنّ 538 ألف طفل يمني يعانون بالفعل من سوء التغذية الحاد، وسيرتفع هذا الرقم إلى 2.2 مليون بحلول نهاية هذا العام. وستعاني حوالي 1.3 مليون امرأة حامل أو مرضعة من سوء التغذية، بينما من المرجح أن يعاني 161 ألف شخص من المجاعة، وهي أشد حالات الحرمان من الغذاء، أي خمسة أضعاف الرقم الحالي. وقال رئيس برنامج الغذاء ديفيد بيزلي: “تؤكد لنا هذه الأرقام المروعة أننا في عد تنازلي للكارثة في اليمن وأن الوقت قد نفد تقريباً لتجنبه”، مضيفاً أنّ هناك حاجة ماسة لاتخاذ إجراء “لتجنب كارثة وشيكة ” تصيب الملايين من اليمنيين.
وبحسب بيان آخر لليونيسف صدر يوم الجمعة، 11 مارس / آذار، فقد تحققت الأمم المتحدة من مقتل أو إصابة ما لا يقل عن 10200 طفل منذ بدء التدخل العسكري السعودي في عام 2015. وجاءت جميع الإصابات تقريباً من القنابل والصواريخ السعودية الأميركية الصنع. فالحكومات الرأسمالية الغربية ووسائل الإعلام تشترك في صناعة غضب انتقائي وعنصري بشأن المعاناة الاوكرانية، ولا تكترث إلى المعاناة الفظيعة التي يعاني منها سكان اليمن.
لخص المشهد التمييزي والعنصري ذلّ مراسل شبكة “سي بي إس” تشارلي داجاتا بقوله: “إن الضحايا الذين يشبهوننا يستحضرون استجابة متعاطفة”. وعلق دانيال حنان من صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية قائلاً: “إنهم يبدون مثلنا كثيراً”.
وعلى المنوال عينه قال المدعي العام الأوكراني ديفيد ساكفاريليدز: “إنه أمر مؤثر حقاً بالنسبة لي لأنني أرى الأوروبيين بعيون زرقاء وشعر أشقر يُقتلون”. واعتبر رئيس وزراء بلغاريا كيريل بيتكوف أنّ “هؤلاء ليسوا اللاجئين الذين اعتدنا عليهم. إنهم أوروبيون، وأذكياء، ومتعلمون وليس لديهم ماض مجهول. لا يوجد بلد أوروبي يخاف منهم”. وقال الجنرال البريطاني المتقاعد ريتشارد بارونز، المساعد السابق لرئيس هيئة الأركان العامة: “أعتقد أن إحدى القضايا في كيفية تفاعل الرأي العام في المملكة المتحدة عندما يرى أشخاصاً يشبهوننا ويعيشون مثلنا وهم يُذبحون”.
وكانت جمعية الصحافيين العرب والشرق الاوسط قد أصدرت بياناً يدين العنصرية وسياسات “المكيالين” في التعامل مع الاحداث، وأدانت أعمال العنف بالمطلق، وأسفت من العقلية السائدة في الصحافة الغربية المتمثلة في تطبيع المأساة في أجزاء من العالم مثل الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية.
القضية الحاسمة هي ما إذا كانت الحكومة التي تنفذ المذبحة متحالفة مع الرأسمالية الأميركية. ومن هنا جاء الصمت بشأن الفظائع في المملكة العربية السعودية وكولومبيا والهند والفلبين، ناهيك عن ملايين ضحايا البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية في العراق وأفغانستان وسوريا وعبر شمال إفريقيا – في تناقض حاد مع العناوين الصاخبة والتغطية المستمرة من ضحايا غزو بوتين الرجعي لأوكرانيا.
لا ينبغي أن نتأثر بأي من الحملات في وسائل الإعلام الرأسمالية التي تهدف إلى تعبئة الرأي العام لدعم السياسة الخارجية للإمبريالية الأميركية وحلفائها الأوروبيين.