إنجلينا جولي في اليمن: هل تعيد النجومية الاهتمام ببلد منكوب؟
صنعاء – صفية مهدي
لم تمنع محدودية الأنشطة ومدة الزيارة المقدرة بيومين بين صنعاء وعدن، وقبل ذلك الإعلان المفاجئ عنها، من موجة تفاعل واسعة في الأوساط اليمنية، استُقبلت بها النجمة الأميركية والناشطة الإنسانية، إنجلينا جولي، على نحوٍ تجاوز التوقعات المرتبطة بشهرة الزائرة أو بالبلد اجتماعياً وسياسياً، وتحول إلى مرآة تعكس الهوة في وجهات النظر المتباعدة حول استقبال زائرة من هذا النوع.
في هذا السياق، كشف مصدر مطلع في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في عدن، أن التحضير غير المعلن للزيارة من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، سبق الموعد بأسبوعين تقريباً، باتصالات يلفها الحذر والحرص على التكتم بشأن تفاصيلها، وفي إطار جدول تم تحديده سلفاً يشمل المواقع التي تزورها جولي واللقاءات والاجتماعات مع المسؤولين والجهات اليمنية ذات الصلة، لتبدو الزيارة منصبة على الرسائل التي تسعى لإيصالها إلى العالم، من خلال لقاء عائلات نازحة والتجول في مخيمات نزوح.
في المقابل، وعلى رغم الاحتياطات المتصلة بالزيارة، بما فيها محدودية الأنشطة والإعلان المفاجئ قبل يوم منها فقط، فقد أشعلت موجة تفاعل يمنية واسعة، تعدت الجدل والتعليقات في وسائل الإعلام وشبكات الإعلام الجديد، وبدأت من مطار عدن الدولي، مع تسريب صورة مزعومة لجواز سفر جولي، بصورة مخالفة للقوانين المعمول بها في المطارات، وصولاً إلى تزامن وصولها إلى صنعاء، مع تظاهرة دعت إليها “جماعة أنصار الله” (الحوثيين)، للتنديد بـ”الحصار على المشتقات النفطية”، على وقع الأزمة المعيشية المتفاقمة التي دخلت مرحلة جديدة في ظل الحرب الروسية- الأوكرانية، إذ ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية والوقود.
حشد الدعم للخطة الإنسانية
في التصريح الوحيد الذي نشرته على حسابها في “إنستاغرام”، كشفت الموفدة الأممية إلى اليمن عن هدف زيارتها، وهو لقاء عائلات نازحة ولاجئة في اليمن و”إظهار دعمي للشعب اليمني”، وأضافت “بينما نواصل مشاهدة الفظائع التي تتكشف في أوكرانيا، وندعو إلى إنهاء فوري للصراع ووصول المساعدات الإنسانية، أنا هنا في اليمن لدعم الأشخاص الذين هم أيضاً في أمس الحاجة إلى السلام”. مشيرة إلى أن “الوضع هنا من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، إذ قتل أو جرح مدني كل ساعة في عام 2022″، في ظل “اقتصاد دمرته الحرب، واعتماد أكثر من 20 مليون يمني على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة”.
وبينما لم توضح جولي طبيعة الدعم، جاء بيان مفوضية شؤون اللاجئين حول الزيارة، أكثر وضوحاً، آملة “بأن تسلط زيارة جولي الضوء على الاحتياجات الإنسانية المتزايدة في اليمن وأن تساعد في حشد الدعم العاجل للعمل الإنساني قبل مؤتمر التعهدات السنوي رفيع المستوى حول اليمن والمزمع عقده في 16 آذار/ مارس، وفي دعوة الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية إلى الالتزام بوضع حد للصراع”. وهو الأمر الذي يكشف أبعاد توقيت الزيارة، قبل الفعالية التي تنظمها الأمم المتحدة سنوياً لحشد دعم المانحين لتمويل “خطة الاستجابة الإنسانية”.
وتظهر الزيارة في السياق، جانباً من الترتيبات الأممية لمؤتمر حشد التمويل السنوي، في ظل تطورات الأزمة الأوكرانية التي تطرح على إثرها أسئلة يمنية بشأن التبعات التي يمكن أن تلقيها على حجم الدعم الإنساني لليمن، بعدما أصبح الوضع في أوكرانيا الشغل الشاغل للدول الأوروبية والغربية المانحة.
إعادة تذكير بالأزمة في اليمن
وكما هو واقع الحال، فإن زيارة جولي بما لها من شهرة عالمية وسيرة حافلة بالأنشطة الإنسانية، لاقت ترحيباً من قبل الكثير من اليمنيين، نظروا إلى الزيارة بوصفها فرصة لإعادة تذكير العالم بالأزمة التي تعيشها البلاد وبأهمية إيقاف الحرب. وهو ما عبرت عنه مواقف وبيانات أصدرتها منظمات يمنية، رأت أن زيارة النجمة الأميركية أنجلينا جولي اليمن فرصة للوقوف على الوضع الإنساني لليمنيين عموماً والنازحين والمشردين خصوصاً، “بعيون إنسانية مختلفة”، وفقاً لتعبير الناشطة إشراق المقطري، عضو اللجنة الوطنية للتحقيق بانتهاكات حقوق الإنسان، بتغريدة على حسابها في “تويتر”.
ووسط جملة التفاعلات اليمنية، تنوعت جوانب النقد، بما فيها جدول الزيارة، إذ رأى معلقون أنها لم تشمل مدناً شديدة التضرر من الحرب، كما هو حال محافظة تعز جنوباً وكذلك بالنسبة إلى محافظة مأرب، التي تستضيف أكبر عدد من النازحين داخلياً، تقدر الإحصاءات الحكومية عددهم بأكثر من مليوني نازح. وكتب الإعلامي والمحلل اليمني مصطفى ناجي أن “المفوضية العليا للاجئين ومسؤولي تنسيق الشؤون الانسانية في اليمن امام امتحان أخلاقي معياره زيارة انجلينا جولي، أكبر مخيم النازحين في مأرب واطلاعها على أوضاع المواطنين في محافظة الحديدة…”.
وكان من الطبيعي ألا تخلو التفاعلات من تعليقات على غرار استدعاء مواقفها السابقة ولباسها وإثارة الشكوك بشأن دورها، الأمر الذي بدا تأثيره سلفاً، من خلال ارتدائها “بالطو”، منذ وصولها عدن وخلال زيارتها أحد المخيمات في لحج وصولاً إلى صنعاء. مع عدم إهمال تركيز كثيرين على كون الزائرة من أشهر نجوم هوليوود، وهي الصفة الأكثر ملازمة لها، وقد طغت على صفتها كـ”مبعوثة خاصة لمفوضية اللاجئين”، خلال الزيارة، بحسب درج.